وأوضح حالا من الجميع ما اذا کان بلد المالک بعيدا نائيا واراد حمل الخمس الى الامام(ع) أو وکيله، فلا يحملونفيهذه الحال الا النقود لا الاعيان التي تعلق بها الخمس کما هو ظاهر.
وکذلک الکلام بالنسبة الى ما يبقىفيالبيت من زيارات المواد الغذائية من الحبوبات والدهن وامثالها، فلا يؤخذ من کل واحد جزء صغير بعنوان الخمس بل يؤدي مبلغا من الجميع.
وأوضح حالا من ذلک ما اذا کانت العين التي تعلق الخمس بها مما لا يمکن اخراج خمسه کثوب واحد أو کسجادة کذلک.
ومن هذا کله نعلم باجازة ولي الخمسفيتبديله بالاموال.
انما الکلامفيانه هل يجوز دفع جنس آخر لا النقود، کدفع الحنطة بدل الثياب أو بالعکس أو لا يجوز؟ صرح غير واحد بعدم جوازه أو الاشکال فيه، وهو کذلک لان الادلة السابقة سواء رواية البرقي ، ام الروايات الخاصة أو السيرة هو دفع القيمة من النقود فقط لا الاجناس الاخر، لا سيما اذا لم يکن الجنس مما يحتاج اليه ارباب الخمس، کدفع الخمس من بعض الادوية والالات التي ليست مما يتعلق بها حاجتهم، أو دفع کتاب الجواهر لفقير يسکن البادية کما مثل به بعض الاعلام.
وقد عرفت ان مقتضى القاعدة عدم الجواز، ولکن مقتضى القول بتعلقه بماليته جوازه لانحفاظ المالية بذلک.
نعم يمکن ان يقال اذا کان لارباب الخمس حاجة الى شيء معين جاز تبديله به، کما اذا کان متعلق الخمس من السجاد وکان الفقير محتاجا الى الحنطة جاز دفعها اليه بدله ولا يمکن ان يقال لا يکفي هنا دفع النقود، للعلم بانه أولى منه فتدبر.
هذا وفي کلام بعض الاعلام استثناء الحلال المختلط بالحرام من مسألة تخيير المالک، فقال: «لا يترک الاحتياط فيه باخراج خمس العين» مع تصريحهفيمصرف هذا الخمس «بانه مصرف غيره من اقسام ما يتعلق به الخمس».
ولعل الوجه فيه ما وردفيبعض رواياته من الامر باخراج الخمس من ذلک المال، فان الله عزّ وجلّ قد رضي من ذلک المال بالخمس وهکذا قوله(ع): «فليبعث بخمسه الى اهل البيت ـ عليهم السلام ـ» الى غير ذلک.
أو يقال: ان الوجه فيه کونه من قبيل مجهول المالک وقد صالحه الشارع المقدس بالخمس وعين صرفهفيمصارف الخمس، فمال الغير صار مشاعافيهذا المال وان وجب صرفهفيذاک المورد الخاص.
ولکن الانصاف ان الراوي لا يفهم منه وجوب بعث خمس الحنطة والواني والسجاد لا سيما اذا کان نائيا لا للحرج والعسر، بل يفهم منه ما يفهم من سائر موارد الخمس من تخيير المالک بين دفع العين أو القيمة، والحاصل ان السيرة المستمرة التي ذکرنا تجري هنا أيضاً.
هذا ويمکن الاستشکالفياداء العينفيبعض فروض المسألة وهو ما اذا علم المالک ان اداء العين لا يفيد ارباب الخمس ولا يمکنهم الانتفاع بها کبعض الاجناس العتيقة التي لا ينتفع بها غالب الناس، وتبديله بالقيمة أيضاً مشکل ولا يتمکن من بيعها الا بايع العتائق والتحفيات، فعلى المالک هنا بذل قيمتها اذا کان يقدر على تبديلها بالقيمة بسهولة على الاحوط.
الثاني : لا يجوز له التصرففيمجموع العين بعد مضي السنةفيالارباح وفي غيرها مطلقا قبل اداء الخمس وان ضمنهفيذمته، وهذا هو المشهور بين المعاصرين ومن قارب عصرنا فيما رأينا من کلماتهم.
ولکنفيالجواهرفيغير مورد جواز ضمان الخمس وجعلهفيالذمة ثم التصرففيمجموع المال، قالفيبعض کلماته: «لو ضمنه وجعلهفيذمته جاز له ذلک لکن ليسفيالادلة هنا تعرض لبيان ان له ضمانه مطلقا أو بشرط الملائة أو الاطمينان من نفسه بالاداء ، أو غير ذلک، بللا تعرض فيها لاصل الضمان وجواز التأخير اعم من ذلک».
ولکن الظاهر انه ناظر الى التصرفات قبل مضي الحول بقرينة صدر کلامه الذي هو شرح کلام الشرايع (لکن يؤخر ما يجبفيارباح التجارات احتياطا للمکتسب) بل ذيل کلامه اعني قوله: «وجواز التأخير اعم» أيضاً شاهد على ما ذکرنا، فهو خارج عن محل الکلام بل جواز التصرففياثناء الحول بلا حاجة الى ضمان الخمسفيالذمة مما لا ينبغي الاشکال فيه.
نعمفيبعض کلماتهفيمسألة وجوب خمس المعادن ما يظهر منه جواز نقله الى الذمة حيث قال:
«لکن له ضمانه على ان يؤديه من مال آخر».
اقول: تبديل الخمس بعد استقراره الى مافيالذمة مشکل جدّا، امّا بحسب القواعد فلما عرفت من انه من قبيل المال المشترک ولا يجوز لاحد الشريکين التصرففيجميعه ونقل السهم الاخر الى ذمته حتى على القول بکونه من قبيل الکلي فيالمعين، أو تعلق الخمس بالمالية، بل وکذا على القول بکونه حقا متعلقا بالعين أيضاً لا يجوز ذلک، لعدم الدليل عليه بل الدليل على العدم، لعدم جواز ذلکفيالحقوق.
هذا مضافا الى النصوص الخاصة الدالة على عدم شراء شيء من الخمس حتى يؤدي حق اربابه، فقد روى أبو بصير عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: «لا يحل لاحد ان يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل الينا حقنا».
وفي رواية اخرى له قال سمعته يقول: «من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحل له».
فلو جاز ضمانهفيالذمة والتصرففيالمال، لوجب الاشارة اليه کما لا يخفى.
الثالث: قالفيالعروة لو اتلفه بعد استقراره ضمنه، والدليل عليه واضح لقاعدة الاتلاف الشاملة للمقام أيضاً، ولانه مال الغير، وعلى اليد ما اخذت حتى تؤدي ، وليعلم ان الاتلاف هنا اعم من العمد والخطأ لعموم ادلة الضمانات، بل هو اعم من صرفهفيمؤنته أو اتلافه بلا فائدة فيه، لعموم الادلة، ولکن قد مر سابقا انه لو کان الاتلاف بلا فائدة أوفيطريق المعصية کان ضامنا للخمس ولوفياثناء السنة.
الرابع: لو اتجر به قبل اخراج الخمس (کما هو المشاهدفياموال الذين لا يؤدون الاخماس فهي باقيةفياموالهم يتجرون بها دائما الى ان تشملهم العناية الالهيّة بالتوبة واداء ما عليهم من الاخماس) قالفيالعروة: المعاملة فضولية بالنسبة الى مقدار الخمس، فان امضاه الحاکم الشرعي اخذ العوض، والا رجع بالعين بمقدار الخمس ان کانت موجودة وبقيمته ان کانت تالفة، هذا اذا کانت المعاملة بعين الربح، واما اذا کانتفيالذمة ودفعها عوضا، فهي صحيحة ولکن لا يبرء ذمته بمقدار الخمس، ويرجع الحاکم به ان کانت العين موجودة وبقيمته ان کانت تالفة.
کل ذلک موافق للقواعد بناء على القول بالاشاعة، أو الکلي فيالمعين، أو کونه حقا متعلقا بالعين نفسها کالعين المرهونة.
فالمعاملة تارة تکون شخصيا بان تکون المثمن أو الثمن عين المال الذي تعلق به الخمس (والبيع الشخصي من ناحية المبيع والمثمن کثير ولکنفيناحية الثمن غالبا کلي ) وحينئذ تکون المعاملة فضولية تجري فيها جميع احکام الفضولي ، وليعلم ان امضاء الحاکم لها منوط بکونهامصلحة لارباب الخمس، والا وجب عليه رد المعاملة واخذ المال بعينه.
واما اذا کان المثمن کليا کمن باع مأة من حنطة کليافيالذمة ثم اداه من عين تعلق بها الخمس، أو الثمن کذلک بان اشترى دارا أو لباسا أو مرکبا لثمنفيذمته ثم اداه من مال فيه الخمس، فمن الواضح ان المعاملة صحيحة ليست فضولية لکونه مالکا لذمته، ولکن اداءه من مال تعلق به الخمس لا يکون مبرء الذمتهفيمقدار الخمس، الا ان يأذن الحاکم الشرعي وکان مصلحة وحينئذ يؤخذ مقداره من المالک المثلفيالمثلي والقيمةفيالقيمي ، وان لم يأذنه اخذ الخمس من عين الثمن من يد البايع، واحکام تعاقب الايدي والرجوع الى کل منها هو ما ذکروهفيمحله ليس هنا موضع ذکرها.
هذا کله اذا لم نقل باستثناء المتاجرفيابواب الخمس، اما اذا قلنا بحلية المتاجر مطلقا أوفيخصوص من لا يعتقد الخمس، فالبيع مع هؤلاء حلال للمسلم المعتقد به فيملک العين التي فيها الخمس ويبقى الخمسفيعوضها، وذلک باذن من ولي الخمس وهو الامام المعصوم(ع).
واما المعاملات المتعددة الفضولية الواقعة على ما تعلق به الخمس على فرض اذن الحاکم الشرعي وحکم ارباحها، فسيأتي الکلام فيه ان شاء اللهفيذيل المسألة 77.
* * *
المسألة الخامسة عشرة(76 من العروة): کان الکلامفيالمسألة السابقةفيالتصرففيجميع المال الذي تعلق به الخمس بعد استقراره بالاتجار وغيره، اما لو تصرففيبعضه بحيث کان مقدار الخمس باقيا، سواء کان بنية ادائه عما بقي أو غافلا من ذلک أو بانيا على العدم، فقد صرحفيالعروة بجواز ذلک اذا کان قصده اخراج الخمس من البقية، لان شرکة ارباب الخمس مع المالک انما هي على وجه الکلي فيالمعين على مختاره.
قلت: قد عرفت ان الکلي فيالمعين انما هوفيمقابل الکلي فيالذمة، فمن باع صاعا من صبرته أو مأة منّ من الحنطة من مخزنه، فانما بيبع شيئا خارجيا لکن يوصف بالکليّةفيدائرة معينة فهو کلي من جهة وجزئي اضافي من جهة اخرى، وهذا البيع جائز اذا لم يکن فيه الغرر، کما يجوز تعلق الارادة والحب وغير ذلک من اشباهها بمثل هذا فکذلکفيالمعاملات، ومثل هذا جائزفيالامور الاعتبارية وشبهها وان لم يوجد الکلي بوصف الکليةفيالخارج حقيقة، والفرق بينه وبين الشرکةفيالعين يظهرفيمقام التلف فالکلي فيالمعين موجود ما دام صاع من الصبرة موجودا مثلا، لانه يوجد ولو بوجود فرد منه، ولکنفيالشرکة يتلف من المالين بحسب مقدار الشرکة کلما تلف منها شيء وهذا واضح.
انما الکلامفيدليلهفيالمقام، وقد عرفت انه لا دليل الاعلى الشرکة على نحو الاشاعة. نعم التعبير بقوله «فيه الخمس» أو «عليه الخمس» قد يوهم ذلک، ولکن قد عرفت انها بضميمة غيرها من التعبيرات دليل على الشرکة.
هذا ولو قلنا بهذا القول جاز التصرففيالمال مادام مقدار الخمس باقيا، قصد اداؤه من الباقي ام لا، انما الحرام هو التصرففيخصوص مقدار الخمس الباقي بعد صرف مقدار الاربعة اخماس، کما هو کذلک فيما اذا باع صاعا من صبرة، فيجوز له التصرف فيها ما دام مقدار الصاع باقيا، فتقييده بقوله مع قصد اخراجه من الباقي مما لا وجه له.
وهنا طريق آخر لجواز التصرففيالبعض ولو على المختار من الشرکة، وهو ان يقال ان المالک مخيرفيتعيين مقدار الخمسفياي جزء من اجزاء امواله اما بالعزل أو بمجرد النية، ولکن الکلام بعدفياقامة الدليل على هذا الاختيار لانا لم نجد له دليلافيابواب الخمس، نعم قد يستدل ببعض الادلةفيابواب الزکاة من جواز العزل وغيره، ولکن عرفت ان قياس الخمس على الزکاةفيجميع الاحکام قياس ظني لا نقول به.
المسألة السادسة عشرة(77 من العروة): اذا حصل الربحفيابتداء السنة أوفياثنائها فلا مانع من الصرف فيه بالاتجار، واذا حصل من هذا الربح ربح آخر فهل يجب خمس ما يقابل هذا الربح لارباب الخمس، بان يکون لهم خمس الربح الأول وسهم من الربح الثاني بازاء هذا الربح وخمس الباقي ام لا؟
وقد مثلنا له سابقا بما اذا کان له رأس مال 1000 دينار فربح 1000 دينار، ثم اتجر بمجموع الالفين فربح 2000 دينار اخرى، فجاء رأس السنة فهل يجب عليه خمس 3000 دينار، لان المجموع 4000 دينار يخرج منه رأس ماله الأول فيبقى ثلاثة الاف وخمسه 600 دينارا؟
أو يجب اخراج الخمس الأول 200 دينار، ثم يخرج من التجارة الثانية 200 دينار ربح الخمس الأول، فيبقى له 1800 دينار ويخرج منه خمسه 360 دينار، فالحاصل لارباب الخمس من التجارة الثانية 560 دينار، والحاصل من الأولى 200 فيبلغ 760 دينار يزيد على الحساب الأول 160 دينار.
ظاهر کلمات القوم هو الأول، اي ملاحظة خمس مجموع الربح رأس السنة لا جعل کل معاملة مستقلة واخذ الربح منها ثم اخذ الربح من الربح لارباب الخمس وهکذا، نعم قد يظهر من بعض کلمات الجواهر الميل الى الاخير حيث ذکر هذا القول واستدل له بتبعية النّماء لاصل المال ولم يستشکل عليه، بل ذکرفياخر کلامه قوله: «فتأمل جيداً» الذي يدل على ارتضائه ظاهرا بهذا القول.
والعجيب انه قدس سره صرحفينجاة العباد أيضاً بذلک فقال: «ولو تحقق الربحفياثناء الحول ثم اتجر به فربح أيضاً فالاحوط ان لم يکن اقوى اخراج ما يختص الخمس من الربح الأول ويتبعها نماؤها من الربح الثاني (مضافا الى خمس الباقي )».
لکن قد عرفت ان هذا القول مما استمرت السيرة القطعية على خلافه، فانا لم نجد احدا يحاسب ارباحه رأس السنة الا بملاحظة المجموع واخراج رأس المال والمؤنة ثم اداء الخمس منه، لا محاسبة الربح وربح الربح وهکذا.
بل لو کانت المعاملات کثيرة بحيث کان يتجر أو يکتسب ويربح کل يوم، کان حساب هذه الارباح المتداخلة کل يوم صعبا جدا محتاجا الى وقت کثير أو استخدام الکمبيوتر.
بل ظاهر صحيحة علي بن مهزيار من وجوب اخراج خمس الفوائد کل عام، والروايات الاخرى الدالة على اخراج المؤنة الظاهرةفي بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين الثالث: وهو العمدة استقرار سيرة المتشرعة على ذلک، فان المتداولفياداء خمس المعادن أو الغوص أو مثل ذلک ليس اداء عين المعدن أو الجواهر بل المتعارف اداء قيمتها، وکذلک بالنسبة الى ارباح مکاسب التجار بعد مضي الحول مع عدم الانضاض کما هو کثير، فليس المتعارف اخراج الثياب والفرش والظرف وغير ذلک من اشباهها بل والمواد المأکول أيضاً، وانما المتعارف اخراج قيمتها.
لا يوجد تعليق