حفظ السِّر وإفشائه

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
حفظ السِّر فی الروایات الإسلامیّةطرق العلاج

هذه المسألة فی الحقیقة تعدّ تکملة للأبحاث السابقة، أو بعبارة اُخرى، یمکن أن نضع حفظ السر وإفشاءه بعنوان فضیلة أخلاقیة للأول ورذیلة بالنسبة إلى الثانی ودراستهما بشکل مستقل، ویمکن أن نضعهما ضمن بحث التجسّس ولکونه مسألة من مسائل موضع التجسّس وداخل فی إطار هذا الموضوع.

وعلى أیّة حال فإنّ تعریف حفظ السر أنّ الکثیر من الناس لدیهم أسرار خفیّة على الناس سواء کانت حسنة أو سیئة، فلو اُذیعت على الملأ فإنّهم یتعرّضون للخسارة والضرر، مثلاً إذا کان الشخص ذا مکانة اجتماعیة کبیرة ومنزلة قویّة فی المجتمع ولکن بسبب غلبة الوساوس الشیطانیة ارتکب بعض الذنوب الکبیرة، وقد علم بذلک شخص أو عدّة أشخاص من الناس، فلو أنّ هذا السر اُذیع على الناس وعلم به الآخرون فانّ ذلک من شأنه أن یهدد شخصیته الاجتماعیة ومکانته المرموقة بالسقوط، ولذلک فإنّه یطلب من ذلک الشخص أو الأشخاص الذین علموا بهذا السر أن یتحرّوا إخفاءه ویجتنبوا إذاعته للناس.

أو أنّه یقوم بعمل صالح ونافع للناس ولکن إذا علم الناس بذلک وفهموا ما لهذا الإنسان من مقامات عالیة وأخلاق سامیة فمن الممکن أن تزداد فیهم حالة التمجید والثناء تجاه هذا الشخص وبالتالی تتعرّض نیّته الخالصة إلى التزلزل والتلّوث أو یبتلى بالعجب والغرور، ولذلک فانّه یطلب من هذا الفرد أو الأفراد الذین علموا بصدور هذا الفعل الحسن منه أن یکتموا علیه هذا السر ولا یذیعوه للناس.

أو أنّه یقوم بعمل مهم على المستوى الاقتصادی ولکن لو علم بذلک منافسوه فی السوق فإنّ منافعه ومصالحه المادیة تتعرض للخطر، ولذلک یطلب من الشخص الذی علم بذلک أن یکتم علیه هذا العمل ولا یفشی سرّه على الناس، وعلیه فإنّ مسألة حفظ السر لا تختص فی الذنوب والرذائل الأخلاقیة بل قد تتعدّى إلى الفضائل المعنویة أو المنافع والمصالح المادیة المهمّة، وبکلمة واحدة فإنّ حفظ السر یتعلّق بالأسرار التی إذا اُذیعت فسوف تسبب الضرر والخسارة على صاحبها، سواء کان هذا السر یتعلّق بشخص خاص أو بالمجتمع الإسلامی.

وقد لا نجد فی الآیات القرآنیة الکریمة ما یدلّ بصراحة على ضرورة حفظ السر أو قبح إفشاء السر، وبالطبع فإنّ کلمة (السر) وردت فی القرآن الکریم مرّات عدیدة ولکن لیس واحد منها یرتبط ببحثنا الحاضر، بل فی الغالب تتضمّن علم الله تعالى بجمیع الأسرار وخفایا الاُمور، وبعبارة اُخرى: إنّها تحکی عن سعة علم الله تعالى، ومع الأسف فاننا نرى بعض الکتّاب الإسلامیین بدون الإلتفات إلى مضمون هذه الآیات تصوّروا أنّها تتحدّث عن مسألة حفظ السر.

هذا ولکن وردت فی القرآن الکریم تعبیرات اُخرى تدل على موضوعنا بالأدلة الالتزامیة وتتضمّن مدح فضیلة حفظ السر أو اقبح إفشاء السر، ومن ذلک:

1 ـ ما ورد فی الآیة 16 من سورة التوبة: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَکُوا وَلَمَّا یَعْلَمِ اللهُ الَّذِینَ جَاهَدُوا مِنْکُمْ وَلَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً وَاللهُ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

فهذه الآیة تخاطب المسلمین بأنّ یحفظوا أسرارهم عن الأشخاص الذین لا یثقون بهم ولا یطمئنون إلیهم، بل یکشفوا أسرارهم إلى من یطمئنوا إلیهم ویثقوا بهم، ومفهوم هذه الآیة الشریفة هو أنّ حفظ السر یعتبر فضیلة من الفضائل الأخلاقیة بخلاف إفشاء السر الذی یعدّ رذیلة فی المقابل.

2 ـ ونقرأ فی الآیة 118 من سورة آل عمران قوله تعالى: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِکُمْ لاَ یَأْلُونَکُمْ خَبَالا).

(بطانة) لها مفهوم یماثل مفهوم کلمة (ولیجة) فکلیهما معنیان محرم الأسرار وأنّ الله تعالى یخاطب جمیع المؤمنین ویقول مؤکّداً علیهم أن لا یجعلوا غیر المسلمین محرم أسرارهم، فهو فی الواقع إشارة إلى لزوم حفظ الأسرار والذم لمن یعمل على إفشاء السر، غایة الأمر أنّ هذه الآیة والآیة التی قبلها لیست ناظرة للأسرار الخاصة والشخصیة، بل ناظرة إلى أسرار المجتمع الإسلامی التی یمثل إفشاؤها للأعداء ضربة کبیرة للمسلمین.

وقد یتصوّر أنّ الآیة 83 من سورة النساء التی تقول: (وإذا جاءَهُم أَمرُ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ).

أنّ الله تعالى فی هذه الآیة الشریفة یتحدّث عن المنافقین أو بعض الأشخاص الذین یعیشون ضعف الإیمان واهتزاز العقیدة ویذمّهم على أنّه إذا وصل إلیهم خبر انتصار المسلمین أو هزیمتهم فی میدان القتال أذاعوا هذا الخبر ونشروه بین الناس.

ولکن ذیل الآیة یدلّ على أنّها ناظرة إلى إشاعة الشائعات الواهیة أو المشکوکة لأنّها تقول بعد ذلک: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِی الاَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمْ الشَّیْطَانَ إِلاَّ قَلِیلا)(1).

والتعبیر بالأمن أو الخوف الوارد فی هذه الآیة هو إشارة إلى أنّ الأعداء أحیاناً یشیعون أخباراً تتعلق بانتصار المسلمین لکی تضعف فیهم الرغبة فی القتال والجهاد، وأحیاناً یبثّون الشائعات التی تتحدّث عن هزیمة المسلمین لیدّب الیأس فی قلوبهم، القرآن الکریم یحذّر المسلمین هنا عن تصدیق هذه الشائعات لکی لا تؤثر خطط الأعداء ومؤامراتهم فی نفوسهم فلا یصلوا إلى مقاصدهم من تضعیف معنویات المسلمین.

وبالطبع فإنّ القرآن الکریم فی مورد زوجات النبی ولزوم حفظ السر تحدّث بالتفصیل فی سورة التحریم التی تعرّضت إلى بعض أزواج النبی من موقع الذم والتوبیخ الشدید لأنّهن قصّرن فی حفظ أسرار بیت النبی(صلى الله علیه وآله) قالت: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِیثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْض فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَکَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِی الْعَلِیمُ الْخَبِیرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِیلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمَلاَئِکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ)(2).

أمّا ما هو السر الذی أذاعته بعض زوجات النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فهناک بحوث مفصّلة بین المفسّرین یطول إیرادها وذکرها فی هذا المقام ویمکن للقاریء الکریم أن یرجع إلى التفسیر الأمثل ذیل هذه الآیة 3 و 4 من سورة التحریم.

المورد الآخر الذی تحدّث القرآن الکریم فیه عن حفظ السر (وطبعاً بالإشارة لا بالتصریح) هو فی مورد قصّة أبولبابة الذی إستشاره بنو قریضة (وهم قبیلة من الیهود الذین کانوا یکیدون للمسلمین ویتآمرون علیهم بشدّة) وهل أنّهم سیتسلمون لحکم النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)؟ فأشار إلیهم أبو لبابة على رقبته بالذبح، أی أنّکم لو استسلمتم للنبی فإنّه یأمر بقتلکم جمیعاً، ثمّ أنّه ندم على ذلک أشدّ الندم وأدرک أنّه ارتکب خیانة کبیرة للمسملین، فما کان منه إلاّ أن ربط نفسه بأحد اسطوانات المسجد وتاب من فعلته هذه فتاب الله علیه، ونزلت الآیة 72 من سورة التوبة تعلن قبول توبته حیث تقول الآیة: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحاً وَآخَرَ سَیِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ).

وکلمة (آخرون) إشارة إلى أنّ محتوى هذه الآیة لا یتعلّق بشخص خاص أو فرد معیّن، بل یستوعب جمیع الذین ارتکبوا بعض الذنوب وانطلقوا من موقع الندم وجبران هذا النقص وتابوا توبة صالحة وصادقة.

هذا ما یتعلّق بمجموع الإشارات الواردة فی آیات القرآن الکریم بالنسبة إلى مسألة حفظ السّر وإفشائه.

 


1. سورة النساء، الآیة 83.
2. سورة التحریم، الآیة 3 و 4.

 

حفظ السِّر فی الروایات الإسلامیّةطرق العلاج
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma