الفصل الثانی عشر [647-662]

پایگاه اطلاع رسانی دفتر مرجع عالیقدر حضرت آیت الله العظمی مکارم شیرازی

صفحه کاربران ویژه - خروج
مرتب سازی بر اساس
 
مفاهیم القرآن
اللّه والتوحید فی الحاکمیة
_____________________________________ [الصفحة 648] _____________________________________
اللّه وانحصار حق الحاکمیة فیه
1. انحصار حق الحاکمیة فیه سبحانه .
2. الآثار السیئة لفقدان القائد.
3. الاقتداء بسیرة النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ .
4. الولایة والحاکمیة للّه سبحانه .
5. الولایة للّه سبحانه لا الإمرة والإدارة.
6. کلمة أخیرة.
_____________________________________ [الصفحة 649] _____________________________________
الحکومة ضرورة اجتماعیة
بالرغم من تصوّر البعض بأنّ الحریة وقیام السلطة الحکومیة أمران متناقضان لا یجتمعان أبداً وأنّ صیانة الحریة الفردیة تقتضی ـ بالضرورة ـ أن تحذف الحکومة والدولة من قاموس الحیاة البشریة.
وبالرغم من تصوّر أنّ الدول والحکومات هی ما تتألف ـ دائماً ـ من الأقویاء، وتراعی حقوقهم ومصالحهم على حساب حقوق الضعفاء ومصالحهم.
وکذا بالرغم من تصوّر أنّ الإنسان طیب ذاتاً وأنّه مخلوق عاقل وعالم فلا حاجة إذن إلى وجود دولة تنظم أُموره وتدبّر شؤونه وتحفظ مصالحه.
على الرغم من جمیع تلک التصوّرات والمزاعم التی تکشف عن نوع من السفسطة والسذاجة ولا تنتج سوى الفوضى والهرج والمرج فإنّ ضرورة وجود حکومة فی حیاة البشر فی غایة الوضوح بحیث لا یحتاج إلى دلیل وبرهان أبداً.
إنّ الضرورة تقضی بقیام دولة تصون الحریات الفردیة إلى جانب المصالح الاجتماعیة وتسعى فی تنظیم الطاقات وتنمیة المواهب، وتوقف أبناء المجتمع على واجباتهم، وتجری القوانین الإلهیة أو البشریة.
ولأجل هذا اعتبر جماعة من الفلاسفة والعلماء الکبار، (کإفلاطون وأرسطوا وابن خلدون وغیرهم(1)، وجود الدولة ضرورة حیویة لا بد منها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . مقدمة ابن خلدون: 41 ـ 42.
_____________________________________ [الصفحة 650] _____________________________________
ولم یشذ عن ذلک إلاّ مارکس الذی اعتبر وجود الدولة أمراً ضروریاً ما دام هناک وجود للصراع الطبقی، أما مع انتشار الشیوعیة واستقرار النظام الشیوعی فی العالم کله فلا حاجة إلیها.
غیر أنّ مارکس نظر إلى الحیاة البشریة من زاویة واحدة هی زاویة الصراع الطبقی فی حین أنّ للحیاة البشریة زوایا أُخرى لو نظر إلیها مارکس، وطالعها بموضوعیة ودقة، لما حکم بعدم الحاجة إلى الدولة، ولما دعا إلى زوالها حتى بعد انتشار الشیوعیة ـ حسب نظره ـ .
لأنّ سبب النزاع والاختلاف بین أفراد البشر لا ینحصر فی الصراع الطبقی فقط بحیث لو زال هذا الصراع لأصبحت الأرض جنة عدن، بل هناک الغرائز البشریة کغریزة حب الجاه، وحب الذات، وغیرها من الغرائز غیر المهذبة، هی أیضاً منشأ الصراع والاختلاف بین البشر إلى جانب الصراع الطبقی.
ثم على فرض أن لا یکون هناک صراع طبقی فضرورة وجود الحکومة لأجل إدارة المجتمع من زاویة للقیام بحوائجها الاجتماعیة أمر لا مناص منه.
فالمجتمع الذی زال فیه الصراع الطبقی لا یشذ عن سائر المجتمعات فی احتیاجه إلى من یدیر أُموره من تأمین سکنه وصحته وتعلیمه وتربیته ومواصلاته البریة والبحریة والجویة، والفصل فی خصوماته فی ما لا یرجع إلى الأُمور الطبقیة إلى غیر ذلک من الشؤون التی لا مناص منها لإقامة المجتمع مما یحتاج إلى المؤسسات، وإدارة شؤونها.
فلابد من مؤسسات تقوم کل واحدة منها بناحیة من هذه الأُمور وتنظیمها ولانعنی من الحکومة إلاّ هذا .
_____________________________________ [الصفحة 651] _____________________________________
وعلى أی حال فلابد من دولة توقف الناس على وظائفهم القانونیة، وتعاقب المخالفین المتجاوزین، وتعید الحقوق المهضمومة إلى ذویها، وتصون النظام والانضباط الاجتماعی الذی یمثل قاعدة السعادة ورمز بقاء المدنیة، وأساس استمرار الحضارة وسبب تقدم البشریة فی المجالات المادیة والمعنویة.
وخلاصة القول: إنّ حفظ النظام الاجتماعی والحضارة الإنسانیة وتعریف أفراد المجتمع بواجباتهم، ومالهم وما علیهم من الحقوق، ورفع أی نزاع وتصارع فی حیاة الجماعة أُمور تحتاج إلى : مرجع قوی یقوم بهذه المهام الضخمة، وهذا الواجب الإنسانی الشریف ویحفظ بالتالی أساس الحضارة الذی هو حفظ النظام الاجتماعی وصیانته من التقهقر والانحطاط.
إنّ حقیقة الإسلام لیست إلاّ سلسلة من الأُصول والفروع المنزلة من جانب اللّه والتی کلَّف رسول اللّه ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ بدعوة الناس إلیها وتطبیقها على الحیاة فی الظروف المناسبة، ولکن حیث إنّ تطبیق طائفة من الأحکام التی تکفل استقرارالنظام فی المجتمع لم یکن ممکناً دون تشکیل حکومة وقیام دولة،لذلک أقدم النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ بحکم العقل، وبحکم ما کان له من الولایة المعطاة له من قبل اللّه، على تشکیل دولة.
على أنّ الحکومة لیست بذاتها هدف الإسلام بل الهدف هو تنفیذ الأحکام والقوانین وضمان الأهداف الإسلامیة العلیا، وحیث إنّ هذه الأُمور لا تتحقق دون أجهزة سیاسیة، وسلطات حکومیة لذلک قام النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ بنفسه بمهمة تشکیل مثل هذه الدولة وتأسیس مثل هذه الحکومة.
والخلاصة: أنّ إجراء حد السرقة والزنا على السارق والزانی، وتنفیذ سائر الحدود والعقوبات، ومعالجة مشاکل المسلمین، وتسویة نزاعاتهم فی الأُمور المالیة والحقوقیة، ومنع الاحتکار والغلاء،
_____________________________________ [الصفحة 652] _____________________________________
وجمع الضرائب المالیة الإسلامیة وتوسیع رقعة انتشار الإسلام، ورفع الاحتیاجات الأُخرى فی المجتمع الإسلامی وغیرها، لا یمکن أن تتحقق دون وجود أمیر جامع وزعیم حازم وبدون حکومة، وزعامة مقبولة لدى الأُمّة.
وحیث یتوجب على المسلمین الآن أن یطبقوا الأحکام الإسلامیة بحذافیرها من جانب، وحیث إنّ تطبیقها على الوجه الصحیح لا یمکن دون تأسیس سلطة یخضع لها الجمیع من جانب آخر، لهذا کله یتحتم أن تکون لهم أجهزة سیاسیة وتشکیلات حکومیة، فی إطار التعالیم والقیم الإسلامیة لیستطیعوا بها أن یتقدّموا ـ فی کل عصر ـ جنباً إلى جنب مع المتطلبات المستحدثة والاحتیاجات المتجدّدة.
لقد أشار الإمام أمیر المؤمنین علی ـ علیه السَّلام ـ إلى ضرورة تکوین مثل هذه الحکومة بل إلى ضرورة وجود حاکم ما مرجحاً الحاکم الجائر على الفوضى الاجتماعیة والهرج والمرج الذی یستتبعه عدم وجود حاکم، وأشار فی نفس الوقت إلى أنّ الحکومة فی منطق الإسلام لیست هی الهدف،بل هی وسیلة لاستقرارحیاة کریمة آمنة حتى یتمتع کل فرد بحقوقه العادلة.
لقد أشار الإمام علی إلى أنّ الدولة ـ فی نـظر الإسلام ـ وسیلة لحفظ النظام الاقتصادی والأمن والدفاع وأخذ حقوق المستضعفین من الأقویاء المستکبرین، إذ یقول:
إنّه لابد للناس من أمیر، بر أو فاجر، یعمل فی إمرته المؤمن، ویستمتع فیها الکافر، ویبلغ اللّه فیها الأجل، ویجمع الفیء ویقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ویؤخذ به للضعیف من القوی.
وفی روایة أُخرى قال:
_____________________________________ [الصفحة 653] _____________________________________
أمّا الإمرة البرة فیعمل فیها التقی، وأمّا الإمرة الفاجرة فیتمتع فیها الشقی، إلى أن تنقطع مدته، وتدرکه منیته(1).
وعلى هذا البیان یکون وجود الدولة ضرورة اجتماعیة لا مناص منها.
أضف إلى ذلک أنّ النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ کلّف بعد رجوعه من حجة الوداع فی غدیر خم بأن ینصّب علیاً خلیفة من بعده لإمرة المسلمین، من جانب اللّه، وکان الأمر الإلهی مصدراً بقوله تعالى:
(یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ).(2).
ثم یجسد اللّه أهمیة هذا الموضوع وخطورته القصوى بأنّ عدم إبلاغ ما أُوحی إلیه فی أمر الخلافة یساوی عدم إبلاغ الشریعة رأساً، إذ قال تعالى:
(وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).(3).
إنّ هذه الآیة کما تدلّ على مقام الإمام وعظیم مکانته تکشف ـ کذلک ـ عن أهمیة مقام الإمامة وخطورة قیادة المجتمع، لأنّه بسبب الإمام القائد تشرق أشعة العدالة على المجتمع البشری ولا تغیب، وهو الذی بسببه تبقى التعالیم الإلهیة حیة مصانة من کل تحریف، وبسببه تصل البشریة إلى شواطئ السعادة المادیة والمعنویة على السواء.
الآثار السیئة لفقدان القائد
لقد بلغ الإسلام فی حرب أحد أخطر مراحله، حیث عمد العدو إلى بث
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . نهج البلاغة: الخطبة 39. 2 . المائدة: 67. 3 . المائدة: 66.
_____________________________________ [الصفحة 654] _____________________________________
الشائعات عن مقتل النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ ، وفی هذه اللحظة الحساسة التی شعر المسلمون فیها بفقدان الزعیم والقائد، خطرت فی أذهان البعض فکرة العودة إلى الجاهلیة والارتداد على الأعقاب، وراح هذا البعض یقول: لِمَ نحارب وقد مات رسول اللّه، فنزل القرآن یوبّخ من لهج بهذه الکلمة، وقال:
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُـرَّ اللّهَ شَیْئاً وَسَیَجْزِی اللّهُ الشَّاکِرِینَ)(1).
ولو أنّ شائعة مقتل النبی لم تکذب بظهوره ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ عند أصحابه ،لآل نظام المسلمین إلى التمزّق حتماً، ولانتهى الأمر بمقتل فریق وفرار آخرین فی أسوأ نکسة عرفها التاریخ، فهل من الصحیح أن تهمل مسألة القیادة وهی بهذه الدرجة من الخطورة والأهمیة فی حیاة الشعوب؟
وهل من الصحیح أن لا یقدم المسلمون على إیجادها لتنظیم حیاتهم لکی یستتب الأمن والسلام؟
الاقتداء بسیرة النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ
کان الرسول الأکرم ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ إذا بعث سریة إلى الجهاد عیّن أُمراء متعددین لتلک السریة یتوالون على قیادتها، لکی لا تبقى دون آمر إذا أُصیب أحدهم، فتصبح کالقطیع بلا راع تنال الذئاب من أطرافها، وتتخطفها أیدی المخاطر من جوانبها.
ولمّا کان القرآن الکریم یأمرنا باتّباع سیرة الرسول والاقتداء به وجعله قدوة وأُسوة، فیقول:
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . آل عمران: 144.
_____________________________________ [الصفحة 655] _____________________________________
(لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کَانَ یَرْجُو اللّهَ وَالْیَوْمَ الآخِرَ وَذَکَرَ اللّهَ کَثِیراً).(1).
توجب علینا أن نجعل حیاة النبی وفعله أُسوة لنا حتى فی موضوع تأسیس الدولة.
ولقد أدرک المسلمون ـ بعد وفاة النبی ـ ضرورة وجود قائد للأُمّة، وإمام للمسلمین، فاتفقوا على وجود زعیم لهم بعد وفاة نبیهم، فصاروا فرقتین: فرقة تزعم أنّ حل هذه المشکلة بید الأُمّة وأنّ لها تنصیب من یشغل هذه المنصة، فی حین أنّ فریقاً آخر راح یستمد من نصوص النبی ویقول إنّ النبی قد سد هذا الفراغ ولم یهمل أمر الخلافة والقیادة، وعین القائد والخلیفة من بعده، وبالتالی لم یکن بین المسلمین واحد ینکر ضرورة وجود الأمیر والقائد .
وانطلاقاً من الأهمیة التی تکمن فی تأثیر الحکومة فی إصلاح أمر الناس عاجلاً وآجلاً قال الإمام الصادق ـ علیه السَّلام ـ فی حدیث مقتضب له:
لا یستغنی أهل کل بلد من ثلاثة، یفزع إلیه فی أمر دنیاهم وآخرتهم، فإن عدموا کانوا همجاً: فقیه عالم ورع، وأمیر خیّر مطاع، وطبیب بصیر ثقة.(2)
کما صرح الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ـ علیه السَّلام ـ بهذه الفریضة الدینیة فی إحدى خطبه، إذ قال:
والواجب فی حکم اللّه والإسلام على المسلمین بعدما یموت إمامهم أو یقتل، ضالاً کان أو مهتدیاً، مظلوماً کان أو ظالماً، حلال الدم، أو حرام الدم أن
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأحزاب: 21. 2 . تحف العقول: 237.
_____________________________________ [الصفحة 656] _____________________________________
لا یعملوا عملاً ولا یحدثوا حدثاً، ولا یقدّموا یداً ولا رجلاً ولا یبدأوا بشیء قبل أن یختاروا لأنفسهم إماماً یجمع أمرهم، عفیفاً عالماً، ورعاً، عارفاً بالقضاء والسنّة، یجمع أمرهم ویحکم بینهم ویأخذ للمظلوم من الظالم یحفظ أطرافهم، ویجبی فیئهم، ویقیم حجتهم، ویجبی صدقاتهم.
یبقى أن نعرف أنّ هذا القانون الکلی الذی یذکره الإمام علی یرتبط بالفترة التی لم یسد هذا الفراغ من جانب اللّه، وتنصیب النبی الأعظم، إذ لو کان القائد معیناً من جانبه سبحانه لانتفى التکلیف بانتخاب الإمام، قال سبحانه :
(وَمَا کَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمْ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ یَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِیناً).(1)
وعلى کل حال فالضرورة قاضیة بلزوم وجود قائد للناس یتحمل أعباء الحکومة، ویتصدى لأُمور الزعامة، وإدارة المجتمع، حسب الطرق الصحیحة.
الولایة والحاکمیة للّه سبحانه
لقد أثبت البحث السابق لزوم وجود الحکومة فی المجتمع البشری بالمعنى الجامع بین السلطة التشریعیة التی لها حق التشریع والتقنین، والسلطة التنفیذیة التی لها حق تنفیذ الأحکام والمقررات، والسلطة القضائیة التی لها حق القضاء وفصل الخصومات بین الناس.
ومن المعلوم جداً أنّ إعمال الحاکمیة فی المجتمع لا ینفک عن التصرف فی النفوس والأموال وتنظیم الحریات من غیر فرق بین أن تکون الحکومة بید الفرد أو المجتمع.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأحزاب: 36.
_____________________________________ [الصفحة 657] _____________________________________
لکن التسلط على الأموال والنفوس وإیجاد أی محدودیة مشروعة بین الأُمّة یحتاج إلى ولایة بالنسبة، إلى المسلّط علیهم، ولولا ذلک لعدّ التصرف تصرفاً عدوانیاً.
ولا نعنی بالولایة هنا ولایة الولی بالنسبة إلى الأیتام والقصّر والغیب، بل المقصود هو الولایة التی یحق معها أن یتصرف فی شؤون المجتمع نفوساً وأموالاً وینظم أُمورهم ویعمّر بلادهم ویؤمن مجتمعهم، بالسلطات الثلاث ولولا ذلک لصار النظام طاغوتیاً یحکم فی المجتمع من کان غالباً وقاهراً فیجب علینا أن نعرف من له الولایة أصالة على العباد والبلاد.
وبما أنّ جمیع الناس سواسیة أمام اللّه، والکل مخلوق ومحتاج إلیه لا یملک شیئاً حتى وجوده وفعله وفکره، فلا ولایة لأحد على أحد بالذات والأصالة، بل الولایة للّه المالک الحقیقی للإنسان والکون والواهب له وجوده وحیاته کما یقول سبحانه :
(هُنَالِکَ الْولاَیَةُ للّهِ الْحَقِّ هُوَ خَیْرٌ ثَوَاباً وَخَیْرٌ عُقْباً) (1). (2)
فقد ظهر من هذا البیان أنّ المقصود من حصر الحاکمیة فی اللّه هو حصر جذور الحاکمیة وعللها المستتبعة لها، وهی الولایة فیه، فبما أنّ الولایة على العباد منحصرة فی خالقهم فالحاکمیة بمعنى الولایة منحصرة فیه سبحانه أیضاً، فلا یجوز لأحد أن یتولّى الحکومة إلاّ أن یکون مأذوناً ممن له الولایة الحقیقیة وإلاّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الکهف: 44. 2 . مجمع البیان : 3/472. والاستدلال بالآیة على انحصار الولایة فی اللّه سبحانه متفرع على أن یکون اسم الإشارة (هنالک) إشارة إلى الوقت الذی یتنازع فیه الکافر والمؤمن فی هذه الدنیا وأن تکون الولایة بمعنى تولّی الأُمور فهو الذی یتولّى أمر عباده، وللأمین الطبرسی تحقیق حول کلمة الولایة فی الآیة فراجع.
_____________________________________ [الصفحة 658] _____________________________________
أصبحت حکومته حکومة جور وعدوان.
ولا نعنی من عنوان انحصار حق الحاکمیة فی اللّه حصر الإمرة فی اللّه بأن یتولّی هو سبحانه الإمرة على العباد، کما سیتضح ذلک، فإنّ للأنبیاء والصلحاء وکل مأذون من قبله سبحانه أن یتولى الإمرة من جانب اللّه، بل المراد أنّ الولایة وحق الحکومة بالأصالة حق للّه سبحانه وإنّما یتصدى غیره بإذنه، وذلک مثل قوله: (قُلْ للّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعاً)(1)،
أی بیده أمر الشفاعة من تعیین الشافع والمشفوع له، ومثله المقام فإنّ بیده زمام الحکومة، فهو یعین الحاکم ویعین له وظائفه وکیفیة حکمه.
وعلى هذا فالحاکمیة خاصة باللّه تعالى ومنحصرة فیه، وهی من إحدى مراتب التوحید.
ولقد أشار القرآن إلى ذلک بقوله:
(إِنِ الْحُکْمُ إلاَّ للّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ).(2)
إنّ المراد من الحکم فی جملة (إِنِ الْحُکْمُ) هو الحاکمیة القانونیة التی تنبعث من الولایة الحقیقیة المنبعثة من خالقیته ومالکیته سبحانه لا الحاکمیة التکوینیة بمعنى التصرف فی الکون بالإیجاد والإعدام والإحیاء والإماتة، وقد أوضحنا مفاد الآیة فی الفصل العاشر فراجع ص 606.
نعم لا داعی لأن نحصر لفظة الحکم التی لها معنى وسیع فی خصوص
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الزمر: 44. 2 . یوسف: 40.
_____________________________________ [الصفحة 659] _____________________________________
القضاء أو فی خصوص التشریع والتقنین، بل الحکم فی هذه الآیة ذو مدلول أوسع یکون القضاء من إحدى شؤونه، وما ذلک المعنى إلاّ السلطة والإمرة والحاکمیة بمفهومها الوسیع التی تقوم بالسلطات الثلاث.
هذا وفی مقدور القارئ الکریم أن یستظهر هذه الحقیقة، ونعنی :انحصار الحاکمیة فی اللّه تعالى، من آیات أُخرى أیضاً غیر ما ذکرناه فی مطلع هذا المبحث، مثل قوله:
(إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ للّهِ یَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَیْرُ الْفاصِلِینَ)(1)
(أَلاَ لَهُ الْحُکْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِینَ)(2)
(لَهُ الْحَمْدُ فِی الأُولى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُکْمُ وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ)(3)
الولایة للّه سبحانه لا الإمرة والإدارة
إنّ اختصاص حق الحاکمیة باللّه سبحانه لیس بمعنى قیامه بإدارة البلاد وإقرار النظام وممارسة الإمرة وفصل الخصومة إلى غیر ذلک مما یدور علیه أمر الحکومة، فإنّ ذلک غیر معقول ولا محتمل، بل المراد أنّ من یمثّل مقام الإمرة فی المجتمع البشری یجب أن یکون مأذوناً من جانبه سبحانه لإدارة الأُمور والتصرف فی النفوس والأموال وأن تکون ولایته مستمدة من ولایته سبحانه ، ومنبثقة منها، ولولا ذلک لما کان لتنفیذ حکمه جهة ولا دلیل.
وإن شئت قلت: إنّ المقصود هو حصر الولایة التی تنبعث منها الحاکمیة
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأنعام: 57. 2 . الأنعام: 62. 3 . القصص: 70.
_____________________________________ [الصفحة 660] _____________________________________
فی اللّه سبحانه ، لا حصر الإمرة والتصدی لنظام البلاد وإقرار الأمن فی المجتمع البشری، إلى غیر ذلک من الشؤون.
نعم لا مناص فی إعمال الولایة للّه سبحانه من تنصیب من یباشر إدارة البلاد، إذ تستحیل ممارسة الحکم للّه بصورة مباشرة
ولأجل ذلک نجد أُمّة کبیرة من جنس البشر تولّوا منصة الولایة من جانب اللّه سبحانه وإذنه الخاص یدیرون شؤون الحیاة الاجتماعیة للإنسان، وفی ذلک یخاطب اللّه نبیه داود ویقول:
(یَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الأرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ).(1)
إنّ الآیة وإن کانت واردة فی تنصیب داود على القضاء ولکن نفوذ قضائه فی زمانه کان ناشئاً عن ولایته وحاکمیته الواسعة التی تشمل الحکم والإمرة بحیث یکون نفوذ القضاء من لوازمها وفروعها، فهو سبحانه لم ینصبه للقضاء فحسب، بل أعطى له الحکومة الواسعة بأبعادها، لأنّ نفوذ حکم القاضی غیر ممکن من دون أن تکون له سلطة وحاکمیة، ولم یکن القضاء فی تلکم الأعصار منفصلاً عن سائر شؤون الحکومة کما هو الرائج فی عصرنا وقد کان داود ـ علیه السَّلام ـ یتمتع بسلطة تامة واسعة تشمل التنفیذیة والتشریعیة ـ بمعنى بیان الأحکام عن طریق الوحی ـ والقضائیة إذ یقول عنه القرآن:
(وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْکَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا یَشَاءُ وَلَولاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض لَفَسَدَتِ الأرْضُ).(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . ص: 26. 2 . البقرة: 251.
_____________________________________ [الصفحة 661] _____________________________________
فتحصل من ذلک أنّ استخلاف اللّه لداود کان بمعنى إعطائه حق الحاکمیة على الناس بمفهومها الواسع.
وبذلک اتضح الفرق بین قولنا حصر الحاکمیة فی اللّه سبحانه وبین ماکان یردّده الخوارج شعاراً ضد علی ـ علیه السَّلام ـ حیث کانوا یقولون: لا حکم إلاّ للّه لا لک ولا لأصحابک.
فهؤلاء کانوا یریدون نفی أیَّة إمرة فی الأرض بتاتاً لا من جانب اللّه ولا من جانب الناس، وبذلک نهضوا فی وجه إمرة علی، وقد ردّ الإمام علیهم بقوله:
کلمة حق یراد بها باطل! نعم لا حکم إلاّ للّه، ولکن هؤلاء یقولون :لا إمرة إلاّ للّه.(1)
أی أنّهم ینفون أن یکون فی الأرض أمیر على الناس من جانب اللّه سبحانه .
کلمة أخیرة
أثبت البحثان السابقان أنّ الحکومة ضرورة یتوقف نظام الحیاة علیها، کما أثبتا من جانب آخر أنّ الحکومة بما أنّها تلازم التصرف فی الأموال والأنفس وتلازم تحدید الحریات، لذلک لابد أن تکون ناشئة من ولایة ثبت أنّها لا توجد إلاّ فی اللّه سبحانه ، وحده.
ولمّا کان یمتنع علیه سبحانه أن یباشر هذه الحکومة، فلابد أن یتصدّى لها من ینصبه اللّه تعالى لذلک فرداً کان أو جماعة، وهذا ما ینبغی بحثه ومعالجته فی البحوث التی تتکفل بیان طریقة الحکم ونظام الحکومة فی الإسلام، والتی أبدى فیه المفکرون آراء مختلفة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . نهج البلاغة، الخطبة 40.
_____________________________________ [الصفحة 662] _____________________________________
ففی تلک البحوث سنبحث هل یجب أن یکون الحاکم الإسلامی منصوباً من جانب اللّه سبحانه؟ أو أنّ تعیینه ترک إلى اختیار الناس وانتخابهم؟ أو أنّ هناک رأیاً ثالثاً یقول: إذا کان هناک حاکم منصوب من جانب اللّه فعلى الناس اتّباعه؟ أمّا عندما لا یکون هناک من عیّنه اللّه بخصوصه للحکومة، فعلى الأُمّة أن تختار ـ وفق الموازین الإسلامیة للقیادة ـ من تجده صالحاً للإمرة والحاکمیة، وتقوم هی بتأسیس الدولة بسلطاتها الثلاث.
ولمّا کان الرسول الأعظم وأُولو الأمر من المؤمنین حسب تنصیصه سبحانه فی قوله:
(أَطِیعُوا اللّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِی الأمْرِ مِنْکُمْ)(1) یمثلون تلک القیادة الإسلامیة والحکومة الإلهیة خصّصنا الجزء الثانی لدراسة کیفیة الحکم والولایة فی الإسلام .
ومن اللّه نسأل التوفیق، وآخر دعوانا أنّ الحمد للّه رب العالمین.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النساء: 59.
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma