لا توجد موانع تقف فی طریق الذّکر اللّفظی، فیمکن لِلإنسان أن یذکر أسماء و صفات الله الجمالیّة و الجلالیّة، و یجریها على لِسانه فی أیِّ وقت شاء، إلاّ أن یکون الإنسان مُنشغلاً وغارقاً فی الدّنیا، لدرجة لا یبقى وقتٌ لِلذکر اللّفظی.
أمّا الذّکر القلبی و المعنوی، فتقف دونه موانعٌ و سدودٌ کثیرةٌ، أهمّها ما یَکمُنْ فی واقع الإنسان نفسه، فبالرّغم من أنّ الله تبارک و تعالى، مع الإنسان فی کلِّ مکان و زمان، و أقرب إلینا من کلّ شیء: (وَنَحْنُ أَقرَبُ إِلَیهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِیدِ )(1).
أو کما ورد فی الحدیث العلوی المشهور: «ما رأَیتُ شَیئاً إلاّ وَرَأیتُ اللهَ قَبلَهُ وَبَعدَهُ وَ مَعَهُ».
ولکن مع ذلک، فإنّ کثیراً من أعمال الإنسان و صفاته الشّیطانیّة، تضع الحُجب على عینه، فلا یُحسّ بوجود الله تعالى أبداً، من موقع الحضور و الشّهود القلبی، و کما یقول الإمام السّجاد(علیه السلام)، فی دعاء أبی حمزة الثمالی: «وإنَّکَ لا تَحتَجِبُ عَنْ خَلْقِکَ إِلاّ أَن تَحجُبَهُم الأَعمالُ دُونَکَ»، و أهم تلک الحُجب، هی « الأنانیّة» التی تذهل الإنسان عن ذکر ربه.
فالأنانی لا یعیش مع الله تعالى من موقع الوُضوح فی الرّؤیة، لأنّ الأنانیّة من أنواع الشّرک التی لا تتناسب مع حقیقة التّوحید!.
و نقرأ فی حدیث عن علیٍّ(علیه السلام) أنّه قال: «کُلُّ ما أَلهى مِنْ ذِکْرِ اللهِ فَهُوَ مِنْ إِبلِیسَ»(2).
و فی حدیث آخر عن علیِّ(علیه السلام) أنّه قال: «کُلُّ ما أَلهى عَنْ ذِکْرِ اللهِ فَهُوَ مِنْ المَیسرِ»(3).
ونعلم أن المَیسر، جُعِل فی القرآن الکریم، ردیفاً لعبادة الأوثان(4).
و نختم هذا الکلام عن موقع الذّکر، بحدیث عن الرّسول الأکرم، و قد جاء فی معرض تفسیره للآیة الکریمة: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا، لاَ تُلْهِکُمْ أَمْوَالُکُمْ وَلاَ أَوْلاَدُکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللهِ، وَ
مَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ فَأُوْلَئِکَ هُمْ الْخَاسِرُونَ )(5).
قال(صلى الله علیه وآله): «هُم عِبادٌ مِنْ اُمَّتی، الصَّالِحُونَ مِنْهُم لا تُلهِیهِم تِجارَةٌ ولا بَیعٌْ عَنْ ذِکْرِ اللهِ وَ عنِ الصَّلاةِ المَفرُوضَة الخَمْسِ»(6).
نعم فإنّهم فی کلّ حرکاتهم و سکناتهم، یبتغون وجه الله تعالى، ولا غیر.
—–