6 ـ التّبعیض فی التّوبة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 1
7 ـ دوام التّوبة5 ـ قبول التوبة: هل هو عقلی أم نقلی؟

هل یمکن للإنسان أن یقیم على بعض الذّنوب، و یتوبَ عن البعض الآخر؟; فمثلاً إذا کان یشربُ الخَمر و یغتابُ الناس، فهل یصحّ منه الإقلاع عن الخمر فقط، بینما یستمر فی خط الغِیبة؟

 

یقول البعض: إنّ التّوبة یجب أن تکون شاملةً لکلّ الذّنوب، لأنّ المسألة تعود إلى عِصیان الباری تعالى، وَهَتک حُرمته، فالنّادم یجب أن یترک کلّ الذّنوب، لا أنّ یُصِرّ علیها.

لکن هذا الکلام مُجانب للصواب، حیث یمکن القول بصحّة التّجزئة فی عملیّة التّوبة، (و صرّح بها بعض العلماء، مثل المرحوم النّراقی فی «معراج السعادة»، و قد نقلها عن أبیه(رحمه الله))، لأنّه ربّما یکون الإنسان، على إطّلاع کامل على آثار بعض الذّنوب وَ عَواقبها السّیئة، أو هو عند الله أشدّ وأقبح، ولأجل ذلک فإنّه یترکه على مستوى الممارسة و یتوب منه، أمّا بالنّسبة للذنوب التی هی أقلّ قُبحاً، أو أقل عِقاباً، أو لأنّ علمه بها و إطلاعه على ما یترتب علیها من المفاسد، لیس کافیاً بالدّرجة التی تردعه عنه، فإنّه یستمر فی ممارستها.

فأکثر التائبین هم کذلک، فغالباً ما یقلعون عن بعض الذّنوب، و یبقون على البَعض، ولم یردنا شیءٌ من قبل الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، أو الأئمّة الأطهار(علیهم السلام)، أو علماء الإسلام، ینفی قبول مثل هذه التوبة، ویؤکّد على التوبة الکاملة الشاملة لکلّ الذنوب التی یرتکبها الإنسان.

و نرى فی الآیات الشّریفة، إشارات واضحة على معنى التّجزئة فی التّوبة، و صحّة القول بالتّفکیک، فمثلاً بالنّسبة للمُرابین، یقول تعالى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِکُمْ )(1).

و بالنّسبة للمرتدین بعد الإیمان، یقول تعالى: (أُوْلَئِکَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَیْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلاَئِکَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِینَ...إِلاَّ الَّذِینَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ )(2).

و بالنّسبة للمحاربین والمتسببّین فی ضَلال الناس و المجتمع، فبعد ذکر ما یستحقون من العِقاب الشّدید، یقول تعالى: (إِلاَّ الَّذِینَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَیْهِمْ فَآعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ )(3).

و أمّا بالنّسبة للأعمال المنافیة للعفّة، فیقول تعالى: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ کَانَ تَوَّاباً رَحِیماً )(4).

و فی مکان آخر أشار إلى الذّنوب، مثل: الشّرک، و قتل النفس، و الزنا، و عقوباتها، فقال:

(إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحاً فَأُوْلَئِکَ یُبَدِّلُ اللهُ سَیِّئَاتِهِمْ حَسَنَات )(5).

ورغم أنّ بعض الآیات، تناولت بعض العقوبات الدنیویّة، و العفو عنها بالتّوبة، لکنّ الحقیقة أنّه لا یوجد فرق من هذا اللحاظ، فإذا ما غفرت فی الدنیا فستغفر فی الآخرة قطعاً.

و الخُلاصة: أنّه لا یوجد مانعٌ من التّفکیک و التّفریق، بین الذّنوب من جهاتها الَمختلفة، مثل: (الفرق فی میزان المعلومات، الدّوافع، و قُبح الذّنوب)، ولکنّ التّوبة الکّاملة الشّاملة، هی التّوبة التی تستوعب جمیع الذنوب، بدون التّفریق بینها فی خطّ العودة إلى الله تعالى.


1. سورة البقرة، الآیة 279.
2. سورة آل عمران، الآیة 78 و 79.
3. سورة المائدة، الآیة 24.
4. سورة النساء، الآیة 16.
5. سورة الفرقان، الآیة 70.
7 ـ دوام التّوبة5 ـ قبول التوبة: هل هو عقلی أم نقلی؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma