إلتزام المسلمین بالعهود والمواثیق

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
تنویهأقسام العهد

إنّ التقدم المذهل للمسلمین فی العصور الأولیة من تاریخ الإسلام کانت ولا زالت مثار تعجب المؤرخین فی الشرق والغرب، ولکنهم إذا تفکروا فی أسباب وعوامل هذا التقدم السریع لأدرکوا بسرعة سرّه.

ومن البدیهى أنّ أحد علل التقدم السریع هو التزام جیش الإسلام بالمواثیق والعهود وهذا هو ما أکد علیه القرآن الکریم ونبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) مراراً، وهذه المسألة على درجة من الأهمیة بحیث کان الجیش الإسلامی یضحی من أجلها بالکثیر من الإنتصارات السریعة على الکفار.

أنّ القانون المهم (الأمان) الذی یعد أحد التعالیم الإسلامیة یؤکد هذا المعنى أیضاً وأنّ کل جندی من جنود الإسلام وفی أى رتبة کان یمکنه أن یعطى الأمان لبعض رجال العدو بشکل مؤقت ویجب على جمیع المسلمین فی الجیش الإسلامی إحترام هذا الأمان وکأنّه عهد مقطوع ولازم الوفاء.

وهناک نماذج کثیرة ذکرها المؤرخون فی تاریخ الإسلام تحکی هذا المعنى ومنها:

1 ـ ما ذکره یاقوت الحموی فی (معجم البلدان) عن فتح مدینة (سهریاج)(1) من القصة العجیبة حیث بعث الخلیفة فی ذلک الزمان الجیش إلى هذه المدینة لفتحها.

یقول فضل بن زید الرقاشی: حاصرنا سهریاج فی أیام عبدالله بن عامر وقد سار إلى فارس افتتحها، وکنّا ضمنا أن نفتحها فی یومنا وقاتلنا أهلها ذات یوم فرجعنا إلى معسکرنا وتخلف عبد مملوک منّا فراطنوه، فکتب لهم أماناً ورمى به فی سهم فرحنا إلى القتال وقد خرجوا من حصنهم وقالوا: هذا أمانکم فکتبنا بذلک إلى عمر، فکتب إلینا: إنّ العبد المسلم من المسلمین ذمته کذمتکم، فلینفذ أمانه، فأنفذناه(2).

ومصدر هذه القصة هو ما ورد من الحدیث النبوی المعروف فی حجة الوداع حیث قال رسول الله(صلى الله علیه وآله) للمسلمین کافة: «المُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ تَتَکـافَأُ دِمـائُهُمْ وَهُمْ یَدٌ عَلَـى مَنْ یَسْعـى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنـاهُمْ»(3).

2 ـ وورد فی التواریخ الإسلامیة أنّ المسلمین فی عصر الخلیفة الثانی هزموا الساسانیین وقبضوا على (هرمزان) قائد الجیوش الفارسیة وجاءوا به إلى عمر بن الخطاب، فقال له الخلیفة: لقد نقضت العهود معنا دائماً فلماذا إرتکبت هذا العمل؟ فقال الهرمزان: أخاف أن تقتلنی قبل أنّ أقول لک سبب ذلک، فقال له الخلیفة: لا تخف.

وفی هذه الأثناء طلب الهرمزان الماء فجیىء له بإناء فیه ماء فقال الهرمزان: لو أعلم بأننی أموت من العطش فأننی لا أشرب من هذا الأناء أبداً.

فقال لهم عمر: إذهبوا وأتوه بماء فی إناء یقبل أن یشرب منه، فجاؤوا له بقدح فیه ماء وناولوه بیده، فنظر إلى ما حوله ولم یشرب وقال: أننی أخاف أن أقتل وأنا أشرب الماء.

فقال له عمر: لا تخف فأنا أعطیک الإمان من القتل إلى أن تنتهى من شرب الماء.

فما کان من الهرمزان إلاّ أن ألقى بالقدح من یده فانسکب الماء على الأرض، فقال عمر وهو یتصور أنّ القدح سقط من یده بدون اختیار: ناولوه قدحاً آخر لیشرب.

فقال الهرمزان: أنا لا أرید الماء بل کان مقصودی أن أحصل منک على الإمان، فقال له الخلیفة: ولکنی سأقتلک لا محالة.

فقال الهرمزان فی جوابه: إنک قد أعطینی الإمان من القتل.

فقال الخلیفة: أنت تکذب فأنا لم أعطک الإمان.

وکان (أنس) حاضراً فقال: صدق الهرمزان لقد أعطیته الإمان إلى أن ینتهى من شرب الماء.

فتفکر الخلیفة فی ذلک وقال للهرمزان: لقد خدعتنی ولکنی سوف أقبل خدعتک هذه لکی تعتنق الإسلام، فلما رأى الهرمزان هذه الحالة (وهی إلتزام المسلمین بعهودهم ومواثیقهم) شع نور الإیمان فی قلبه وأسلم(4).

والملفت للنظر أنّه یستفاد من الروایات الإسلامیة أنّه حتى شبهة العهود والأمان یجب الوفاء بها، ففی الحدیث الشریف عن الإمام الصادق(علیه السلام): «لَوْ أَنَّ قَوْماً حـاصَرُوا مَدینةً فَسَألُوهُمُ الأَمـانَ فَقـالُوا: لا فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قـالُوا: نَعَمْ فَنَزِلُوا إِلَیْهِمْ کـانُوا آمِنِینَ»(5).

وبهذا ترى أنّه لیس فقط العهد والأمان یجب الوفاء به بل إحتمال وجود العهد الوفاء به أحیاناً.

 

 

 


1. یوجد فی مرکز نواحی بوانات بلاد الفُرس قریة تسمى سوریان، والظاهر هی نفس سهریاج، لانّه ورد فی معجم البلدان فی ذیل هذه القصة اسمها الفارسی سوریانج یکون مخففه سوریان.
2. معجم البلدان، ج3 مادة سُهریاج.
3. اصول الکافی، ج1، ص404، ح2.
4. التفسیر الأمثل.
5. وسائل الشیعة، ج11، ص50، ح4.
 
تنویهأقسام العهد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma