265-فلسفة عدم قبول شهادة النساء فی بعض الأمور

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 

265-فلسفة عدم قبول شهادة النساء فی بعض الأمور

بسم الله الرحمن الرحیم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّد وآله الطاهرین

کنّا قد طرحنا فی الدرس الماضی عدّة أسئلة متداولة على الألسن فعلاً لکی تتمّ مناقشتها والإجابة علیها.

وفی مقام الجواب عنها لابدّ من تقدیم مقدمة ثمّ الإشارة إلى ثلاث نکات یتضح الجواب من مجموعها.

المقدمة: أعطیت فی باب فلسفات الأحکام نظریات مختلفة، بعضها افراطی وبعضها تفریطی. فالبعض یعتقد بأنّ معنى الإسلام هو التسلیم، ولا یحقّ لک فیه أی سؤال أو استفهام عن علّة الأحکام، ولابدّ من قبول کلّ ما یرد فی کلام المعصومین ـ علیهم السلام ـ من دون أن یکون لنا الحقّ فی السؤال عن فلسفته. وهناک بعض آخر افراطی یقول بأنّه لابد لنا من معرفة تمام فلسفات الأحکام قبل العمل بها.

وکلا النظریتین على خطأ. أمّا أنّه لا یحقّ لنا أبداً السؤال عن علل الأحکام فهو على خلاف صریح طریقة القرآن والمعصومین علیهم السلام، حیث تعرّضوا مراراً لبیان فلسفة بعض الأحکام.

وأمّا أنّه لن نعمل حتى نعلم فمعناه إنّ علمنا لابدّ أن یکون بمقدار علم الله سبحانه، والحال أنّ علمنا أمام علمه سبحانه لیس شیئاً، (وَمَا أُوتِیتُم مِنَ الْعِلْمِ إلاَّ قَلِیلاً)(1).

وکما یقول أحد العلماء: إنّ تمام العلوم الإنسانیة من بدایة الخلقة إلى الآن فی مقابل المجهولات هی مثل ورقة من کتاب کبیر.

إذن دعوى أنّنا لن نعمل حتى نعلم هی دعوى جاهلة.

فکلا الطرفین إذن ـ الافراطی والتفریطی ـ مردود.

النکتة الأولى: إنّ محلّ إقامة الشهادة هو المحکمة عند القاضی، فلو کانت شهادة النساء مقبولة کالرجال فی کلّ الموارد فإنّ لازم ذلک هو تواجدهنّ فی أماکن النزاع والمشاکل، والشارع المقدّس یفضّل لهنّ قلّة الحضور فی تلک الأماکن إلا عند الضرورة. إذن فکما أن الشارع المقدّس رفع عن النساء التکلیف بالجهاد فلا یجب علیهن الحضور فی میادین القتال، کذلک الأفضل لهنّ عدم الحضور فی میادین الدعاوى والمشاکل الحقوقیة. وهذا هو المعمول فی کل الدنیا إلاّ فی موارد نادرة.

فهل إنّ عدم مشارکتهنّ فی الحروب یُحسب نقصاً فیهنّ؟ لیس نقصاً، بل هو المناسب لطبیعتهنّ. وهکذا هو عدم حضورهنّ فی المحاکم وأماکن النزاع وعند القضاة.

النکتة الثانیة: إنّ إقامة الشهادة فرع تحمّلها، فإذا قبلت شهادتهنّ فی کلّ الأمور فذلک ممّا یبعث على الوسوسة عندهنّ، بمعنى أنّ ذلک سوف یکون داعیاً لهنّ للحضور فی أماکن الفسق والفجور واللهو ومجالس شرب الخمر ومیادین المنازعات لکی یتمکّنّ من تحمّل الشهادة ومن ثمّ أدائها. فهل أنّ حضورهنَّ فی مثل هذه المجالس والأماکن التی یجری فیها مختلف الأعمال المنافیة للعفة والموجبة لأنواع الحدود والتعزیرات مناسب لطبیعتهنّ وافتخار لهنّ؟

من المسلّم به أنّ الجواب هو: لا.

إذن عندما یکون حضورهنّ فی تلک الأماکن لتحمّل الشهادة غیر جائز لهنّ وغیر مناسب لطبیعتهنّ فأیضاً شهادتهن فی تلک الأمور لا تکون مقبولة.

إن قلت: إذن لماذا تقبل شهادتهن فی الأمور المالیة مثل الدیون والمصالحات والإرث وغیرها، مع أنّ ما ذکرتموه من مشاکل جارٍ فیها أیضاً؟

قلنا: إنّ الأمور المالیة تشکّل أکثر الدعاوى، ویُخاف من تضییع الحقوق إذا لم تُقبل شهادتهنّ فیها.

هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخرى حضور النساء فی میادین المشاکل المالیة لا ینافی طبیعتهنّ، ولیس أمراً مرغوباً عنه شرعاً؛ فلأجل ذلک وخوفاً من تضییع الحقوق تقبل شهادتهنّ فیها استثناءً؛ لأنّ منافع شهادتهنّ حینئذ أکثر من مضارّها.

النکتة الثالثة: إنّ کلّ الناس عندهم عواطف وأحاسیس ووجدان، ولکن لا شک فی أنّ أحاسیس النساء أرقّ، وهذا من مفاخر النساء، ولذا نجد أنّ النساء سابقات ـ دائماً ـ فی الأمور التی تتطلب عواطف أرق. مثلاً: لا یمکن لأی رجل أن یتحمّل مسؤولیات الأم، فعندما تموت الأم لا یتمکّن أیُّ رجل من تحمّل تربیة الأطفال الرضّع، وهکذا بالنسبة إلى رعایة المرضى وتمریضهم، حیث إنّ الرجال لیسوا موفّقین فی ذلک کالنساء.

وهذه المشاعر الرقیقة تمنعهنّ أحیاناً من الشهادة بالحقّ، کما فی القصاص والحدود والتعزیرات، ولهذا لم یقبل الشارع المقدّس شهادتهن فیها.

هذا مضافاً إلى أنّ الشهود فی الأمور الجنائیة یکونون فی معرض المشاکل والابتلاءات من جهة المحکوم علیهم، فإذا کان الشاهد رجلاً فإنّه یکون أقدر على الدفاع عن نفسه.

یجب علینا ببیان فلسفات الأحکام بشکل منطقی وبعید عن الإفراط والتفریط أن نکون مستعدین للاجابة عن الحملات التی تُشنّ عن قصد وغیر قصد من هنا وهناک. ولیس لازماً علینا معرفة تمام فلسفات الأحکام، ولکن علینا أن نکون مستعدین للإجابة قدر الإمکان، ونحن لم نتعهّد ببیان تمام فلسفات الأحکام؛ لأنّ کثیراً من الأحکام فلسفاتها غیر واضحة ولیست فی حدّ علمنا، ویمکن أن تنکشف فلسفات کثیر من الأحکام بمرور الزمان.

وفی روایة عن الإمام الرضا ـ علیه السلام ـ یتعرّض ـ علیه السلام ـ لفلسفة عدم قبول شهادة النساء، فیقول: (... عن الرضا ـ علیه السلام ـ فیما کتب إلیه من العلل: ((وعلة ترک شهادة النساء فی الطلاق والهلال لضعفهنّ عن الرؤیة)) لا بمعنى ضعف حاسة النظر عندهنّ، بل المقصود هو أنّ ذهابهنّ إلى التلال والمرتفعات لأجل الاستهلال أمر صعب علیهنّ ((ومحاباتهنّ النساء فی الطلاق، فلذلک لا تجوز شهادتهنّ إلاّ فی موضع ضرورة..))(2). فهنّ بسبب عواطفهنّ الرقیقة لا یرضین الانفصال بین الرجل والمرأة، فیحابین النساء فی الطلاق.

هذا فی أصل الشهادة، وکذلک الحال فی الاختلاف فی العدد، فبسبب کونهنّ یتأثرن بعواطفهنّ قیل بأنّه لابدّ فی المورد الذی تقبل فیه شهادة النساء أن یکون عددهنّ أکثر، وذلک لتقلیل احتمال المیل العاطفی الذی قد یمنعهنّ عن الشهادة بالحقّ.

وصلى الله على سیدنا محمدٍ وآله الطاهرین.

____________________

(1) الإسراء: 85.

(2) الوسائل 27: 365، کتاب الشهادات، الباب 24، ح 50.

الهوامش:
  
    
تاريخ النشر: « 1279/01/01 »
CommentList
*النص
*المفتاح الأمني http://makarem.ir
عدد المتصفحين : 2156