الآثار السلبیة للکذب

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
دوافع الکذبالکذب فی الروایات الإسلامیة

الآثار السلبیة للکذب:

بالرغم من أنّ الآیات والروایات المذکوره آنفاً قد درست هذه المسألة بشکل مفصّل وکشفت الستار عن نقاط مهمّة فیها، ولکن أهمیّة هذا الموضوع یحتاج إلى دراسة أکثر وأعمق.

وأول: أثر من الآثار المضرّة والسلبیة للکذب هی الفضیحة وذهاب ماء الوجه وانهیار المکانة الاجتماعیة للشخص الکاذب وسلب الثقة منه لدى الناس.

وکما یقول المثل المعروف: (الکاذب قرین النسیان) فإنّ التجارب تثبت أنّ الکلام الکاذب لا یمکن أن یستمر لمدّة طویلة فی حجبه الحقیقة عن الناس، وقد تطوى المسألة فی زاویة النسیان إذا لم تکن ذات أهمیّة، ولکن إذا کانت المسألة مهمّة فإنّ الحقیقة سوف تتجلّى فی دائرة ویفتضح الکاذب حینئذ لا من أجل أنّ الکاذب ینسى ما قاله سابقاً، بل من أجل أنّ الکذب بنفسه لا یتأطر بأطار الحافظة، لأنّ الحادثة الواقعة فی الخارج ترتبط بسلسلة من الحوادث الاُخرى ومن موقع العلّة والمعلول وترتبط بما حولها من الحوادث بروابط عدیدة وحتمیّة، فالشخص الذی یصوغ حادثة مختلقة یجد نفسه مضطراً إلى أن یربطها بما قبلها وبعدها من ظروف الزمان والمکان والأشخاص والحوادث المحیطة بها وکل ذلک یجب أن یختلقة بما ینسجم مع هذه الحالة الکاذبة، وبما أنّ هذه الروابط لیس لها حد وحصر، وعلى فرض أنّه استطاع أن یختلق عدّة حوادث وروابط منسجمة مع بعضها إلاّ أنّه قد یترک ثغرات فی کلامه حیث یتّضح من ذلک کذبه مثل ما رأینا من قصّة یوسف(علیه السلام)حیث جاء الأُخوة بقمیصه الدامی إلى أبیهم واختلقوا قصّة أکل الذئب له، ولکنّهم نسوا أن یمزقوا القمیص من عدّة أماکن، وهکذا إتّضح کذبهم من بقاء القمیص سالماً، أو مثل زوجة عزیز مصر عندما إدّعت کذباً بأنّ یوسف کان یقصد بها سوء ولکنّها نسیت أنّ قمیص یوسف(علیه السلام) قد قُدَّ من خلفه، وهذا دلیل واضح على کذبها وأنّها هی التی کانت تلحق یوسف(علیه السلام) لا العکس.

وفی هذا العصر فإنّ المحققین فی عالم الجریمة یستطیعون بکل سهولة ومن خلال الأسئلة المتعددة عن الحادثة ولوازمها وخصوصیاتها أن یکشفوا صدق أو کذب المدّعی بحیث نادراً ما یفلت منهم کاذب دون أن یفتضح، أجل فإنّ الکاذب لیست له حافظة قویّة، وسوف یفتضح سریعاً على أیّة حال.

الثانی: من النتائج السلبیة للکذب هو أنّه یجر الإنسان إلى أن یکذب مرّات عدیدة أو یرتکب ذنوباً اُخرى للتغطیة على کذبته الاُولى أو یرتکب حماقات خطیرة لهذا الغرض.

الثالث: من مضرّات الکذب هو أنّه یبیح للشخص الکاذب أن یغطی على خطیئته وإثمه ولو بشکل مؤقت ویتستر على سلوکیاته المنحرفة فی حین أنّه لو کان یتحرّک من موقع الصدق فإنّه یجد نفسه مضطراً إلى ترک هذه الأعمال القبیحة.

الرابع: من مضرّات الکذب هو أنّه یدفع بصاحبه إلى أن یسلک فی خط النفاق ویصبح من زمرة المنافقین، لأنّ الکذب فرع من فروع النفاق، والکاذب هو الذی یظهر غیرما یبطن ویتکلم بخلاف الواقع وبخلاف ما یعلمه فی نفسه، فهذا الاختلاف بین الظاهر والباطن سوف یسری بالتدریج إلى سائر أعماله وسلوکیاته حتى یمسی منافقاً کاملاً.

وقد ورد فی الحدیث الشریف عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) أنّه قال: «الکذب یؤدی إلى النفاق».

الخامس: من مضرات الکذب هو أنّه لو کان الشخص یتمتع بلیاقات کثیرة وطاقات ایجابیة یمکنه إستخدامها فی حرکة التفاعل الإجتماعى فأنّه لو کان کاذباً فی هذا المجال فسوف لا یستطیع الناس الإستفادة من لیاقاته وطاقاته الإیجابیّة لأنهم سوف یتعاملون معه من موقع الشک والتردید فی سلوکیاته وکلماته.

ولهذا السبب نجد أنّ الروایات الإسلامیة إعتبرت الکاذب مثل المیّت حیث ورد: «الکَذَّابُ والمَیِّتُ سَواءٌ فإنَّ فَضِیلَةَ الحَیِّ عَلَى المَیِّتِ الثِّقَةُ بِهِ، فَإذا لَمْ یُوثَقُ بَکلامِهِ فَقَد بَطَلَتْ حَیاتُهُ»(1).

السادس: من النتائج السلبیة المترتبة على الکذب هو أنّ الإنسان وبالإستفادة من أداة الکذب یمکنه أن یرتکب أعمالا قبیحة اُخرى، فالحسود والحاقد والبخیل کل منهم یجد فی الکذب وسیلة للتغطیة على أعمالهم وسلوکیّاتهم وهکذا الحال فی سائر الذنوب الاُخرى، مثلا عند ما یأتی إلیه شخص ویطلب منه قرضاً فأنّه یکذب علیه ویقول: لقد إقترضت الآن مبلغاً من المال ولیس لدی ما أعطیک منه، أو عندما یطلب منه أن یصف شخصاً من الأشخاص فأنّه وبسبب الحسد لا یذکر منه سوى صفاته السلبیّة والحال أنّ ذلک الشخص هو إنسان شریف وثقة.

السابع: هو ما نراه من الآثار المخربة فی دائرة العلوم والمعارف البشریة، فلو أنّ المحققین والمخترعین والعلماء تحرّکوا من موقع الکذب فی تحقیقاتهم واکتشافاتهم فانّ جمیع الکتب والدراسات العلمیّة سوف یلحقها فیروس الشک والتردید وبالتالی لا یضحى

هناک إعتماد على تحقیقات ودراسات الآخرین فتتوقف حرکة التطور الحضاری والعلمی فی المجتمع البشری.

وهناک نتائج سلبیة ومضرات کثیرة اُخرى تترتب على الکذب فی حرکة الحیاة الفردیة.

ومضافاً إلى هذه النتائج والآثار فی حرکة الحیاة للإنسان فانّ هناک مضرات معنویة تترتب على الکذب وردت الإشارة إلیها فی الروایات الشریفة ومن ذلک:

أنّ الملائکة تبتعد عن الإنسان کما قرأنا ذلک سابقاً فی الحدیث عن الإمام علی بن موسى الرضا(علیه السلام) حیث قال: «إِذا کَذِبَ العَبدُ تَبـاعَدَ المَلَکُ مِنهُ مَسیرَةَ مِیل مِنْ نَتِنِ مـا جـاءَ بِهِ»(2).

والآخر إنّ الکاذب یحرم من صلاة اللیل کما ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام)قوله: «اِنَّ الَّرجُلَ لَیَکْذِبُ الْکِذْبَةَ فَیُحرَمُ بِهـا صَلاةَ الْلَیْلِ، فَاِذا حُرِمَ صَلاةُ اللَیْلِ حُرِمَ بِهـا الرِّزْقُ»(3).

والثالث أنّ الکذب یؤدّی إلى عدم قبول بعض العبادات، کما ورد فی الصوم فی الحدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام)أنّه قال: «فَإذا صُمتُم فَاحفَظُوا أَلسِنَتَکُم عَنِ الکِذبِ وَغُضُّوا أَبصـارَکُم»(4).

وهذا الحدیث یدلّ على أنّ مثل هذه الأعمال المنافیة للأخلاق تقلّل من قیمة الصوم.

والآخر أنّ الکذب یتسبب فی قطع البرکات الإلهیة على الإنسان کما نقرأ ذلک فی الحدیث الشریف عن الإمام علی بن موسى الرضا(علیه السلام): «إِذا کَذِبَ الولاةُ حُبِسَ المَطرُ»(5).

وقد وردت بعض الآثار السلبیة للکذب فی الروایات والتی لها بعد معنوی مضافاً إلى البعد الاجتماعی والظاهری، ومن ذلک ما یستفاد من الروایات المتعددة من أنّ الکذب یتسبب فی حرمان الإنسان من الرزق ویؤدّی به إلى الوقوع فی هوّة الفقر والمسکنة.

ففی الحدیث الشریف عن أمیرالمؤمنین قال: «إعتِیادُ الکِذبِ یُورثُ الفَقرَ»(6).

وفی حدیث آخر عن رسول الله أنّه قال: «الکِذْبُ یُنقِّصُ الرِّزقَ»(7).

وهذا النقصان فی الرزق یمکن أن یکون له نتائج وخیمة فی دائرة الرزق المعنوی أو فی العلاقات الاجتماعیة، لأنّ الکذب یسلب اعتماد الناس وثقتهم من هذا الشخص الکاذب، وبذلک سوف تتحدّد فعّالیته الاقتصادیة ویتراجع نشاطه الاقتصادی وبالتالی یؤدّی إلى نقصان رزقه المادی أیضاً.

 


1. غرر الحکم.
2. شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید، ج6، ص357.
3. بحار الانوار، ج69، ص360.
4. وسائل الشیعة، ج7، 119، ح13.
5. مسند الإمام الرضا(علیه السلام)، ج1، ص280.
6. بحار الانوار، 69، ص261.
7. میزان الحکمة، 17463.

 

دوافع الکذبالکذب فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma