ممّا لا شک فیه أنّ المحیط الذی یعیش فیه الإنسان ، یعکس أثره الکبیر على سلوکیّات و روحیّات ذلک الإنسان، حیث یسترفد کثیراً من صفاته وأفعاله من المحیط الإجتماعی و الثّقافی، فالمحیط النّظیف و الطّاهر غالباً ما یفرز اُناساً طاهرین، والعکس صحیح.
و رغم أنّ الإنسان یمکن أن یعیش نظیفاً وطاهراً فی الوسط الملّوث، وبالعکس یمکنه أن یسیر فی طریق الرّذیلة والإثم فی المحیط الطّاهر، و بعبارة اُخرى إنّ الظّروف الإجتماعیّة و الثّقافیة التی یعیش فیها الإنسان، لیست العلّة التّامة فی صلاح و إنحراف الإنسان، ولکنّها یمکن أن تُهیىء الأرضیة لذلک قطعاً، وهذا ممّا لا یقبل الإنکار.
و قد یقول البعض، بأنّ الإنسان یخضع لإجبار المحیط و المجتمع، «فیبقى الإنسان کما هو الموجود فعلاً»، ولکننا ننکره جملة و تفصیلاً، من دون أن ننکر دور العوامل القویّة فی عملیّة إخضاع الفرد لمتطلبات الواقع و تحدیاته، فی أجواء التّفاعل الإجتماعی.
بعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن الکریم، و نقرأ الآیات التی تؤیّد تأثیر المحیط فی شخصیّة الإنسان، بالدّلالة الإلتزامیّة، أو المطابقیّة للکلام، لنستوحی منها المفهوم القُرآنی فی هذا الإطار:
1 ـ (وَالْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِی خَبُثَ لاَ یَخْرُجُ إِلاَّ نَکِداً کَذَلِکَ نُصَرِّفُ الاْیَاتِ لِقَوْم یَشْکُرُونَ )(1).
2 ـ (وَجَاوَزْنَا بِبَنِی إِسْرَائِیلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْم یَعْکُفُونَ عَلَى أَصْنَام لَهُمْ قَالُوا یَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً کَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ )(2).
3 ـ (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنْ الْکَافِرِینَ دَیَّاراً إِنَّکَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبَادَکَ وَلاَ یَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً کَفَّاراً )(3).
4 ـ (یَا عِبَادِی الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِی وَاسِعَةٌ فَإِیَّاىَ فَاعْبُدُونِ )(4).
5 ـ (إِنَّ الَّذِینَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِکَةُ ظَالِمِی أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِیمَ کُنتُمْ قَالُوا کُنَّا مُسْتَضْعَفِینَ فِی الاَْرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَکُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِیهَا فَأُوْلَئِکَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِیراً )(5).