تفسیر واستنتاج

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
الصدق فی الروایات الإسلامیةتنویه

إنّ العبارات الواردة فی الآیات الکریمة التی تتحدّث عن أهمیّة الصدق لا نجد مثیلاً لها فی دائرة المفاهیم القرآنیة الکریمة، ومن جملة التعابیر الشدیدة الواردة فی هذه الصفة الأخلاقیة هو ما ورد فی «الآیة الاُولى» من الآیات محل البحث والتی جاءت بعد بیان مفصّل عن ظاهرة انحراف النصارى عن دائرة التوحید وسؤال الله تعالى المسیح یوم القیامة عن سبب هذا الانحراف وتبرئة المسیح لنفسه عن هذه التهمة وحینئذ تقول الآیة: (قَالَ اللهُ هَذَا یَوْمُ یَنفَعُ الصَّادِقِینَ صِدْقُهُمْ)

وهذه إشارة إلى أنّ اتصافهم بالصدق فی الحیاة الدنیا سوف ینفعهم فی حیاتهم الاُخرویة یوم القیامة ویکون سبباً لنجاتهم من النار (لا أنّ صدقهم یوم القیامة سیکون سبباً لنجاتهم فی ذلک الیوم لأنّه لا تکلیف یوم القیامة).

ثمّ تستمر الآیة الشریفة فی استعراض ما یترتب من النتائج الایجابیة والثواب العظیم على هؤلاء الصادقین وتقول: (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الاَْنهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا أَبَداً رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ).

فمن جهة سوف ینالون الجنّة ویتمتعون بعظیم نعیمها ومواهبها الخالدة، ومن جانب آخر ینالون رضا الله تعالى عنهم، والتعبیر بالفوز العظیم فی الآیة یدلّ بوضوح على عظمة مقام الصادقین، ولعلّه لهذا السبب فإنّه بالإمکان جمع کافة أعمال الخیر والصلاح وإدخالها فی دائرة الصدق، أو بتعبیر آخر أنّ الصدق هو مفتاح لکافّة أعمال الخیر والصلاح.

ومن البدیهی أنّ الله تعالى إذا رضی عن عبد فإنّه سوف یعطیه ما یرید، وطبیعی أنّ الإنسان إذا أعطی کل ما یرید فإنّه سیعیش حالة السعادة المطلقة وعلیه فإنّ رضى الله تعالى سیتسبب فی رضا العبد، وهذا الرضا المتقابل یعدّ نعمة عظیمة لا تصل إلیها أی نعمة اُخرى، وهی موهبة إلهیة للصادقین من الناس.

وعبارة (رضی الله عنهم ورضوا عنه) وردت فی القرآن الکریم فی أربع موارد والتوفیق فیها یبیّن عظمة هذا المفهوم السامی، ففی أحد الموارد یتحدّث القرآن الکریم عن المهاجرین والأنصار والتابعین، وفی مکان آخر یتحدّث عن حزب الله تعالى، وفی مورد ثالث یتحدّث عن (خیر البریة)، وفی هذه الآیة محل البحث یتحدّث عن الصادقین، وهذا یدلّ على أنّ الصادقین هم حزب الله تعالى وخیر البریة، ومن المهاجرین والانصار والتابعین.

«الآیة الثانیة» تخاطب جمیع المؤمنین من موقع الأمر بتقوى الله تعالى الذی یقترن مع الصدق وتقول: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ).

ونظراً إلى أنّ مثل هذه الخطابات القرآنیة وکما ورد فی الاصطلاح أنّها خطابات المشافهة فإنّها تستوعب فی دائرتها ومصادیقها جمیع المؤمنین فی کل زمان ومکان، ومن الواضح أنّ الکون مع الصادقین وظیفة وواجب على الجمیع فی أی مکان وزمان، وهذا یدلّ على أنّ الإنسان إذا أراد التحرّک فی خط التقوى والإیمان والاستقامة فعلیه أن یعیش مع الصادقین ویلتزم بهم.

أمّا المقصود من الصادقین فی هذه الآیة ما هو؟ فهناک تفاسیر متعددة لذلک، فالبعض ذکر أنّ المقصود هو النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وأصحابه، وذهب البعض الآخر إلى أنّ مراد الآیة من الصادقین هم الأشخاص الذین یتمتعون بصدق النیّة والصلاح فی العقائد والأعمال، وأورد آخرون تفاسیر اُخرى لهذه العبارة.

ولکن عند الرجوع لسائر الآیات القرآنیة نجد أنّ القرآن نفسه یفسّر المراد من هذه الآیة حیث یقول فی سورة الحجرات: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ یَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللهِ أُوْلَئِکَ هُمْ الصَّادِقُونَ)(1)

وهکذا نرى أنّ هذه الآیة قد ذکرت للصادقین صفات سامیة کالإیمان الذی لا یشوبه أی شک وریب والجهاد فی سبیل الله بالمال والنفس وأمثال ذلک.

 وقد ذکرت الآیة 8 من سورة الحشر أحد المصادیق البارزة للصادقین وهم المهاجرون الذین ترکوا أموالهم وبیوتهم وهاجروا فی سبیل الله وکانوا ینصرون دین الله ونبیّه الکریم دائماً.

ونقرأ فی الآیة 117 من سورة البقرة صفات مهمّة اُخرى لهؤلاء الصادقین من قبیل الإیمان بالله تعالى ویوم القیامة والکتب السماویة والأنبیاء وإنفاق الأموال فی سبیل الله وإقامة الصلاة وأداء الزکاة والوفاء بالعهد والصبر على المشکلات والصعوبات التی یواجهها المؤمن فی حالات الجهاد.

ومن مجموع هذه الصفات الکریمة یتبیّن جیداً أنّ الصادقین لیس هم الصادقین فی الکلام فقط، بل الصدق فی الإیمان والعمل من خلال التقوى والتضحیة وطاعة الله تعالى والتحرّک فی خط الإیمان، رغم أنّ هذا المفهوم یمتد لیستوعب دائرة واسعة من المفاهیم الأخلاقیة لکن النموذج الأکمل والأتم لذلک هم المعصومون(علیهم السلام) ولذلک ورد فی الروایات الشریفة من طرق الشیعة وأهل السنة فی تفسیر هذه الآیة أن المقصود بها علی بن أبی طالب(علیه السلام)وأصحابه، وکذلک ورد أنّ المقصود علی بن أبی طالب وأهل بیته(علیهم السلام).

وقد أورد العلاّمة (الثعلبی) فی تفسیره عن ابن عباس أنّه قال: «مَعَ الصّادِقِینَ یَعنِی مَعَ عَلی بن أَبِی طالب وَأصحابِهِ»(2).

وقد ذکرت جماعة اُخرى من علماء أهل السنة مثل العلاّمة الگنجی فی کفایة الطالب وسبط ابن الجوزی فی التذکرة نفس هذا المعنى والمضمون مع تفاوت أنّه بدل کلمة الأصحاب وأورد ذکر أهل البیت(علیهم السلام) حیث یقول فی ذیل هذه الروایة: «قَالَ ابنُ عَباس: عَلِیٌّ سَیِّدُ الصَّادِقِینَ»(3).

وجاء فی الروایة الشریفة عن جابر بن عبدالله الأنصاری(رضی الله عنه) عن الإمام الباقر(علیه السلام) فی تفسیر الآیة أنّه قال: «أَی آلُ مُحَّمد»(4).

وقد استوحى الکثیر من المفسّرین من اطلاق هذه الآیة أنّ هذا الأمر یشمل جمیع المسلمین فی کل زمان ومکان، وبما أنّ الصادق المطلق هو الإمام المعصوم فالآیة تدلّ على أنّه یجب وجود إمام معصوم فی کل زمان (والتعبیر بصیغة الجمع «الصادقین» لغرض أنّ المخاطب هو کافة الناس فی کل زمان).

والنتیجة المستوحاة من هذه الآیة هی أننا جمیعاً مطالبون فی أن نکون دائماً مع الصادقین، وهم الذین وردت أوصافهم فی الآیات أعلاه والمصداق الأکمل لهم هم المعصومون(علیهم السلام).

«الآیة الثالثة» تتحدّث عن الثواب الذی ینتظر الصادقین یوم القیامة وقد جعلتهم الآیة فی مقابل المنافقین، وبعد أن بیّنت حال المؤمنین الصادقین والذین استشهدوا فی سبیل الله وکذلک من ینتظر الشهادة منهم فتقول: (لِیَجْزِىَ اللهُ الصَّادِقِینَ بِصِدْقِهِمْ وَیُعَذِّبَ الْمُنَافِقِینَ إِنْ شَاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللهَ کَانَ غَفُوراً رَحِیماً).

وبهذا یتبیّن الثواب العظیم على المستوى المادی والمعنوی الذی ینتظر الصادقین فی الجنّة، وهم الصادقون فی القول والعمل والعقیدة، وأمّا من خرج من دائرة الصدق وسلک فی خط الباطل والکذب فإنّه یسقط فی وادی النفاق والضلال.

«الآیة الرایعة» من الآیات محل البحث تشیر إلى عشرة طوائف مبشّرة إیّاهم بالمغفرة والثواب الجزیل، والطائفة الرابعة منهم هم الصادقون والصادقات، وهذا یعنی أنّ الإنسان بعد إعتناق الإسلام والإیمان والطاعة لله تعالى فلا فضیلة بعدها أعلى من الصدق فی السلوک العملی حیث تبیّن هذه الآیة إلى أیة درجة یرتقی الصدق بالإنسان سواء الرجل أو المرأة، وقد ورد فی الحدیث النبوی المعروف: «لا یَستَقِیمُ إِیمـانُ عَبد حَتّى یَستَقِیمَ قَلبُهُ وَلا یَستَقِیمُ قَلبُهُ حَتّى یَستَقِیمَ لِسانُهُ»(5).

ویستفاد من هذا الحدیث أنّه حتى الإیمان الکامل لا یحصل للإنسان إلاّ بعد الصدق وإصلاح اللسان والقول، وأمّا الأشخاص الذین یعیشون الکذب فی کلامهم فهم الفارغون من الإیمان الکامل.

«الآیة الخامسة» وبعد الإشارة إلى الحالة السلبیة للمنافقین وتذبذبهم وتناقضهم فی القول والعمل وخوفهم العظیم من الجهاد فی سبیل الله تعالى الذی هو فی الحقیقة أصل العزّة والفخر للإنسان المؤمن تقول الآیة: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الاَْمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَکَانَ خَیْراً لَهُمْ).

فهؤلاء کانوا یقولون أننا عندما ینزل علینا الأمر بالجهاد فسوف نتحرّک من موقع الطاعة ولا نقول سوى المعروف والصدق، ولکن عندما یحین الوقت وینزل الأمر بالجهاد یتجلّى حینئذ عدم صدقهم وتهافتهم وتخاذلهم فی حین أنّهم لو صدقوا الله لکان خیراً لهم.

هذا التعبیر یدلّ على أنّ الکذب هو أحد علامات المنافقین، فقبل أن یواجهوا الأمر الواقع وتحین لحظة الحسم فأنّهم ینطلقون من موقع الوعد بالجهاد والثبات والانطلاق من موقع المسؤولیة، ولکن عندما تحین اللحظة الحاسمة یتّضح کذبهم ونفاقهم، أی أنّ هذه الرذیلة الأخلاقیة وهی الکذب تعدّ باباً ومفتاحاً للنفاق.

«الآیة السادسة»: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَلَیَعْلَمَنَّ الْکَاذِبِینَ).

ولا شک أنّ أصحاب النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) قد تجاوزوا اختبارات صعبة فی میدان العمل والواقع، وأحد أهم هذه الاختبارات هی مسألة الهجرة، التی تعنی ترک البیوت والأموال وغض الطرف عن الأوطان وجمیع التعلّقات التی ألفها الإنسان فی وطنه والانتقال إلى مکان آخر یبدأ فیه الحرکة والحیاة من نقطة الصفر ویعیش هناک مع أنواع الحرمان والنقص فی موارد المعیشة، وفی حالة ما إذا لم تهاجر معه الزوجة والأطفال فالصعوبات التی یواجهها هذا الإنسان المهاجر ستتضاعف وتشتد.

 القرآن الکریم یتحرّک فی هذه الآیة من موقع التحذیر لأصحاب النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)وأنّ هذه الهجرة هی إمتحان إلهی کبیر (فاذا بقوا فی مکّة فسوف ینالهم أنواع التعذیب من قبل المشرکین ولو هاجروا إلى المدینة فسیواجهون أنواع الحرمان والفاقة) فیقول لهم القرآن الکریم أنّه لا تتصوّروا أنّ هذا الامتحان العسیر فی مواجهة تحدّیات الواقع من تعذیب المشرکین أو الهجرة إلى المدینة أو الجهاد فی سبیل الله ومواجهة الأعداء فی میدان القتال وأمثال ذلک منحصر بکم، فقد سبق أن اختبرنا الأقوام السالفة بأنواع الاختبارات والابتلاءات، وأساساً فإنّ الحیاة الدنیا تدور حول الإمتحان والاختبار الإلهی لیتبیّن الصادق فی إیمانه من الکاذب والمدّعی.

وفی الواقع أنّ هذه الآیة تتحدّث عن الصدق بعنوان أنّه علامة الإیمان والکذب علامة النفاق والکفر.

وطبعاً إنّ الصدق والکذب فی هذه الآیة هو الصدق والکذب فی العمل لا فی القول، العمل الذی ینسجم ویتوافق مع ا دّعاءات الإنسان السابقة ویرسم له سلوکه الاجتماعی فی حرکة الحیاة، والکاذب هنا هو الذی لا یتحرّک فی سلوکه بما ینسجم مع إدعاءاته، وأیضاً الصدق والکذب فی العمل وفی القول لهما جذر مشترک، لأنّ الصدق هو بیان الحقیقة والکذب على العکس من ذلک، وهذا التبیّن تارة یکون بوسیلة القول واُخرى بوسیلة العمل.

ومن مجموع الآیات أعلاه یتبیّن الأهمیّة الکبیرة للصدق والصادقین وأنّ هذه الصفة تعد فضیلة أخلاقیة من الفضائل التحتیة للبناء الأخلاقی الفوقانی للإنسان، نعم فإنّه متى ما وجد الصدق فإنّ الصفاء والأمانة والثقة والاعتماد والشجاعة سوف تحصل للإنسان بالتبع، ولو لم یکن الصدق فی واقع الإنسان فإنّ جمیع هذه الصفات ستتبخّر وتتلاشى ویعیش الإنسان بدونها حالة الفراغ الروحی والجفاف المعنوی وحتّى أنّ الإیمان والعقیدة سوف لا تبقى سلیمة کما هو المطلوب، والملفت للنظر أنّ الآیات الکریمة تذکر الصدق بعنوان أنّه صفة من الصفات الأصلیة للقادة الإلهیین کما أشارت إلى ذلک الآیات أعلاه وهذا إنّما یدلّ على أنّ سائر فضائل الإنبیاء والأولیاء تدور حول محور الصدق وعلینا إذا أردنا معرفتهم والاطّلاع على أحوالهم أن نتحرّک لتتبع أثر هذه الصفة الأخلاقیة فیهم.

 


1. سورة الحجرات، الآیة 15.
2. احقاق الحق، ج3، ص297.
3. المصدر السابق.
4. تفسیر نور الثقلین، ج2، ص280.
5. المحجة البیضاء، ج5، ص193.

 

الصدق فی الروایات الإسلامیةتنویه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma