نقرأ فی بعض الآیات أنّ «عباد الرحمان» یطلبون من الباری تعالى أن یجعلهم للمتقین إماماً (واجعَلنـا لِلمُتَّقِینَ إِمـاماً)(1).
ومنه یتبیّن أنّ حبّ الرئاسة لا یقع فی الدائرة الذمیمة دائماً، کما ذکر هذا المعنى العلاّمة المجلسی(قدس سره) فی کتابه بحار الأنوار، حیث قسّم الرئاسة إلى نوعین: «رئاسة بالحق» و«رئاسة بالباطل»، بعدها ضرب مثالا لرئاسة الحق وهو التصدی لمقام الفتوى والتدریس والوعظ، ویعقب قائلا: إنّ الذی له الأهلیة لذلک وهو عالم بالکتاب والسنة وهدفه هدایة الخلق وتعلیم الناس، فیجب علیه إمّا عیناً أو کفایةً التصدی لذلک المقام، ولکن الذی لا علم له ولا اطلاع بالمسائل ولیس له هدف إلاّ الشهرة وتحصیل المال والمقام، فتلک الرئاسة الباطلة، وهذا هو فعل المبتلین بالصفة الرذیلة وهی حبّ الجاه.
وبعدها نقل عن بعض المحققین أن معنى کلمة «الجاه» هو تملک القلب والتأثیر علیه، فحکمها حکم تملک الأموال، کل هذهِ الاُمور هی من أهداف الحیاة، وتنتهی بالموت، والدنیا مزرعة الآخرة، فالذی یجعل من تلک زاداً له فی الآخرة فهو السعید والمنعم، والذی یجعل منها وسیلة لإتباع الأهواء فهو الشقیّ الفقیر(2).
وفی الواقع أنّ الذین یطلبون الرئاسة لأغراض اجتماعیة وإنسانیة، أو بعبارة اُخرى یطلبون الجاه للوصول للاهداف الإلهیّة ولیس لحب المقام والرئاسة بالذات، اُولئک فی الحقیقة السائرون على خط الإمام علی(علیه السلام) الذی یقول: «أمـا وَالَّذی فَلَقَ الحَبّةَ وَبرَأ النَّسمَةَ لَولا حُضُورِ الحـاضِرِ وَقِیـامِ الحُجَّةِ بِوجُودِ النَّاصِرِ وَمـا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمـاءِ أَلاّ یُقارُّوا عِلى کِظّةِ ظـالِم وَلا سَغبِ مَظلُوم لأَلقَیتُ حَبلَها عَلى غَارِبِها وَلَسَقَیتُ آخِرهـا بِکأسِ أَولِهـا»(3).