3 ـ عمومیّة التوبة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 1
4 ـ أرکان التّوبة2 ـ وجوب التّوبة

لا تختص التّوبة بذنب من الذنوب، أو شخص من الأشخاص، ولا تتحدّد بزمان و لا مکان و لا عمر محدد.

و علیه فإنّ التّوبة تشمل جمیع الذّنوب و تستوعب کلّ فرد فی أی مکان أو زمان کان، وإذا ما إحتوت على کلّ الشّروط، فستُقبل من قبل الباری تعالى، والإستثناء الوحید الذی لا تُقبل فیه التّوبة، والذی أشار إلى القرآن الکریم، هو: التّوبة عند حضور الموت، أو نزول العذاب الإلهی، (کما تاب فرعون فی آخر لَحَظات عمره)، فعندها لن تُقبل توبته، لأنّ التّوبة عندها لیست توبةً حقیقیّةً، و لا هی صادرةٌ من الشّخص من موقع الإختیار، فیقول الباری تعالى:

(وَلَیْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنّی تُبْتُ الاْنَ وَلاَ الَّذِینَ یَمُوتُونَ وَهُمْ کُفَّارٌ أُوْلَئِکَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِیماً )(1).

و نقرأ فی قصّة فرعون: عندما إنفلق البحر لموسى(علیه السلام)، و تبعه فرعون وجنوده، واُغرِق فرعون، فقال: (آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِیلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِینَ )(2).

ولکنّه سمع الجواب مباشرةً، فقال تعالى: (أَلاْنَ وَقَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَکُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِینَ )(3).

وأمّا بالنسبة للاُمم السّابقة، فقال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَکَفَرْنَا بِمَا کُنَّا بِهِ مُشْرِکِینَ ) .

فأجابهم القرآن الکریم: (فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمَانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فی عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِکَ الْکَافِرُونَ )(4)

و کذلک بالنّسبة للحدود الإلهیّة، عندما یقع المجرم فی أیدی العدالة، فلن تقبل توبته، لأنّه لم یتب واقعاً بل خوفاً من العقاب لا غیر.

فالتّوبة التی لا تقبل من الباری تعالى، هی التّوبة التی تخرج من شکلها الإختیاری فی مسیرة الإنسان.

وقال البعض: توجد ثلاثة موارد اُخرى لا تقبل فیها التوبة:

الأول: «الشّرک»، حیث یقول القرآن الکریم: (إِنَّ اللهَ لاَ یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ )(5).

ولکن هذا الأمر یبتعد عن الصّواب و الصّحة، بل أنّ الآیة لم تتکلم عن التّوبة، ولکنّها تحدثت عن العفو عن المشرک من دون توبة، وإلاّ فانّ کلّ الأشخاص قبل الإسلام، تابوا من شرکهم وقبلت توبتهم، و کذلک کلّ من یدخل فی الإسلام فی عصرنا الحاضر، فتوبته مقبولةٌ

عند جمیع علماء المسلمین، ولکن إذا مات المُشرک و هو على شِرکه، فلن یتوب الله تعالى علیه، أمّا فی حالة أن یموت على التّوحید، ولکنّه قد إرتکب ذنوباً فی سالف حیاته، فمن الممکن أن یعفو عنه الله تعالى، وهذا ما نستوحیه من مفهوم الآیة الکریمة.

وخلاصة القول، أنّ المشرکین لن یشملهم العفو الإلهی المنفتح على الخلق، بل هو للمؤمنین الموحّدین، و التّوبة تغفر کلّ الذنوب حتى الشّرک.

ثانیاً و ثالثاً: یجب أن تکون التّوبة مُباشرةً بعد الذنب، و لا تؤخّر إلى وقت بعید، و کذلک یجب أن یکون إرتکاب الذنب عن جهالة لا عن عناد، و نقرأ فی الآیة (17) من سورة النساء: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة ثُمَّ یَتُوبُونَ مِنْ قَرِیب فَأُوْلَئِکَ یَتُوبُ اللهُ عَلَیْهِمْ وَکَانَ اللهُ عَلِیماً حَکِیماً ).

والجدیر بالملاحظة، أنّ کثیراً من المفسّرین، حملوا هذه الآیة على التّوبة الکاملة، لأنّه من الطّبیعی، عندما یُذنب الإنسان من موقع العناد و الغىّ، ثم یتوجّه لحقیقة الحال، و یندم على أفعاله السّابقة، فإنّ الباری تعالى یتوب علیه، و قد حدّثنا التأریخ عن نماذج کثیرةً و أفراداً کانوا فی صفوف المُعاندین و الأعداء، ثم رجعوا عن غیّهم و تابوا، و عادوا إلى حضیرة الإیمان و الصّلاح.

و من المعلوم حتماً، لو أنّ الإنسان أمضى عمره بالذّنوب و العصیان، ولکن تاب بعدها توبةً نصوحاً، و تحول من دائرة المعصیة والإثم، إلى دائرة الطّاعة و الإیمان، فإنّ الله تعالى سیقبل توبته لا محالة.

و نقرأ فی الحدیث المشهور عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، أنّه قال:

«مَنْ تابَ إِلى اللهِ قَبْلَ مَوتِهِ بِسَنَة تابَ اللهُ عَلیهِ، وَقَالَ: ألا وَسنَةُ کَثِیرَ، مَنْ تابَ إِلى اللهِ قَبْلَ مَوتِهِ بِشَهْر تابَ اللهُ عَلَیهِ، وَقَالَ: شَهْرُ کَثِیرٌ، مَنْ تابَ إِلى اللهِ قَبْلَ مَوتِهِ بِجُمْعَة تابَ اللهُ عَلَیهِ، قَالَ: وَجُمْعَةُ کَثیرٌ، مَنْ تابَ إِلى اللهِ قَبْلَ مَوتِهِ بِساعَة تابَ اللهُ عَلَیهِ، ثُمَّ قَالَ: وَ ساعَةُ کَثِیرٌ، مَنْ تابَ إِلى اللهِ قَبْلَ أنْ یُغَرغِرَ بِالمَوتِ تابَ اللهُ عَلَیهِ»(6).

و طبعاً القصد منه، التّوبة بجمیع شرائطها، فمثلاً إذا کان فی عنقه حقوق الناس فعلیه أن یوصی بها لمن هو بعده، ثم یتوب بعدها.

و توجد آیاتٌ کثیرةٌ، تدلّ على شمولیة التوبة لجمیع الذّنوب، و منها:

1 ـ نقرأ فی الآیة (53) من سورة الزمر: (قُلْ یَا عِبَادِی الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ ).

2 ـ نقرأ فی الآیة (39) من سورة المائدة: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ یَتُوبُ عَلَیْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ ).

3 ـ نقرأ فی الآیة (54) من سورة الأنعام: (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْکُمْ سُوءاً بِجَهَالَة ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ ).

ففی هذه الآیة نرى، أنّ سوء العمل مطلقٌ و یشمل کلّ الذّنوب، و مع ذلک فلا تُحجب عنه التّوبة و طریق العودة.

4 ـ نقرأ فی الآیة (135) من سورة آل عمران: (وَالَّذِینَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَکَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ یُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ یَعْلَمُونَ ).

و هنا الظّلم أیضاً یشمل جمیع الذنوب، لأنّ الظلم مرّة یقع على الغیر و اُخرى على النفس، ووعدت هذه الآیة، جمیع المذنبین بالتّوبة عن جمیع ذنوبهم و آثامهم، فی أطار الذّکر و الإستغفار.

5 ـ نقرأ فی الآیة (31) من سورة النّور، حیث خاطبت جمیع المؤمنین: (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِیعاً أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ ).

فکلمة «جمیعاً» تدعو جمیع المذنبین للتوبة، و لولا شمولیّة و عمومیّة التّوبة، لما صحّت هذه الدّعوة القرآنیة.

و الجدیر بالملاحظة، أنّ الآیات المذکورة آنفاً، مرّةً تؤکّد على الإسراف، و اُخرى على الظّلم، و مرّةً على سوء العمل، والوعد الإلهی بالمغفرة لجمیع هذه العناوین، فی حال إنضوائها تحت عنوان التّوبة، عن کل سوء و ظلم و إسراف یقترفه الإنسان ویتوب منه، فإنّ الله تعالى سیتوب علیه.

و وردت روایاتٌ کثیرةٌ فی هذا المجال، فی مصادر الفریقین، السّنة و الشّیعة، وأنّ باب التّوبة مفتوح حتى اللّحظات الأخیرة من العُمر، ما لم یرى الإنسان الموت بعینه.

و یمکن الرجوع إلى الرّوایات فی کتب، مثل: بحار الأنوار(7)، واُصول الکافی(8)، و الدرّ المنثور(9)، و کنز العمّال(10)، وتفسیر الفخر الرازی(11)، و تفسیر القُرطبی(12)، و تفسیر روح البیان(13)، و تفسیر روح المعانی(14). وکتب اُخرى، ویمکن القول أنّ هذا الحدیث هو من الأحادیث المتواترة.


1. سورة النّساء، الآیة 18.
2. سورة یونس، الآیة 90.
3. سورة یونس، الآیة 91.
4. سورة غافر، الآیة 84 و 85.
5. سورة النّساء، الآیة 48.
6. مستدرک الوسائل، ج12، ص145، (باب صحة التوبة فی آخر العمر، ح5).
7. بحار الأنوار، ج6، ص19 و ج2، ص440.
8. اُصول الکافی، ج2، ص440.
9. الدرّ المنثور، ج2، ص131.
10. کنز العمّال، ح10187 و 10264.
11. تفسیر الفخر الرازی، ج10، ص 7، فی ذیل الآیة أعلاه.
12. تفسیر القرطبی، ج3، ص166، فی ذیل الآیة أعلاه.
13. تفسیر روح البیان، ج2، ص178، ذیل الآیة أعلاه.
14. تفسیر روح المعانی، ج4، ص233.
4 ـ أرکان التّوبة2 ـ وجوب التّوبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma