260-شهادة النساء فی القصاص

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 

260-شهادة النساء فی القصاص

بسم الله الرحمن الرحیم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرین

کان الکلام فی وجوه الجمع بین الروایات المتعارضة فی مسألة شهادة النساء فی القصاص، ولابدّ أوّلاً من ملاحظة إمکان الجمع دلالیاً بینها؛ لأنَّ الجمع مهما أمکن أولى من الطرح، والمقصود منه الجمع الدلالی العرفی الذی علیه قرینة. وقد ذکرت ثلاثة وجوه للجمع فی المقام، هی:

الوجه الأوّل: ما ذکره الشیخ الطوسی والشهید الثانی فی (المسالک)، ومال إلیه جماعة، وهو حمل الروایات المثبتة على الدیة، وحمل الروایات النافیة على القصاص. یعنی: لا تقبل شهادة النساء فی الدماء إذا وصلت المسألة إلى القصاص، بینما تقبل إذا وقفت المسألة عند حدّ الدیة.

وبعبارة اُخرى: إذا کان المورد من قتل العمد وشهد الرجال على ذلک فیقتصّ من القاتل، وإذا شهدت علیه النساء لا تثبت إلاّ الدیة، وکذلک إذا شهدن منضمّات.

والجواب: أوّلاً: أنّه جمع تبرّعی؛ لأنّه لیس علیه شاهد، ولا یمکننا فی مورد واحد حمل بعض الروایات على إرادة الدیة، وبعضها الآخر على إرادة القصاص. والمعروف بین العلماء المطّلعین على مبانی الشیخ أنّ مبناه فی الجمع هو التبرّع، والجمع التبرّعی لیس مقبولاً.

وثانیاً: ما ذکره فی (الجواهر) من مخالفة هذا الجمع للقواعد؛ لأنَّ المفروض أنَّ النساء تشهدن على قتل العمد، أی تشهدن بما یستوجب القصاص، فاللازم إمّا قبولها کذلک، أو عدم قبولها بالمرّة، فلا یثبت بها شیء حینئذ.

إذاً لا تثبت الدیة بشهادتهنَّ فی قتل العمد، إلاّ أن یتفق أولیاء الدم والقاتل على الدیة.

الوجه الثانی: ما مال إلیه فی (الجواهر)، وهو التفصیل بین الموارد، بأن یقال: إنَّ الروایات النافیة واردة فی صورة القتل العمد، فلا تقبل شهادة النساء فیه، بینما الروایات المثبتة واردة فی صورة القتل الخطأ.

والجواب: أنّه جمع تبرّعی أیضاً، ولیس علیه أیّ شاهد.

الوجه الثالث: ما ذکره بعضهم بعنوان احتمال، أن تحمل الروایات النافیة على شهادتهنَّ منفردات، وتحمل الروایات المثبتة على شهادتهنَّ منضمات.

والجواب: أنَّ هذا الجمع أسوأ حالاً من سابقیه؛ لأنّه أوّلاً: تبرّعی، وثانیاً: على خلاف مضمون الروایات؛ لأنَّ بعض الروایات النافیة کانت تنفی حتى شهادتهنَّ منضمّات، کما فی روایة زرارة(1)، حیث إنَّ السؤال فیها هو عن شهادتهنَّ منضمّات، ویجیب الإمام ـ علیه السلام ـ بالنفی. وفی روایتین اُخریین کان الکلام بدایة عن صورة الانضمام فی غیر الدم، ثم وقع السؤال عن الدم، فیما أنّه مسبوق بصورة الانضمام لابدّ أن یکون هو کذلک أیضاً.

إذن لا یمکن الجمع دلالیاً فی المقام، فیستحکم التعارض، ولابدّ من الرجوع إلى المرجّحات.

مقام الترجیح بین الروایات

الإنصاف أنَّ کلتا الطائفتین مشهورة، فلا یمکن الترجیح بالشهرة، إلاّ أنّ الروایات المثبتة مخالفة للعامّة؛ لأنَّ أکثرهم ینفون قبول شهادتهنَّ، وبمقتضى: (خذ بما خالف العامّة)(2) تترجح الروایات المثبتة، فیحکم بقبول شهادتهنَّ فی القصاص.

ولکن بما أنَّ المورد من موارد الدماء الذی تُدرأ فیه الحدود بالشبهات یشکل حینئذٍ الحکم بإراقة الدماء اعتماداً على: (خذ بما خالف العامّة).

وعلى هذا لا یبعد شمول (تُدرأ الحدود بالشبهات)(3) للمقام، لا سیّما أنّ الروایات النافیة أکثر، ممّا یجعلها أشهر روائیاً وإن لم تکن کذلک فتوائیاً.

إذن، رأینا فی المسألة هو عدم قبول شهادة النساء فی القصاص.

إن قلت: لا یبطل دم امرئ مسلم بحسب ما ورد فی بعض الروایات، وعدم قبول شهادتهنَّ یلزم منه ذلک، فما هو العمل؟

قلنا: أوّلاً: أحیاناً یحصل العلم للقاضی من شهادة النساء، خصوصاً إذا کُنَّ کثیرات، وعلم القاضی حجة فیحکم به.

وثانیاً: أنّ شهادتهنَّ تسبب اللوث أحیاناً، وهو عندما تکون هناک قرائن ظنیّة قویّة على القتل فیحکم بالقسامة، فیأتی ولی الدم بخمسین شخصاً یحلفون على أنَّ فلاناً هو القاتل، أو یحلف هو نفسه خمسین مرّة على ذلک، فیقتص من القاتل حینئذٍ، وبذلک لا یبطل دم امرئ مسلم.

وثالثاً: إذا لم یحصل الظن من شهادة النساء ولم یحکم بالقسامة، فإنَّ دیة المقتول تدفع من بیت المال حینئذٍ، وبذلک أیضاً لا یبطل دم امرئ مسلم.

هذا کلّه فی القتل العمد، وأمّا القتل الخطأ أو الشبیه بالعمد فبما أنَّ الواجب فیه هو الدیة یأتی بحثه فی شهادتهنَّ فی الاُمور المالیة.

وصلّى الله على سیدنا محمدٍ وآله الطاهرین.

____________________________

(1) الوسائل 27: 354، کتاب الشهادات، ب24، ح11.

(2) الوسائل 27: 106، أبواب صفات القاضی، ب9، ح1.

(3) الوسائل 28: 47، أبواب مقدمات الحدود وأحکامها العامة، ب24، ح4.

الهوامش:
  
    
تاريخ النشر: « 1279/01/01 »
CommentList
*النص
*المفتاح الأمني http://makarem.ir
عدد المتصفحين : 2122