یقول «الرّاغب» فی کتاب «المُفردات»: إنّ الذِّکر له مَعنیان، فمرّةً حضور الشّیء فی الذّهن، و مرّةً بمعنى حفظِ المَعارف و الإعتقادات الحقّة فی باطن الرّوح.
و قال الأعاظم من علماء الأخلاق: إنّ «ذکرَ الله تعالى»، لیس هو لِقَلقَةِ لِسان، أو مجرّد التّسبیح و التّحمید و التّهلیل و التّکبیر، فی دائرة الألفاظ والکلمات، بل هو التّوجه الحقیقی للهِ تعالى، و الإذعان لِقُدرته و الإحساس بوجوده أینَما کُنّا.
و لا شکّ أنّ مِثلَ هذا الذّکر هو المطلوب، وهو الغایة القصوى و الدّافع للإتجاه نحو الحسنات، و الإعراض عن السّیئات و القَبائح.
و لذلک نقرأ عن الرّسول الکریم(صلى الله علیه وآله) فی حدیث فی هذا المضمار:
«وَلَیْسَ هُوَ سُبحانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلهَ إِلاّ اللهِ وَاللهُ أَکْبرُ، وَلَکِنْ إِذا وَرَدَ عَلى ما یَحْرُمُ عَلَیهِ، خافَ اللهَ عَزَّوَجَلَّ عِنْدَهُ وَتَرَکَهُ»(1).
و نقل ما یقرب لهذا المعنى فی حدیث عن الإمامین: الصّادق و الباقر(علیهما السلام)(2).
و نقل حدیث آخر عن علی(علیه السلام)، أنّه قال: «الذِّکْرُ ذِکْرانِ: ذِکْرٌ عِنْدَ المُصِیبَةِ، حَسَنْ جَمِیلٌ وَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِکَ ذِکْرُ اللهِ عِنْدَ ما حَرَّمَ اللهُ عَلَیکَ، فَیَکُونُ ذَلِکَ حاجِزاً»(3).
و نستنتج من ذلک، أنّ الذّکر الحقیقی، هو الذّکر الذی یترک أثره الإیجابی فی أعماق روح الإنسان، و یفعّل إتجاهاته الفکریّة و العملیّة فی خطّ التّقوى و الإلتزام الدّینی، و یربّی فی النّفس و الرّوح، عناصر الخیر و الصّلاح، و یدعو الإنسان إلى الله العزیز الحکیم.
و من یذکر الله تعالى على مستوى اللّسان، و یتبع الشّیطان على مستوى المُمارسة و العمل، فهو لیس بِذاکِر حقیقی، و لا یذکر الله من موقع الإخلاص، بل هو کما قال الإمام علی بن موسى الرّضا(علیه السلام): «مَنْ الذِّکْرِ ولَمْ یَسْتَبِقْ إِلى لِقائِهِ فَقَدْ إسْتَهزَءَ بِنَفْسِهِ»(4).