دوافع الجدال والمراء

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
أقسام المراء والجدالالآثار السلبیة للجدال والمراء

ونظراً إلى وجود علاقة وثیقة بین الصفات الرذیلة فی واقع الإنسان حیث ترتبط غالباً فیما بینها بعلاقة العلّة والمعلول، یتّضح من ذلک أنّ هذه الصفة الذمیمة، أی الجدال والمراء والخصومة من موقع الجهالة، تنشأ من صفات قبیحة اُخرى:

1 ـ إنّ من العوامل المهمّة للجدال والمراء هو حالة الکبر والغرور فی النفس والتی لا تسمح للإنسان أن یذعن أمام الحق، بل تدفعه لغرض حفظ التفوّق على الطرف الآخر إلى سلوک طریق الجدال والمراء وإنکار ما یتّضح له أنّه الحق، ولذلک ورد فی الحدیث الشریف عن الإمام الصادق(علیه السلام) عن آبائه الکرام(علیهم السلام): «إِنّ مِنَ التَّواضُعِ أَنْ یَرضى الرَّجُلُ بِالمَجلِسِ دُونَ المَجلِسِ وَأَنْ یُسَلِّمَ عِلى مَنْ یَلقى وَأَنْ یَترُکَ المِراءَ وَإِنْ کـانَ مُحِقَّاً وَلا یُحِبَّ أَنْ یُحمَدَ عَلَى التَّقوى»(1).

2 ـ وأحد الدوافع الاُخرى للجدال والمراء والنزاعات اللّفظیة هو الظهور بمظهر العالم المتفوّق وإظهار الفضل على الآخرین، وهذه الحالة متداولة کثیراً فی أجواءنا الاجتماعیة وخاصّة فی المجلس الذی یحضره جماعة من العوام ویرید هذا الشخص أن یظهر نفسه وفضیلته أمامهم أو یرید أن یفتح له مکاناً بین أرباب العلم والمعرفة، وجاء فی الحدیث الشریف الذی ذکرناه سابقاً عن الإمام الحسین(علیه السلام) قوله: «وإِنَّ الشَّیطـانَ لِیُوسوِسُ لِلرَّجُلِ وَیُنـاجِیهِ وَیَقُولُ نـاظِرِ النَّاسَ فِی الدِّینِ کَی لا یَظُنُّوا بِکَ العَجزَ وَالجَهلَ»(2).

وفی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) حیث یقسّم طلاّب العلم إِلى ثلاثة أقسام، وطائفة منهم طلبوا العلم للجدال والمراء، وطائفة اُخرى للفخر على الناس، وثالثة لغرض فهم الحقیقة والتعلّم والعمل بذلک، ثمّ یصف الإمام حال الطائفة الاُولى ویقول: «فَصـاحِبُ الجَهلِ والمِراءِ مُوذ مُمـار مُتَعَرِّض لِلمَقـالِ فِی أَندِیةِ الرِّجـالِ».

وفی ذیل هذا الحدیث الشریف یلعن الإمام مثل هذا الشخص ویقول: «فَدَقَّ اللهُ مِنْ هذا خَیشُومَهُ»(3).

3 ـ ومن الدوافع الاُخرى للجدال والمراء والتعصّب الکلامی هو الجهل بمقام الذات ومقام الآخرین، لأنّه یرى نفسه أکبر وأعلم من واقعه ویرى الآخرین یعیشون الجهل وعدم العلم، ولذلک ورد فی الحدیث الشریف عن الإمام الصادق(علیه السلام) والذی ذکرناه فیما سبق بعد أن یعدّ الإمام المراء بأنّه أحد الأمراض الخطرة لقلب الإنسان وأنّه من الأخلاق الشیطانیة یقول: «فَلا یُمـارِی فِی أَیِّ حـال إلاّ مَنْ کـانَ جـاهِلاً بِنَفسِهِ وَبِغَیرِهِ»(4).

4 و 5 ـ حبّ الانتقام والحسد یعتبران من العوامل المهمّة الاُخرى التی تدفع بالإنسان إلى الجدال والمراء، فلغرض تسقیط شخصیة الطرف المقابل والانتقام منه وإشباع حالة الحسد فی نفسه أو تضعیف مکانة الطرف الآخر أمام الانظار فإنّه یستخدم أداة الجدل والبحث العلمی المقترن مع الأهانة والتحقیر لیستطیع بهذه الوسیلة أن یروی ظمأه إلى الانتقام من الطرف الآخر ویصب الماء على نار الحقد والحسد المستعرة فی قلبه.

6 ـ ومن العوامل المهمّة الاُخرى التعصّب واللّجاجة، لأنّ الشخص المتعصّب واللّجوج غیر مستعد أن یقبل التنازل عن عقائده الفاسدة بسهولة، ولذلک یجد فی نفسه تعصّباً للتوقف علیها وحفظها والدفاع عنها بالمجادلة والبحث الکلامی ویتشبّث بکل وسیلة لإثبات صحّة کلامه وبطلان کلام الطرف الآخر، وهذا هو ما نجده فی سلوک الکثیر من الکفّار والمشرکین أمام رسول الله(صلى الله علیه وآله) وسائر الأنبیاء الکرام(علیهم السلام) حیث تقدّم مثال واضح لذلک من مباحثة عبدة الأوثان ونمرود مع النبی ابراهیم(علیه السلام)، وذلک عندما وجدوا أنفسهم أمام الکلام المنطقی والرصین لأبراهیم(علیه السلام) فوقعوا فی حیرة من الأمر وانتبهوا مؤقتاً من نوم الغفلة ولکن حالة التعصّب واللّجاجة أسدلت على عقولهم وقلوبهم سحابة ظلمانیة منعتهم من قبول الحقیقة والإذعان وانطلقوا مرّة اُخرى فی تأکید معتقداتهم السخیفة من موقع الدفاع عنها بالأدلة الواهیة والجدال الأجوف.

7 ـ ومن العوامل المهمّة للجدال والمراء أیضاً (حبّ الدنیا) الذی یعدّ عاملاً أساسیاً لجمیع الذنوب أو أکثرها، فالأشخاص الذین یعیشون هذه الصفة الرذیلة یریدون کسب المقام والوجاهة الاجتماعیة من خلال سلوک هذا الطریق لإثبات أعلمیّتهم وذکائهم وبذلک یتمکّنوا من نیل أهدافهم الدنیویة وتحصیل بعض المقامات الوهمیّة والعناوین الزائفة.

وخلاصة الکلام هی أنّ العوامل السلبیة الکثیرة تتفق مع بعضها لدفع الإنسان إلى الخوض فی الجدال والمراء بعیداً عن الأدب والخلق الإنسانی والإنصاف وتجرّه إلى الدخول فی دائرة اللّجاجة والعناد أمام الحق والدفاع عن الباطل.

 


1. بحار الانوار، ج2، ص131، ح20.
2. بحارالانوار، ج 2، ص135، ح32.
3. مقدمة کتاب معالم الاُصول، ص11.
4. بحار الانوار، ج2، ص134، ح31.

 

أقسام المراء والجدالالآثار السلبیة للجدال والمراء
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma