معطیات حفظ السّر وإفشائه

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
الضروراتأقسام حفظ السِّر

إنّ جمیع الناس فی حیاتهم الخصوصیة لدیهم بعض الأسرار المتعلّقة بنقاط ضعفهم وعیوبهم، وأحیاناً یتعلق بموفقیّاتهم وأعمالهم الإیجابیة، ومن المعلوم أنّ إفشاء ما یتعلّق بنقاط الضعف والعیب یؤدّی إلى سقوط إعتبار وحیثیّة هؤلاء فی نظر الناس، وقد یفضی إلى سلب الثقة منهم وسقوطهم الاجتماعی وإراقة ماء وجههم، ولهذا السبب نراهم یحرصون على التکتم على تلک الأسرار لتتسنّى لهم الفرصة لإصلاح تلک المعایب وجبران نقاط الضعف فی واقعهم.

أَمّا إفشاء ما یتعلّق بنقاط القوّة والصفات الإیجابیة فإنّه من شأنه أن یسعر نار الحسد فی قلب الحسّاد ویعمل على تحریک عناصر الشر فی قلوب البخلاء وأصحاب الشخصیّات الهزیلة والمعقدة، وعلى أیّة حال فإنّه سیکون مصدر الشر والفساد والشقاء على المستوى البعید، ولهذا قد یحرص بعض الناس على التحفّظ من الکشف عن هذه الموفقیّات والإیجابیات فی واقعهم.

ولذا ورد فی الحدیث الشریف عن الإمام الکاظم(علیه السلام) أنّه قال: «إن کانَ فِی یَدِکَ هذِهِ شَیء فإنْ استَطَعتَ أَنْ لا تَعلَم هِذِه فافعَل; قَالَ: وَکَانَ عِندَهُ إنسان فَتَذاکَرُوا الإذاعَةَ، فَقَالَ: اَِحفَظ لِسـانَکَ تُعِزَّ، ولا تُمَکِّن النَّاسَ مِنْ قِیـادِ رَقَبَتِکَ فَتَذِّلَ»(1).

والملفت للنظر أنّ الإمام(علیه السلام) قال فی بدایة هذا الحدیث: «إِنّْ کـانَ فِی یَدِکَ هذِهِ شَیءٌ فَِإنْ إِستَطعتَ ألاّ تُعلَمَ هذِهِ فَافعَل»(2).

ومن هنا یتّضح أنّه إذا علم الإنسان بخبر مکتوم للآخر وانکشف له سر من أسراره فإنّ ذلک یعدّ أمانة لدیه، فلو أذاعه فإنّه قد خان الأمانة وتسبب فی أن یقع الطرف الآخر فی دوامة من المشکلات والأضرار الکبیرة أو یؤدّی إلى أن یتعرّض إلى الخطر فی شخصیته الاجتماعیة ومکانته فی الناس أو یؤدّی إلى تفعیل عناصر الشر لدى الحسّاد والبخلاء وأصحاب النفوس الضیقة، أو یطمع الاراذل والأوباش فی ماله وعرضه.

ولذا ورد فی الأحادیث السابقة أنّ الإمام قال: «سِرُّکَ سُرُورُکَ إِنْ کَتَمتَهُ وإِنْ أَذَعَتَهُ کـانَ ثُبُورَکَ»(3).

وعلیه فلابدّ للإنسان أن یحفظ أسراره مهما أمکن ولایذیعها إلى الآخرین، وبعبارة اُخرى: أن یجعل صدره صندوق أسراره، فلو اضطر فی مورد معیّن أو إتفق له أن اطلع على سرّ من أسرار أخیه المؤمن فإنّه یجب علیه أن یسعى لحفظه ولا یرتکب الخیانة فی حق أخیه المؤمن.

أمّا بالنسبة إلى إفشاء أسرار المذهب أمام المتعصّبین والحاقدین الذین لا یتحمّلون سماع الرأی الآخر ولا یرون أی فکر حقّاً غیر فکرهم القاصر فکذلک، وخاصة بالنسبة إلى فضائل الأئمّة المعصومین(علیهم السلام) التی لا یطیق سماعها الأعداء المعاندین والحاسدین، وهکذا الحال بالنسبة إلى حفظ الأسرار السیاسیة والعسکریة للبلد الإسلامی حیث یؤدّی إذاعتها إلى تعرّض مصالح الاُمّة ومصیر النظام الإسلامی إلى الخطر أو یتسبب فی إراقة الکثیر من الدماء البریئة وتلف الثروات الطائلة أو هتک الشخصیّات المرموقة فی المجتمع الإسلامی، ولذلک فإنّ حفظ هذه الأسرار یعدّ من أهمّ الوظائف الدینیة، وفی المقابل فإنّ إفشاء هذه الأسرار یعدّ من أقبح الرذائل الأخلاقیة ویترتّب علیه عقوبة شدیدة، ولهذا السبب قرأنا فی الأحادیث السابقة أنّ الإمام الصادق(علیه السلام) یقول: «مـا قَتَلَنـا مَنْ أَذاعَ حَدِیثَنـا قَتلَ خَطاء وَلَکِن قَتَلَنـا قَتلَ عَمد»(4).

وقد أورد العلاّمة المجلسی فی بحار الانوار حدیثاً جذّاباً حیث یقول ما خلاصته: «دخل على أمیرالمؤمنین(علیه السلام) رجلان من أصحابه فوطىء أحدهما على حیّة فلدغته ووقع على الآخر فی طریقه من حائط عقرب فلسعته وسقطا جمیعاً فکأنّهما لما بهما یتضرّعان ویبکیان، فقال لهما أمیرالمؤمنین(علیه السلام):

«مـا اُصِیبَ وَاحدٌ مِنکُما إِلاّ بِذَنبِهِ.

أَمّا أَنتَ یـا فُلان ـ وَأقبل على أحدهما ـ أَتَذکُر یَومَ غَمَزَ عَلى سَلمـانِ الفارِسی فُلان وَطَعَنَ عَلَیهِ لِموالاتِهِ لَنا فَلم یَمنَعُک مِنَ الرَّدِّ وَالإِستخفَافِ بِهِ خَوفاً عَلى نَفسِکَ وَلا عَلى أَهلِکَ وَلا عَلَى وُلدِکَ وَمـالِکَ أَکثَرَ مِن أَنْ استَحییتَهُ، فَلِذلِکَ أَصـابَکَ.

فإنْ أَرَدتَ أَنْ یُزِیلَ اللهُ مـا بِکَ فاعتَقِد أَنْ لا تَرى مرزئاً عَلَى وَلَّیٍّ لَنا تَقدَرُ عَلَى نُصرتِهِ بِظَهرِ الغَیبِ إلاّ نَصَرتَهُ، إلاّ أَنْ تَخـافَ عَلَى نَفسِکَ وَأَهلِکَ وَوُلدِکَ وَمـالِکَ.

وَقالَ للآخَر: فَأَنتَ أَتَدرِی لِما أَصـابَکَ مـا أَصابَکَ؟

قال: لا.

قَالَ(علیه السلام): أَما تَذکُر حِیثُ أَقبَلَ قَنبَرَ خـادِمِی وَأَنتَ بِحضرَةِ فُلانَ العاتِی فَقُمتَ إِجلالاً لَهُ لإجلالِکَ لِی؟

فَقالَ لَکَ: أَوَ تَقُومُ لِهذا بِحضرَتِی؟

فَقُلتَ لَهُ: وَمـا بـالِی لا أَقُومُ وَمَلائِکةُ اللهِ تَضَعُ لَهُ أَجنِحَتِها فِی طَریقِهِ، فَعلَیها یَمشِی، فَلَمّا قُلتَ هذا لَهُ، قَامَ إِلى قَنبَرَ وَضَرَبَهُ وَشَتَمَهُ وَآذاهُ وَتَهَدَّدنِی وَأَلزَمَنِی الإغضـاءَ عَلىَ قَذى، فَلِهذا سَقَطتْ عَلَیکَ هذِهِ الحَیَّةُ.

فَإنْ أَردتَ أَنْ یُعافِیکَ اللهُ تَعالى مِنْ هذا فاعتَقِد أَنْ لا تَفعَلَ بِنـا وَلا بِأَحد مِنْ مَوالینا بِحضَرةِ أَعدائِنا مـا یُخـافُ عَلینا وَعَلیهِم مِنهِ»(5).

وکذلک نقرأ ما ورد فی التواریخ الإسلامیة أنّ بعض قادة الإسلام اعدموا الجواسیس بسبب أنّ عملهم یؤدّی إلى سفک الدماء البریئة ولذلک حکموا بقتلهم وإعدامهم.

 

 


1. اصول الکافی، ج2، ص225، ح14.
2. المصدر السابق.
3. غرر الحکم.
4. اصول الکافی، ج2، ص370، ح4.
5. بحار الانوار، ج26، ص237، مع التلخیص.

 

الضروراتأقسام حفظ السِّر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma