الآثار السلبیة والمخرّبة للغضب

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
أسباب ودوافع الغضبالغضب فی الروایات الإسلامیة

إننا قلّما نجد صفة من الصفات الرذیلة تتضمّن عناصر الشر والتخریب مثلما لرذیلة الغضب، ولو أننا کتبنا تفصیلاً عن الآثار السلبیة للغضب لاتّضح لدینا أنّها أکثر من الرذائل الأخلاقیة الاُخرى ومن ذلک:

1 ـ ینبغی الإلتفات قبل کل شیء إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ حالة الغضب تقع ضمن أعداء الإنسان حیث أنّه یفقد عقله تماماً فی ثورة الغضب ویتحوّل إلى کائن غیر منسجم التصرفات والحرکات بحیث یتعجّب منه من حوله من الناس، بل إنّ الإنسان نفسه وبعد هدوء هیجان الغضب یتعجّب من تصرفاته وسلوکیاته الشائنة أثناء هذه الحالة، وفی تلک الحال قد یهجم الشخص على أقرب المقرّبین إلیه من دون أن یتعقّل ماذا یفعل، وقد یتسبب فی تلوث یده بدماء الأبریاء أیضاً، فیقتل ویحطّم ویسرق ویخرّب وکأنّه مجنون تماماً.

ولذلک ورد فی الحدیث الشریف عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) قوله: «الغَضَبُ یُفسِدُ الألبـابَ وَیُبعِدُ مِنَ الصَّوابِ»(1).

ولهذا السبب ورد فی الروایات الإسلامیة أنّه إذا أردتم أن تختبروا عقل الأشخاص وحنکتهم ورأیهم فعلیکم بالنظر إلیهم فی حالة الغضب ومدى سیطرتهم على أنفسهم من شرّ هذه القوّة الهائجة، وقد ورد عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام)أنّه قال: «لا یَعرِفُ الرَّأیُ عِندَ الغَضَبَ»(2).

2 ـ إنّ الغضب یؤدّی إلى إضمحلال إیمان الشخص وتلاشیه، لا نّ الشخص عندما تمتلکه الحدّة فلا یرتکب الذنوب الکبیرة فقط بل یخرج من الإیمان أیضاً لأن هذه الحالة تتقاطع تماماً مع الإیمان الصحیح والعمیق، بل أحیاناً یتجرّأ هذا الشخص على الله تعالى أو یعترض على حکمه وتقدیره للاُمور، وهذه المرحلة من أخطر المراحل التی تمر بالإنسان فی حالة سورة الغضب.

وقد قرأنا الأحادیث السابقة أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) قال: «الغَضَبُ یُفسِدُ الإِیمـانَ کَمـا یُفسِدُ الصَّبرُ العَسَلَ».

3 ـ إنّ الغضب یعمل على تخریب منطق الإنسان وکلامه الموزون، ویقوده إلى التلفظ بالباطل والکلمات اللاّمسؤولة، وعندما یستند الغاضب مسند القضاء فإنّ حکمه سیکون غیر سلیم قطعاً، ولذلک نقرأ فی الحدیث الشریف عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) أنّه قال: «شِدَّةُ الغَضَبِ تَغَیِّرُ المَنطِقَ وَتَقطَعُ مـادَةَ الحُجَّةِ، وَتَفَرِّقُ الفَهمَ»(3).

وقد ورد التصریح فی آداب القضاء فی الکتب الفقهیة هذا المعنى أیضاً وأنّ القاضی لا ینبغی أن یجلس على کرسی القضاء فی حالة الغضب.

وقد ورد فی الحدیث الشریف عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) قوله: «مَنْ ابتَلى بِالقَضـاءِ فلا یَقضِی وَهُوَ غَضبـان».

4 ـ والآخر من الآثار السلبیة لحالة الغضب هو إشهارها لعیوب الإنسان الخفیّة، لأنّ هذا الشخص فی حالاته العادیة یتحرّک من موقع السیطرة على قواة النفسیة، فلا تتجلّى عیوبه ونقاط ضعفه للآخرین، بل تبقى مستورة ویحفظ بذلک سمعته وماء وجهه فی أنظار الناس، ولکن عندما تستعر فی نفسه نار الغضب، فإنّها تزیل السواتر والأقنعة عن واقع الإنسان وتکسر قیود العقل وتظهر عیوب صاحبها الخفیّة وتؤدّی إلى سقوط شخصیته ومکانته بین الناس.

ولذلک ورد فی درر الحکم عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) قوله: «بئسَ القَرِینُ الغَضَبُ یُبدِی المَعـایبَ وَیُدنِی الشَّرَّ وَیُباعِدُ الخَیرَ»(4).

5 ـ إنّ الغضب بإمکانه أن یفتح طریق الشیطان للإنسان ویوقعه فی شراکه ومصائده، لأنّ الإیمان والعقل یعتبران مانعین مهمّین یصدّان هجمات الشیطان، ولکنّهما فی حالات الغضب سینکمشان ویدرکهما الضعف وعدم الحیلة وبذلک ترتفع الموانع أمام الشیطان لینفذ بسهولة ویصل إلى قلب الإنسان ویحکم سیطرته على قواه، ویفعّل عناصر الشر فی نفسه وباطنه.

ونقرأ فی الحدیث المعروف: «أنّ نوح(علیه السلام) لمّا دعى ربّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلى قَومِهِ أَتـاهُ إِبلِیسُ لَعنَهُ اللهُ فَقالَ: یـا نُوحُ إِنَّ لَکَ عِندِی یَداً اُرِیدُ أَن اُکافِیکَ عَلَیه، فَقالَ لَهُ نُوحٌ(علیه السلام): إِنَّهُ لَیبغَض إِلیَّ أَن یَکُونَ لَکَ عِندِی ید فَمـا هِی؟ قـالَ: بلى دَعوتَ اللهَ عَلى قَومِکَ فَأَغرَقتَهُم فَلم یَبقَ أَحدٌ أَغویهِ فأَنا مُستَریحٌ حتّى یَنسقَ قرنٌ آخر وَاُغویهِم، فَقال نُوحٌ(علیه السلام): مـا الّذِی تُریدُ أَن تُکافِینِی بهِ؟ قـالَ: اُذکُرنِی فِی ثَلاثِ مَواطِن فَإنّی أَقرَبُ مـا أَکُونُ إِلى العَبدِ إذا کان فی أحدهن: اُذکُرنِی إِذا غَضِبتَ، اُذکُرنِی إِذا حَکَمتَ بَینَ اثنَینِ، اُذکُرنِی إِذا کُنتَ مَعَ امرأَة خالیاً لَیسَ مَعَکُما أَحَداً»(5).

ونقرأ فی حدیث آخر: «عَن ذی القَرنَین أَنّه لَقى مَلَکاً مِنَ المَلائِکَةِ فَقالَ عَلِمنِی عِلماً أَزدادُ بِهِ إِیمـاناً وَیَقِیناً، قالَ: لا تَغضَبْ فإنَّ الشَّیطانَ أَقدَرُ مـا یَکُونُ عَلى ابنِ آدمَ حِینَ الغَضَبِ»(6).

ولا شک أنّ الغضب مضافاً إلى هذه الآثار السیئة على المستوى المادی والاجتماعی والأخلاقی فإنّه تترتب علیه آثار معنویة سیئة کثیرة أیضاً بحیث یستفاد من الروایات المختلفة أنّ الشخص الذی یسیطر على غضبه ویکظم غیظه له ثواب الشهداء(7) ویحشر یوم القیامة مع الأنبیاء(8) ویملاء قلبه من نور الإیمان(9).

 


1. غرر الحکم.
2. بحار الانوار، ج75، ص113.
3. بحار الانوار، ج68، ص428.
4. جامع أحادیث الشیعة، کتاب الجهاد، ج13، ص428.
5. بحار الانوار، ج11، ص318.
6. المحجة البیضاء، ج5، ص293.
7. جامع أحادیث الشیعة، ج13، ص479.
8. المصدر السابق.
9. المصدر السابق، ص478.

 

 

أسباب ودوافع الغضبالغضب فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma