الآثار والعواقب السلبیة للتجسّس

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
استثناءاتالتجسّس فی الروایات الإسلامیة

إنّ البحث والتفحّص عن حال الآخرین لغرض الکشف عمّا خفی من معایبهم ونواقصهم له آثار سلبیة کثیرة فی حیاة الإنسان الفردیة والاجتماعیة.

لأنّه من جهة یؤدّی إلى نفور الناس وکراهیتهم لمن یتدخل فی شؤونهم الخاصة ویتعدّى على أسرارهم ویهدف إلى الکشف عن اُمورهم الخاصة، فیرون مثل هذا الشخص معتدیاً على حریمهم الخاص ولا یقیمون له احتراماً ولا یرون له شخصیة وحیثیة فی نظرهم ویکرهون من یعیش هذه الحالة الذمیمة بشدّة.

وقد قرأنا فی الحدیث السابق قول الإمام الصادق(علیه السلام) أنّ الشخص الذی یفتّش عن عیوب الناس یبقى بلا صدیق، فیمکن أن یکون إشارة إلى هذا المعنى.

ومن جهة اُخرى فإنّ أغلب الناس لدیهم نقاط ضعف وعیوب فی شخصیتهم وسلوکیاتهم وأخلاقهم فهی لو أنّها بقیت مستورة وفی حیّز الکتمان، فإنّ ذلک من شأنه أن یدفع بعجلة التفاعل الاجتماعی بین الأفراد کما یرام، ولکن عند انتشار هذه العیوب ونقاط الضعف فإنّ ذلک من شأنه أن یتسبب فی سوء الظن لدى الأفراد وانفصام علقة الاُخوة والصداقة والمحبّة بینهم.

ومن جهة ثالثة فانّ التجسّس والتفتیش عن عقائد الآخرین وأسرارهم وعیوبهم یتسبب فی تعمیق حالة الکراهیة والحقد والعداوة بین أفراد المجتمع وأحیاناً یؤدّی إلى النزاع الدموی الشدید بینهم.

فإذا أردنا أن یعیش المجتمع السلامة والاطمئنان والاستقرار فینبغی الحذر والابتعاد عن هذا السلوک السلبی.

ومن جهة رابعة فإنّ أکثر الناس یتحرّکون فی مقابل هذا العمل من موقع المقابلة بالمثل، أی یسعون إلى التجسّس والفحص عن عیوب الشخص الفضولی والمتجسّس على أحوالهم ویکشفونها إلى الملأ، ولعل هذا الحدیث الشریف ناظر إلى هذا المعنى وهو قوله: «مَنْ بَحَثَ عَنْ أَسرارِ غَیرِهِ أَظهَرَ اللهُ أَسرارَهُ»(1).

ونقرأ فی حدیث آخر قوله(علیه السلام): «مَنْ کَشَفَ حَجـابَ أَخِیهِ إِنکَشَفَتْ عَورَاتُ بَیتِه»(2)، وهو قد یکون إشارة إلى هذا المعنى بالذات، أو إشارة للأثر الوضعی ونتائج هذا العمل فی الدنیا.

ونقرأ کذلک فی حدیث آخر عن هذا الإمام(علیه السلام) قوله: «مَنْ تَطَّلَعَ عَلى أَسرارِ جـارِهِ إِنتُهِکَتْ أَستـارُهُ»(3).

أمّا الدوافع على هذه الرذیلة الأخلاقیة وهی التجسّس والتفتیش فی أسرار الناس وأحوالهم الخاصة فکثیرة، ومن ذلک:

1 ـ سوء الظن بالآخرین الذی یقود الإنسان غالباً إلى التجسّس عن أحوالهم، فلو أنّه استبدله بحسن الظن فإنّه لا یفکّر عند ذاک بالتفتیش عن عیوب الآخرین، ولهذا السبب کما أشرنا سابقاً أنّ الآیة 12 من سورة الحجرات تنهى عن التجسّس بعد النهی عن سوء الظن.

2 ـ التلوّث بالذنوب والعیوب المختلفة والذی یعدّ عاملاً آخر یدفع صاحبه نحو التجسّس على الا خرین، لأنّ الشخص الملّوث بالذنوب والغارق فی العیوب یرید أن یرى جمیع الناس مثله، وبذلک سوف ینطلق من موقع جبران عیوبه وخلق أجواء کاذبة له من الهدوء النفسی وتسکین حالة التوتر التی تفرضها علیه عیوبه الکثیرة فیقول فی نفسه بأننی إذا کنت ملّوثاً فسائر الناس کذلک.

ونقرأ فی الحدیث الشریف عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «شَرُّ النّاسِ الظّانّون وشَرُّ الظّانّین المُتَجَسِّسُونَ»(4).

وأحد العوامل الاُخرى للتجسّس هی حالات الحسد والحقد والعداوة والتکبّر والعجب فی واقع الإنسان الناقص حیث تدفعه هذه العناصر الشریرة إلى التفتیش عن عیوب الآخرین واستخدامها کأداة لتسقیطهم وهتک حیثیّتهم لغرض إرضاء المیل إلى التفوّق ورؤیة الأنا متعالیة على الآخرین.

4 ـ ومن العوامل الاُخرى لهذه الرذیلة هو ضعف الإیمان أیضاً، لأنّ الإنسان الذی یعیش ضعف الإیمان بالله تعالى لا یلتزم باحترام إیمان الآخرین وشخصیتهم الاجتماعیة، ولذلک یتدخّل بأدنى حجّة فی اُمورهم الخاصة وحریم حیاتهم الخصوصیة ولا یرى بأساً فی الکشف عن مثالبهم وهتک حرمتهم وإراقة ماء وجوههم، کما قرأنا فی الأحادیث السابقة عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) بأنّ مثل هؤلاء الأشخاص هو من قبیل: «یـا مَعْشَرَ مَنْ آمَن بِلِسـانِهِ وَلَم یَدخُلِ الإیمانَ فِی قَلبِهِ».

 


1. غرر الحکم.
2. المصدر السابق.
3. المصدر السابق.
4. مستدرک الوسائل، ج9، ص147، الباب 141، ح15 الطبعة الجدیدة.

 

استثناءاتالتجسّس فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma