تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
19-أحکام النظر
الخلاصة : الرواية الثالثة: وهي الحديث 3 من الباب 120 من ابواب مقدمات النکاح من الوسائل، ما رواه عمرو بن شمر ـ ويأتي الکلام فيه ـ عن ابي جعفر (ع) ـ وهو الباقر(ع) ـ عن جابر بن عبد الله الانصاري قال (خرج رسول الله (ص) يريد فاطمة وأنا معه فلما انتهينا الى الباب وضع يده عليه فدفعه ثم قال: السلام عليکم، فقالت فاطمة (ع): وعليک السلام يا رسول الله، قال: أدخل؟ قالت: أدخل يارسول الله، قال: أدخل أنا ومن معي؟ قالت: ليس عليّ قناع، فقال: يافاطمة خذي فضل ملحفتک فقنعي به رأسک) والملحفة نوع من الثياب مثل الذي يلبسه الباکستانيون والهنود وبعض العرب يلفونه على ابدانهم، وفي بعض الاوقات قد يضعونه على روؤسهم، وفي أوقات اخرى قد لا يفعلون ذلک، وظاهراً في الفارسية لامرادف لهذه الکلمة، نعم في الفارسية توجد کلمة (ملافه) الا انها بمعنى القماش الذي يغطي به اللحاف المخصوص للنوم، وعلى أي حال فقد اتضح المقصود من الملحفة (ففعلت، ثم قال: السلام عليک، فقالت: وعليک السلام يارسول الله) فأعاد (ص) السلام مرة اخرى وأجابته فاطمة (ع) فما هذه الآداب الرفيعة التي دل عليها (ص) حين أراد دخول بيت ابنته (قال: أدخل؟ قالت: نعم يارسول الله، قال: أنا ومن معي؟ قالت: ومن معک، قال جابر: فدخل رسول الله (ص) ودخلت واذا وجه فاطمة(ع) اصفر کأنه بطن جرادة) وهذا يعني أن وجه فاطمة(ع) کان ظاهراً، وجابر بحضور النبي (ص) نظر اليه (فقال رسول الله (ص): مالي ارى وجهک أصفر، قالت: يارسول الله، الجوع) حيث کانوا (ع) يعطون طعامهم للآخرين ويبقون جياعاً (فقال رسول الله (ص): اللهم مشبع الجوعة ودافع الضيعة أشبع فاطمة بنت محمد، قال جابر: فوالله) وهذا المقطع لا يمکن توجيهه (لنظرت الى الدم يتحدر من قصاصها) أي أعلى وجهها (حتى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلک اليوم).
وهذه الرواية ان کان سندها تاماً ـ وليس کذلک ـ لکانت افضل دليل في مقامنا، ففاطمة (ع) التي هي المعصومة والصديقة الکبرى حينما لا ترى انه يجب عليها ان تستر وجهها في الحال الذي جابر بن عبد الله الاجنبي عنها ينظر اليه فان ذلک حينئذ يعد افضل دليل على عدم وجوب ستر الوجه، لکن في هذا الحديث توجد مشکلتان:
المشکلة الأولى مشکلة السند، حيث ان عمرو بن شمر على الأقل رجل مضعف جداً ـ وظاهراً بعض رجال السند الاخرين ايضاً فيهم کلام ـ وغير ثقة، فالمرحوم النجاشي والعلامة الحلي (قدهما) اللذان هما من کبار علماء الرجال هکذا يقولان عنه: ان عمرو بن شمر ضعيف جداً، زيد أحاديث في کتب جعفر الجعفي ينسب بعضها اليه والأمر ملتبس. فيعلم ان عمرو بن شمر کان من تلامذة جعفر الجعفي فدس في کتبه ما دس، والأمر مشتبه فلا يعلم ما هي الاحاديث التي اضافها في کتب جعفر الجعفي. وزاد العلامة في خلاصة الرجال وهو کتاب رجالي جيد: لا اعتمد على شيء من ما يرويه.
اذن هذا السند مخدوش جداً، وفرضاً سلمنا بصحة الحديث الا ان المتن لا يمکن قبوله، وهذه هي المشکلة الثانية في هذه الرواية، يعني هل يتصور أن يصدر مثل هذا الشيء من بنات العلماء فيأتين ويجلسن بين الأجانب مکشوفات الوجوه، أو حتى بنات المؤمنين الشديدين المحتاطين؟! قطعاً لا يصدر منهم مثل هذا الشيء. وقد نقل أن الزهراء (ع) حينما دخل ابن ام مکتوم والذي کان أعمى دخلت حجرتها وأخفت نفسها، فهل يمکن ان تفعل ما ذکرته هذه الرواية؟! مضافاً الى غير ذلک من امور نقلت عن وضع اهل البيت (ع) مما لا يجتمع مع ما هو مذکور هنا. وبناءً على ذلک فهذا المتن ولو أنه من ناحية شرعية لم يکن هناک اشکال في الحکم فيه الا ان ذلک لا يناسب بنات العلماء فکيف بالصديقة الکبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها. فمن المشکل قبول متن هذا الحديث.
الرواية الرابعة: وهي ما ينقله العلامة المجلسي في المجلد (101) من بحار الانوار ـ صفحة 34 ـ طبع بيروت. وفي هذا المجلد روايات کثيرة ينقلها (قده) الا اننا فعلاً نذکر الرواية التي تفيدنا في محل البحث. (عن علي بن جعفر ان اخيه ـ موسى بن جعفر(ع) ـ: سألته عن الرجل ما يصلح له ان ينظر اليه من المرأة التي لا تحل له؟ قال: الوجه والکف وموضع السوار) وقد قلنا بالأمس انه لعل المراد بموضع السوار هو الاشارة الى ما لوکان السوار يوضع على آخر المعصم بحيث ان طرفه الأمامي يکون على حد الکف، والا غير هذا التفسير يکون على خلاف اجماع الأمة.
واما من حيث السند فسند هذا الحديث يرجع الى علي بن جعفر، وهو له کتاب کان موجوداً عند صاحب الوسائل ينقل عنه، فالروايات التي ينقلها صاحب الوسائل عن کتاب علي بن جعفر صحيحة. ولکن کما تعلمون فان عبد الله بن جعفر الحميري ينقل روايات علي بن جعفر في کتابه "قرب الاسناد"، وسند "قرب الاسناد" فيه اشکال، وعلى هذا فروايات علي بن جعفر التي تنقل من کتاب علي بن جعفر معتبرة بخلاف رواياته التي تنقل في "قرب الاسناد" ونحن لا نعلم ان کان کتاب علي بن جعفر عند العلامة المجلسي وينقل عنه، غاية ما نعلمه هو ان هذه الرواية وما قبلها وما بعدها ينقلها العلامة المجلسي عن کتاب "قرب الاسناد" حيث يضع علامة "ب" الخاصة بکتاب قرب الاسناد. اذن طبق نقل العلامة المجلسي تکون هذه الرواية مشکلة من حيث السند، لکن يمکن ان تکون مؤيدة. ولم نرَ أحداً ينقل عن کتاب علي بن جعفر بلا واسطة.
الرواية الخامسة: والأخيرة في هذه الطائفة ما ورد من طرق العامة في کتاب المغني لابن قدامة في رواية عن عائشة، وهي تدل بصراحة على جواز النظر الى الوجه والکفين، والرواية هي (ان اسماء بنت ابي بکر دخلت على رسول الله (ص) في ثياب رقاق) بحيث کان يظهر جزء من بدنها من وراء الثياب، فيعلم انها کانت حديثة عهد بأحکام الاسلام (فأعرض عنها وقال: يا أسماء أن المرأة إذا بلغت المحيض) وبلغت المحيض ليس معناه ان ترى الدم، بل معناه هو وصولها الى مرحلة البلوغ، غايته أن البلوغ بينهم غالباً ما کان يتقارن ورؤية الدم (لم يصلح ان يرى منها الا هذا وهذا، وأشار الى وجهه وکفه).
فهذه رواية جيدة ودلالتها واضحة، وهي من طرق العامة ويستفاد منها کمؤيد.
الطائفة الثانية من الروايات التي تدل على جواز النظر الى الوجه والکفين
واما الطائفة الثانية فهي الروايات التي تدل على جواز النظر الى الوجه والکفين بالالتزام لا بالمطابقة، ونحن جمعنا هذه الروايات من عدة ابواب، ولم نر ان العلماء استدلوا بهذه الطائفة رغم انها بنظرنا تعتبر دليلاً جيداً، وهي موجودة في الباب 110 و112 و113 و114 من ابواب مقدمات النکاح من الوسائل. وهي اربع روايات:
الرواية الأولى: الحديث 5 من الباب 110 ـ ما ورد في حکم القواعد من النساء، والقواعد من النساء هن النساء اللاتي لا أمل لهن بعد في الزواج، وقد جعل الاسلام لهن بعض التسهيلات، على عکس ما هو متعارف هذه الأيام حيث نرى ان السناء العجائز يسترن انفسهن بشکل جيد بينما بناتهن اما غير مستورات اصلاً واما نصف مستورات. (فعن علي بن احمد بن يونس قال: ذکر الحسين) وعلي بن احمد بن يونس مجهول الحال بل ان حاله أسوأ من مجهول الحال باعتبار ان اسمه اصلاً لم يذکر في کتب الرجال، فقد طالعت الموسوعة الرجالية وکذا رجال محمد بن علي الاردبيلي يعني جامع الرواة فلم اجد فيهما ذکر اصلاً لعلي بن احمد بن يونس، وانتم طالعوا کتباً اخرى لعلکم تجدون اسمه في بعضها.
وأسوأ من هذا انه يروي فيقول (ذکر الحسين) ومن هو هذا الحسين الذي اخبر علي بن احمد بن يونس بهذه الرواية؟ اذن مجهول يروي عن مجهول.
(انه کتب اليه) وايضاً هنا لم يذکر من هو المکتوب اليه ولعله الامام (ع) (يساله عن حد القواعد من النساء التي إذا بلغت جاز لها ان تکشف راسها وذراعها) وهنا موضع الشاهد، حيث يسأله عن الحد الذي إذا بلغته المرأة يجوز لها ان تکشف رأسها وذراعها امام غير المحارم، وما اقوله هو ان هذه الرواية التزاماً تعتبر دليلاً جيداً في مورد بحثنا، حيث انه لم يسأله عن حکم الوجه والکف، فيعلم ان حکمهما واضح من الأول وهو جواز کشفهما، بل يسأل عن کشف الراس والذراع الى المفصل وأنه متى يجوز للمرأة فأجاب الامام (ع) (فکتب من قعدن عن النکاح) وليس المقصود بهن من جلسن الأرض لا يستطعن حراکاً بل المقصود هو خروجهن عن رغبة الزواج بحيث أن احداً لا يرغب بالزواج منهن بحسب العادة.
وأنا هنا استدللت بسؤال الراوي لا بجواب الامام، لکن حينما يسأل الراوي بالشکل الموجود في الرواية يفهم ان حکم الوجه والکفين مفروغ عنه عنده، والامام لم ينبهه على اشتباهه على فرض وجوده، فيستفاد امضاؤه لما هو مرتکز في ذهنه. فهذه الرواية اذن تدل بالالتزام على الجواز.
الرواية الثانية: الحديث الأول من الباب 112 ـ عن السکوني ـ وهو محل بحث ـ عن ابي عبد الله (ع) قال: (لا حرمة لنساء أهل الذمة ان ينظر الى شعورهن وايديهن) ولماذا لم يذکر (ص) حکم الوجوه؟ باعتبار ان حکمها مفروغ عنه وهو الجواز.
فنحن نريد ان نستدل بهذا الحديث من ناحية الدلالة الالتزامية.
الرواية الثالثة: الحديث الاول من الباب 113 ـ (محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا) أي عدة من اساتذة الکليني (ره) (عن احمد بن محمد بن عيسى) القمي والذي کان من الأعاظم (عن ابن محبوب) وهو من اصحاب الاجماع وحاله مسلم (عن عباد بن صهيب) وهذا فيه بحث شيئاً ما، الا اننا بحثنا حوله وتوصلنا الى انه يمکن اثبات وثاقته، وفي هذا الحديث نکتة تعتبر مفتاحاً لکثير من المسائل في هذا الباب (قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لا بأس بالنظر الى روؤس أهل تهامة) وتهامة هي المنطقة الواقعة في اطراف جزيرة العرب لجهة البحر، فمنطقة "نجد" هي المنطقة الوسطى ومرتفعة نوعاً ما وذات ماء وهواء لطيفين، وما دونها من مناطق لجهة البحر يقال لها "تهامة"، فلا مانع من النظر الى روؤس نساء اهل تهامة غير المستورة (والأعراب) أي اهل البادية (وأهل السواد) ويقال عادة لأهل العراق انهم اهل السواد، (والعلوج) وهم قبيلة کانوا لا يحافظون کثيراً بالنسبة لنسائهم واعراضهم، فيجوز النظر الى روؤس نسائهم غير المستورة، طبعاً من غير تلذذ وريبة (لأنهم إذا نهو لا ينتهون) ومن هذا يعلم انه حينما لا يکون هناک اثر للنهي عن المنکر فلا اشکال حينئذ من النظر من دون تلذذ وريبة، وهذا بحث تأتي الاشارة اليه لاحقاً ان شاء الله. والسؤال هنا هو انه لماذا لم يذکر حکم الوجوه؟ فيعلم ان الوجه مفروغ عن جواز النظر اليه.
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
تتمة البحث في الروايات الدالة على جواز النظر الى الوجه والکفين
الروايات التي تدل على جواز النظر الى الوجه والکفين على طائفتين، الطائفة الأولى الروايات التي تدل بالمطابقة على ذلک، أي على استثناء الوجه والکفين من وجوب الستر، وقد قرأنا في الدرس الماضي روايتين من هذه الروايات ووجدنا انها تدل بوضوح على جواز النظر الى الوجه والکفين، والآن نکمل بقية الروايات.
لا يوجد تعليق