علاقة التّغذیة بالأخلاق فی الرّوایات الإسلامیّة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 1
النّتیجة7 ـ علاقة «الأخلاق» و «التّغذیة»

هذه العلاقة لم ترد فی الآیات القرآنیة بصورة واضحة، ولا یوجد لها سوى إشاراتٌ خفیفةٌ، ولکن هذا الأمر: «علاقة التّغذیة بالأخلاق»، له صدى واسع فی الرّوایات، و نورد منها:

1 ـ نقرأ فی الرّوایات الواردة، أنّ من شروط إستجابة الدّعاء هو الإمتناع عن أکل الحرام، حیث جاء شخص إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله)، و قال له:

اُحِبُّ أنْ یُستَجاب دُعائِی، فقال له رسول الله(صلى الله علیه وآله): «طَهِّرْ مَأَکَلَکَ وَلا تَدْخُلْ بَطْنَکَ الحَرامَ»(1).

و جاء فی حدیث آخر عنه(صلى الله علیه وآله)، أنّه قال: «مَنْ أَحَبَّ أنْ یُستَجابَ دُعاءهُ فَلیُطَیِّبْ مَطْعَمَهُ وَمَکْسَبَهُ»(2).

و نقرأ فی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام)، أنّه قال: «أَنَّ اللهَ لا یَسْتَجِیبُ دُعاءً بِظَهْرِ قَلب قاس»(3).

و یستنتج من ذلک، أنّ الأکل الحرام یُقسّی القلب، و لأجله لا یستجاب دعاء آکلی الحرام، و تتوضح العلاقة الوثیقة بین خبث الباطن و أکل الحرام، فی ما ورد عن الإمام الحسین(علیه السلام)، فی حدیثه المعروف فی یوم عاشوراء، ذلک الحدیث الملیء بالمعانی البلیغة، أمام اُولئک القوم المعاندین للحقّ من أهل الکوفة ، فعندما آیس من تحولهم إلى دائرة الحقّ و الإیمان، و إستیقن أنّهم لن یستجیبوا له فی خط الرسالة قال لهم: إنّکم لا تسمعون إلى الحق لأنّه قد: «مُلِئَتْ بُطُونُکُم مِنَ الحَرامِ فَطبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِکُم»(4).

2 ـ و یبیّن حدیث آخر، علاقة الأکل الحرام بعدم قبول الصّلاة و الصّیام و العبادة، و منها ما ورد عن الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله): «مَنْ أَکَلَ لُقْمَةَ حَرام لَنْ تُقْبَلَ لَهُ صلاةُ أَربَعِینَ لَیلَةً، وَلَمْ تُسْتَجَبْ لَهُ دَعوَةُ أَربَعِینَ صَباحاً، وَکُلُّ لَحْم یُنٌبِتُهُ الحَرامُ فَالنَّارُ أَولَى بِهِ، وَإنَّ اللُّقْمَةَ الواحِدَةَ تُنْبِتُ اللَّحْمَ»(5).

و من الطبیعی فإنّ قبول الصّلاة له شروطٌ عدیدةٌ، و منها: حضور القلب وطهارته من الدّرن و الغفلة، والحرام یسلب منه تلک الطّهارة و الصّفاء، و یخرجه من أجواء النّور و الإیمان.

3 ـ نقل عن الرسول الأکرام(صلى الله علیه وآله)، و الأئمّة(علیهم السلام)، أنّ: «مَنْ تَرَکَ اللَّحْمَ أَربَعِینَ صَباحاً ساءَ خُلُقُهُ»(6).

و هذا الحدیث یبیّن نصیحة طِبیّةً مهمّةً، و هی أنّ الإنسان إذا ترک أکل اللّحم، لمدّة طویلة، فسیورثه سوء الخلق و الإنقباض فی النّفس، فی دائرة التّفاعل مع الآخرین، و ورد فی مقابله العکس أیضاً، وهو ذمّ الإفراط فی تناول اللّحم والإکثار منه، فإنّ من شأنه أن یورثه نفس الأعراض والأمراض الخُلقیة.

4 ـ و قد ورد فی کتاب: «الأطعمة والأشربة»، روایات ذکرت العلاقة بین الأطعمة والأخلاق الحسنة والسیئة ومنها:

ما ورد عن الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «عَلَیکُم بِالزَّیتِ فإنّهُ یَکْشِفُ المُرَّةَ... وَیُحْسِّنُ الخُلُقَ»(7).

5 ـ فی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «مَنْ سَرَّهُ أنْ یَقِلَّ غَیْظَهُ فَلْیَأکُلْ لَحمَ الدُّراجِ»(8).

وهذا الحدیث یبیّن بصورة جیدة علاقة الغذاء بالغضب والصّبر.

6 ـ فی روایة مفصّلة وردت فی تفسیر العیاشی، نقلها عن الإمام الصّادق(علیه السلام)، حیث سئل عن علّة تحریم الدم، فقال(علیه السلام):

«وَأَمَّا الدَّمُ فَإَنَّهُ یُورِثُ الکَلَبَ وَقَسْوَةَ القَلبِ وَقِلَّةَ الرَّأفَةِ وَالرَّحمَةِ لا یُؤمِنُ أَنْ یَقْتُلَ وَلَدَهُ وَ والِدَهُ».

و فی القسم الآخر من نفس الروایة، قال(علیه السلام):

«وَ أَمَّا الخَمْرُ فإنَّه حَرَّمَها لِفِعْلِها وَفَسادِها وَ قَالَ إِنَّ مُدْمِنَ الخَمْرِ کَعابِدِ الوَثَنِ، وَ یُورِثُ إِرتِعاشَاً وَیُذْهِبَ بِنُورِهِ وَیَهْدِمَ مُرُوَّتَهُ»(8).

7 ـ ونقل فی الکافی روایات متعددة، عن العنب وعلاقته بإزالة الغم، ومنها ما روی عن الإمام الصادق(علیه السلام)، أنّه قال: «شَکى نَبِیٌّ مِنَ الأنبِیـاءِإِلى اللهِ عَزَّوَجَلَّ الغَمَّ فَأَمَرَهُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ بِأَکْلِ العِنَبِ»(9).

فنلاحظ تأکیداً أشدّ على علاقة التغذیة بالمسائل الأخلاقیة، التی تعکس الحالة النفسیة للفرد.

8 ـ الأحادیث التی وردت فی أکل الرمان کثیرة، و أنّها تنوّر القلب وتدفع وساوس الشیطان، فجاء عن الإمام الصّادق(علیه السلام):

«مَنْ أَکَلَ رُمّانَةً عَلَى الرِّیقِ أَنارَتْ قَلْبَهُ أَربَعِینَ یَوماً»(10).

9 ـ وَردت روایات متعددة فی باب «الأکل»، نرى فیها العلاقة المطّردة بین التغذیة و المسائل الأخلاقیّة، فی دائرة الصّفات و الحالات النفسیة، و منها الحدیث الوارد عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، فی وصیته لجعفر بن أبی طالب(رضی الله عنه)، فقال له: «یا جَعْفِرُ کُلِ السَّفَرجَلَ فَإِنّهُ یُقَوی القَلْبَ وَیُشْجِعُ الجَبَانَ»(11).

10 ـ و نقل عن الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله)، حدیث یروی علاقة فضول الطعام بقساوة القلب، فنقل عنه(صلى الله علیه وآله) فی کتاب «أعلام الدّین»:

«إِیَّاکُم وَفُضُولَ المَطْعَمِ فَإِنّهُ یَسِمُ القَلْبَ بِالقَسوَةِ وَیُبْطِیء بِالجَوارحِ عَنِ الطّاعَةِ وَیَصُمُّ الهِمَمَ عَنْ سِمـاعِ المَوعِظَةِ».

«فضول الطعام»: یمکن أن تکون إشارةً لإدخال الطعام على الطعام، و الأکل الزّائد عن الحاجة، أو أنّها تدل على تناول الطّعام المتبقی من الوجبات السّابقة، أی بقایا الطعام الفاسد، و على أیّة حال، فإنّ الحدیث یدل على علاقة التّغذیة بالمسائل الأخلاقیة، التی تُؤطّر سلوک الإنسان فی حرکة الحیاة.

وورد هذا المعنى أیضاً فی بحار الأنوار الذی نقل الحدیث عن رواة أهل السنة، و نقلوه أیضاً عن الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)(12).

ویستفاد من هذا الحدیث ثلاثة اُمور:

1 ـ إنّ الأکل الزائد یُقسّی القلب.

2 ـ ویقعد الإنسان عن العبادة فی دائرة الکسل والإسترخاء.

3 ـ یُصمّ آذانه فی مقابل الوعظ، فلا تؤثر فیه النّصیحة والموعظة فی خطّ التربیة، و هذا الأمر ملموس فعلاً، فإنّ الإنسان یثقل عند الأکل الکثیر، و لا یکاد أن یؤدّی عبادته من موقع الشّوق و الرّغبة، و لا یبقى لدیه نشاط فی خطّ العِبادة، و بالعکس فی حالة ما إذا تناول طَعاماً خفیفاً، فسیکون دائماً على نشاط فی حرکة الإیمان، و یؤدّی عباداته و وظائفه فی وقتها المعین لها.

و کذلک بالنّسبة للصّیام، فهو یرقّق القلب ویهیىء الإنسان لقبول المواعظ، و بالعکس عندما یکون الإنسان ملیء البطن، فإنّه لا یکاد یفکر فی شیء من عوالم الغیب، و لا یعیش فی أجواء المَلکوت.

11 ـ و قد بیّنت الأحادیث الشریفة أیضاً، علاقة العسل بصفاء القلب، فنقل عن أمیر المؤمنین(علیه السلام)، أنّه قال: «العَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ کُلِّ داء وَلا داءَ فِیهِ یُقِلُّ البَلْغِمَ وَیُجَلِّی القَلْبَ»(13).

 


1. بحار الأنوار، ج90، ص373.
2. المصدر السابق، ص372.
3. المصدر السابق، ص305.
4. نقلاً عن کتاب «سخنان علی(علیه السلام) از مدینة تا کربلا»، ص232.
5. سفینة البحار، ج1، مادة الأکل.
6. وسائل الشیعة، ج17، ص25، الباب 12.
7. المصدر السابق، ص12.
7. فروع الکافی، ج6، ص312.
8. تفسیر البرهان، ج1، ذیل الآیة 3، سورة المائدة; ومستدرک الوسائل، ج16، ص163.
9. الکافی، ج6، ص351، ح4.
10. المصدر السابق، ص354، ح11.
11. المصدر السابق، ص357، ص4.
12. بحار الأنوار، ج74، ص182.
13. بحار الأنوار، ج63، ص394.

 

النّتیجة7 ـ علاقة «الأخلاق» و «التّغذیة»
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma