تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
63-قسمة الخمس ومستحقّوه
الخلاصة : واستدل له تارة بالاصل أعني القاعدة المعروفة وانه ليس على الامين ضمان عند عدم التقصير، والمفروض ان جواز الايصال يجعل المال امانة شرعية في يده کما ان المفروض عدم تقصيره في الحفظ.
واخرى بظاهر التعليل الوارد في ابواب المستحقين للزکاة في صحيحة محمد بن مسلم قال: «قلت لابي عبدالله(ع): رجل بعث بزکاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: اذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، وان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى اهلها فليس عليه ضمان لانها قد خرجت من يده». الحديث.
ويرد على الاول بان الامين وان لم يکن ضامنا بلا اشکال الا ان الکلام في ان الخمس هل ينعزل بالعزل ام لا؟ وان شئت قلت: ان الزکاة يجوز عزلها من ناحية المالک، فتتلون بهذا اللون ويخرج من المال وتکون امانة شرعية في يد صاحبها، ولکن في جواز ذلک في الخمس اشکال کما صرح به صاحب العروة نفسه في المسألة 15 من نفس الباب، نعم للمالک ادائه من اي قسم من امواله اراد، ولکن لا يکون خمسا الا اذا دفعه الى اربابه.
وحينئذ ان حمل المال کله الى ارباب الخمس فضاع الجميع لا اشکال في عدم الضمان، کما انه لو صرف اربعة اخماس منه في مصارف اخرى وبقي منه الخمس فحمله فضاع فلا اشکال ايضا، انما الکلام في ما اذا بقي الباقي او بقي في البلد منه بمقدار الخمس، فانه على القول بکون اشتراک ارباب الخمس على نحو الکلي في المعين يکون حقهم في الباقي والتلف وقع في مال نفسه، وعلى الاشاعة يکون التلف لکل من المالک وارباب الخمس بالنسبة.
وان شئت فقل: انه من قبيل اداء الدين، فاذا کان الانسان مديونا لاحد فحمل بعض امواله اليه فضاع قبل دفعه اليه فلا اشکال في کون ضياعه من مال نفسه، فکذا المقام.
والحاصل: انه ليس الاشکال في عدم ضمان الامين، انما الاشکال في تلون ما يحمله الى اربابه بهذا اللون اعني الخمس.
ومنه يظهر الاشکال في الاستدلال الثاني بعموم تعليل الرواية، فانها واردة في الزکاة وما اشبهها مما يمکن عزله ويتلون بلونها، واما فيما نحن فيه فليس الامر کذلک بل الخمس باق في باقي المال کما عرفت.
ولذا قد صرح في بعض روايات باب الزکاة بذلک، ففي رواية أبي بصير عن أبي جعفر(ع) قال: «اذا اخرج الرجل الزکاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت او ارسل بها اليهم فضاعت فلا شيء عليه».
فان قوله: «سماها لقوم» دليل واضح على جواز عزل الزکوة بالنية، ولم يقم دليل على ذلک في الخمس فلا يقاس عليها.
اللهم الا ان يقال: قول أبي سيار مسمع عبد الملک في روايته المعروفة: «اني کنت وليت الغوص فاصبت اربعمأة الف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين الف درهم».
دليل على جواز العزل ولکنه لا يخلو عن اشکال، وتمام الکلام في المسألة 15.
ويمکن ان يقال: ان جعل التالف على المالک هنا مع انه لم ينقله الا بمصلحة ارباب الخمس نوع اضرار به فينتفي بادلة نفي الضرر.
وبعبارة اخرى: کيف يمکن تضمين المالک (ولو مرارا متعددة) اذا نقل المال لا يصاله الى ارباب الخمس ولم يقصد بذلک الا التقرب الى الله باداء تکليفه من هذه الجهة مع ما ورد من عدم الضرر والضرار في الاحکام الاسلامية وعدم الحرج فيها؟
فبهذا يمکن نفي الضمان وکفايته في الاخراج، ولکن يرد عليه النقض في سائر الديون، فمن کان مديونا لزيد الف دينار فحمله اليه واراد بذلک اداء دينه تقربا الى الله فتلف من غير تعد وتفريط، ثم حمله ثانيا فکان عاقبة امره کذلک ايضا، فهل يمکن الحکم بابراء ذمته نظرا الى قاعدة لا ضرر ونفي الحرج؟
وان شئت قلت: هذا نظير ما ذکروه في قاعدة لا ضرر من انه اذا کان الضرر متوجها الى شخص اولا وبالذات لا يمکن دفعه بالاضرار بالغير، مثل ما اذا جرى السيل الى دار فلان لا يجوز توجيهه الى دار غيره لدفعه عن نفسه، والضرر هنا بطبيعة الحال متوجه الى المالک فلا يمکن توجيهه الى ارباب الخمس لنفي الضرر عن المالک.
هذا کله اذا لم يجد محلا له في البلد، واما اذا وجد له اهلا فلم يدفعه اليهم فضمانه اولى واظهر، لانه مقتضى القاعدة اعني قاعدة الاشتغال، مضافا الى جريان التعليل الوارد في صحيحة محمد بن مسلم فيه بطريق اولى، لانه ان انعزل الخمس بعزل المالک کان داخلا في اطلاق التعليل، وان لم ينعزل کان باقيا في ملکه فالتلف انما هو من ماله، هذا اذا قلنا بان تعلق الخمس بالمال من باب الکلي في المعين، ولو کان من قبيل الاشاعة يکون التلف من الجانبين لو لم يکن هنا تعدّ وتقصير، ولو کان ذلک کان کله عليه ولو من جهة ترک الاداء فورا بناء على وجوبه.
هذا کله اذا کان النقل سببا لتأخير الاداء ـ کما هو الغالب ـ ولو لم يکن کذلک بل کانا متساويين، او کان النقل سببا لسرعة الاداء ـ کما قد يتفق ـ فالحکم بالضمان کالصورة السابقة بلا تفاوت.
المسألة التاسعة : اذا اذن الفقيه في النقل فقد صرح في العروة الوثقي بانه ليس عليه ضمان ولو مع وجود المستحق، وکذا لو وکله في قبضه عنه بالولاية العامة ثم اذن في نقله.
اما الصورة الثانية فالامر فيها واضح، فانه بعد القبض من قبل الفقيه يخرج الخمس عن ماله وينحصر في المقبوض، ويده حينئذ عليه يد امانة لا تضمن ما لم يفرط فيها.
واما عند عدم التوکيل بل کان هناک مجرد اذن الحاکم في النقل، فقد استدل لعدم الضمان فيه في مستند العروة بان عدم الضمان انما هو لکون يده يد المأذون، لانه باذن الولي في التصرف فتخرج عن کونها يد ضمان.
قلت: ولکن يأتي فيه الاشکال الذي مر في المسألة السابقة من انه لا ينعزل الخمس بعزل المالک ما لم يقبضه الحاکم او ارباب الخمس، وحينئذ يکون التلف من ماله، ومجرد الاذن في النقل بدون الاذن في قبضه غير کاف في صيرورته خمسا.
اللهم الا ان يقال: ان اذن الفقيه في نقل الخمس اليه لا ينفک عن الاذن بافراز حق ارباب الخمس في مال معين والا لا يکون معنى لنقل الخمس، فالحکم بعدم الضمان حينئذ قوي. نعم اذا حمل جميع المال اليه بقصد افراز الخمس عنده فتلف بعض المال لا جميعه امکن الحکم بالضمان، بناء على کون الخمس في المال من باب الکلي في المعين، ولو قيل بالاشاعة تلف من الجانبين بالنسبة.
المسألة العاشرة: قال في العروة الوثقى: مؤنة النقل على الناقل في صورة الجواز، ومن الخمس في صورة الوجوب، ووافقه على ذلک کثير من المحشين.
واستدل غير واحد لعدم الوجوب في الصورة الاولى بانه لا دليل على اخراجها عن الخمس بعد عدم وجوب النقل وعدم توقف اداء الواجب عليه، ومقتضى قاعدة الاشتغال اداء جميع الخمس ولا ينقص منه شيئا.
کما استدل على الثاني اعني کون المؤنة من الخمس بانه موجب لضرر المالک، ومن الواضح ان وجوب الايصال لا يقتضي الا وجوب النقل، اما وجوب تحمل الضرر في هذا السبيل فهو منفي بادلة نفي الضرر (هذا هو الذي يستفاد من المستمسک ومستند العروة وغيرها).
ولکن لقائل ان يقول: ان المؤنة في الصورة الثانية ايضا على المالک لانه من قبيل مقدمة الواجب، فان الايصال واجب عليه فيجب عليه بذل المال لانه مقدمة له، وان هو الا کاداء الديون ورد الامانات فلو وجب عليّ اداء دين وتوقف ذلک على بذل المال کالمصارف التي تأخذها البنوک لايصال هذا المال الى صاحبه لا يمکن اخذه من اصل الدين.
وکذلک الامر في باب الأمانات، فانه اذا وجب عليّ ايصال امانة الى اهلها وجب بذل المال في هذا السبيل ايضا.
وان شئت قلت: ان کان مجرد تخلية اليد عن مقدار الخمس واعلام اربابه او الحاکم الشرعي کافيا في اداء الواجب عليه، لم يجب عليه بذل المال، واما ان لم تکن مجرد التخلية کافية بل وجب عليه ايصالها الى اهلها کما هو ظاهر قوله: «فليتعمد لايصاله ولو بعد حين» في صحيحة علي بن مهزيار وغيرها مما يدل على هذا المعنى، فلماذا لا يجب عليه بذل المال في هذا السبيل؟ ولا يشمله ادلة نفي الضرر کما في ساير المقدمات مثل بذل المال في طريق تطهير المساجد او الثياب للصلوة، او تحصيل الماء للوضوء وغيرها، فهل يجوز لاحد نفي شيء من ذلک من باب الضرر؟
نعم اذا حصل منه ضرر کثير ـ کما اذا استلزم اداء خمسين ـ لايصال الخمس، ربما يمکن نفيه بادلة الحرج کما ذکروه في باب الوضوء اذا لا يمکن تحصيله الا ببذل مال کثير فراجع وتدبر.
* * *
المسألة الحادية عشرة: ذکر المحقق اليزدي ـ قدس سره الشريف ـ صوراً ثلاثة ونفى کونها من النقل وان کان فيه نتيجة النقل.
احدها: ما اذا کان له مال في بلد آخر، فدفعه فيه للمستحق عوضا عن الذي عليه من الخمس.
ثانيها: ما لو کان له دين في ذمة مستحق في بلد آخر فاحتسبه من الخمس.
ثالثها: لو نقل شيئا من امواله التي لا يتعلق بها الخمس او نقل خمسه الى بلد آخر فبذله من باب الخمس لان المالک يجوز له التبديل.
کل ذلک لعدم صدق عنوان النقل عليه، فلا يشمله دليل الحرمة او الکراهة.
اقول: لم يرد في شيء من الادلة عنوان النقل لا في معقد الاجماعات (لان المسألة کما عرفت ليست اجماعية) ولا في غيره من الادلة التي ذکروها في المسألة، وقد عرفت ان عمدة الدليل على حرمته عند وجود المستحق في البلد احد امور:
اولها: منافاتها للفورية فان کان ذلک فبعض هذه الصور الثلاث ينافي الفور، وبعضها لا ينافي ، بل بعضها قد ينافي وقد لا ينافي ـ کما هو واضح للخبير ـ ففي کل مورد لا بد من ملاحظة الفورية.
وثانيها: کونه موجبا للتغرير والخطر بمال الخمس، فلو کان الدليل هذا لم يکن اشکال في شيء من المواضع الثلاثة لعدم التغرير بمال الخمس.
وثالثها: ما ورد عن فعل رسول الله(ص) في ابواب الزکاة، وانه کان يقسم صدقة اهل البوادي على اهلها واهل الحضر على اهله (بناء على توافق حکم الخمس والزکاة هنا) فان کان الدليل هذا لا يجوز شيء من الصور المذکورة، لانها تمنع عن تقسيم خمس کل بلد على اهله.
وبالجملة مقتضى الادلة مختلفة، والعجب من الاعلام حيث افتوا هنا بعدم کون هذه الصور الثلاث من النقل من دون اعتناء بشأن ادلة حرمة النقل، بل اکتفوا بعدم صدق النقل عليها مع عدم ورود هذا العنوان في الادلة.
* * *
المسألة الثانية عشرة: هل المدار في البلد (على القول بلزوم صرف الخمس في البلد) هو بلد المالک او بلد المال؟ قال في العروة: لو کان (المال) الذي فيه الخمس في غير بلده فالاولى دفعه هناک، ويجوز نقله الى بلده مع الضمان، ووافقه جماعة المحشين.
وظاهره کون المدار على بلد المال، فلو قلنا بحرمة النقل او الضمان مع النقل يکون العبرة ببلد المال، واللازم هنا ايضا الرجوع الى الادلة السابقة فان کان المدار على منافاة النقل للفورية کما هو المختار، فلو کان المال في بلد آخر وکان نقله مستلزما للتأخير لم يجز ذلک، وهکذا لو کان المدار على وقوع المال في الخطر، واما بناء على ما حکى عن فعل رسول الله(ص) فالواجب او المستحب دفع الخمس في خصوص بلد المال، واما اضافة الاموال الى مالکيها بقوله: «اموال اهل البوادي واموال اهل الحضر» فهي مبنية على الغالب من وحدة بلد المال وبلد المالک، فلا اطلاق لها بالنسبة الى غيرها حتى يستظهر منها ان المعيار هو بلد المالک والظاهر ان حکمه بالأولوية ناظر الى الاخير المبني على الاستحباب.
واما مسألة الضمان فهو مبني على ما مر من جواز العزل وعدم جوازه، ووجود المستحق في بلد المال وعدم وجوده هناک، فالکلام فيه کما مر.
* * *
المسألة الثالثة عشرة: هل التفاصيل السابقة في مسألة نقل الخمس من بلد الى بلد ناظرة الى خصوص سهم السادة، او تشمل سهم الامام؟
ظاهر عبارة العروة الوثقى انها مختصة بسهم السادة حيث قال: ان کان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصة الامام (ع) اليه بل الاقوى جواز ذلک، ولو کان المجتهد الجامع للشرائط موجودا في بلده ايضا بل الاولى النقل اذا کان من في بلد آخر افضل او کان هناک مرجح آخر(انتهى).
ولکن لم يذکر حکم الضمان لو تلف لا سيما في الصورتين الاخيرتين، ولعل ظاهر کلامه عدم الضمان، ويظهر من مستند العروة ايضا امضاء هذا الفرق.
هذا والانصاف انه لا فرق بين المسألتين، فلو قلنا بعدم الجواز في سهم السادة اذا کان يوجد له مصرف، فکذا في سهم الامام (ع) لا يجوز نقله مع وجود المجتهد الجامع للشرائط في بلده، واذا لم يوجد يجوز نقله الى غير البلد وحکم الضمان في المسألتين واحد، ودليل الفور او الخطر جار في المسألة ايضا، نعم يمکن ان يقال رواية تقسيم الصدقات في عصر النبي(ص) ناظرة الى خصوص سهم الفقراء، وتجري في خصوص سهم السادة هنا.
والحق ما عرفت سابقا من ان تقسيم الخمس الى القسمين، ودفع سهم السادة اليهم من قبل المالک، ودفع النصف الاخر الى الامام (ع) او نائبه لم يکن معمولا في عصر الائمة ـ عليهم السلام ـ بل المتداول في تلک الاعصار جميعا حمل کل الخمس اليهم او الى وکلائهم من دون فرق بين السهمين، فالحکم بالجواز في الجميع جيد ولکن لا يرتفع الضمان بذلک لما عرفت من الاشکال في انعزاله بالعزل.
کما انک قد عرفت ان الاحوط لولا الأقوى صرف سهم الامام (ع) في اعصارنا في تحکيم قواعد الحوزات العلمية ونفقة طلاب الدين وتعظيم شعائره وبث الاحکام بين الانام في مختلف بلاد العالم لا سيما بين المسلمين المستضعفين، فيحمل الى من تکون هذه الامور تحت اشرافه من المراجع الدينية، ولو کان غير اعلم کما لا يخفى.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
لا يوجد تعليق