تفسیر واستنتاج

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
المعاشرة والعزلة فی الروایات الإسلامیةتنویه

إنّ کل واحدة من الآیات الشریفة المذکورة آنفاً تشیر إلى جهة خاصة من مسألة أهمیّة المعاشرة والاجتماع وأهمیّة الوحدة والإتّحاد بین أفراد المجتمع، ففی «الآیة الاُولى» نقرأ دعوة إلى الاعتصام بحبل الله والتمسک به وعدم سلوک طریق الفرقة والاختلاف وتقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِیعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْکُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)

أمّا ما هو المراد من حبل الله الوارد فی الآیة الشریفة؟ فإنّ المفسّرین اختلفوا فی ذلک، وقد ورد فی بعض الروایات الشریفة أنّ المراد منه هو القرآن الکریم الذی ینبغی أن یتّخذه المسلمون محوراً لوحدتهم وتماسکهم، وفی بعض الروایات الاُخرى ذکرت أنّ المراد من حبل الله هو أهل البیت(علیهم السلام)، ومعلوم أنّ کل هذه المعانی تشترک فی حقیقة واحدة، وهی أنّ حبل الله تعالى هو ما یربط الإنسان بالله تعالى سواءاً عن طریق القرآن الکریم أو النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وأهل بیته المعصومین(علیهم السلام).

وکما نرى أنّ هذه الآیة الشریفة تؤکّد على مسألة المودّة ووشائج المحبّة بین المسلمین وترک العداوة والفرقة، ومن المعلوم أنّ ذلک لا یتوافق مع عزلة الإنسان وإنزوائه عن المجتمع ولا مفهوم حینئذ للإعتصام بحبل الله تعالى، واللطیف أنّ القرآن الکریم فی الآیة أعلاه یقرّر أنّ العداوة هی من سنن الجاهلیة وأنّ المحبّة والصداقة هی من خصائص الإسلام ویقول فی ذیل الآیة الشریفة مؤکّداً على هذا المعنى: (وَکُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَکُمْ مِنْهَا).

والجدیر بالذکر أنّ الإسلام لا یرى العلاقة بین المسلمین هی علاقة الصداقة فحسب، بل علاقة الاُخوة التی تعمّق فی الناس الرابطة العاطفیة بین الأخوان القائمة على أساس المساواة والمحبّة المتبادلة.

وبدیهی أنّ هذه المحبّة الأخویة لا یمکن أن تتجلّى وتتفاعل فی حال ابتعاد الاُخوة عن بعضهم البعض، فلابدّ لتفعیل هذه العاطفة الإنسانیة من الحیاة المشترکة والمعاشرة فیما بین الاخوة.

 

والملاحظة المهمّة الاُخرى هی أنّ الاُمور المادیة والدنیویة لا یمکن أن تکون محور وحدة المجتمع وأداة قویّة لتعمیق الروابط الاجتماعیة بین الأفراد، لأنّ الاُمور المادیة عادة تکون سبباً للتنازع والاختلاف والفرقة، فحاجات الناس الدنیویة والمادیة غیر محدودة، وأمّا الاُمور المادیة فی الطبیعة فمحدودة، ومن هنا ینشأ التضاد والاختلاف، ولکن حبل الله تعالى والارتباط مع الله تعالى هو أمر معنوی وروحانی ویمکنه أن یحقّق أفضل رابطة عاطفیة بین أفراد البشر من کل قوم ولون وقبیلة ولغة.

وتأتی «الآیة الثانیة» لتتحدّث لنا عن المصیر المؤلم للأشخاص الذین یعیشون بعیداً عن جماعة المسلمین ویسلکون سبیلاً مستقلاً ومنفصلاً عن المجتمع الإسلامی وتقول: (وَمَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدَى وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیراً).

هذه الآیة تدلّ بوضوح على أنّ الله تعالى یأمر المسلمین فی المجتمع الإسلامی بضرورة الالتزام الاجتماعی وعدم الانفصال والفرقة وأن یسیر المؤمنون سویّة فی خط الإیمان والانفتاح على الله تعالى، ومع الأخذ بنظر الاعتبار جملة «وَمَنْ یُشَاقِقْ الرَّسُولَ» وکذلک عبارة «سَبِیلِ المُؤمِنینَ» یتّضح جیداً أنّ المراد هو التنسیق بین أفراد المجتمع الإنسانی من خلال إتّباع النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)والسیر إثر خطواته الحکیمة فی خط الإیمان والطاعة لله تعالى حیث تکون التقوى والإیمان محوراً للسلوک الاجتماعی، وإلاّ فلا معنى لأنّ تعنی الآیة مفهوم المعاشرة الاجتماعیة بدون هذا المحور المعنوی.

ولا شکّ أنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) مع الجماعة دائماً، فکان یصلّی معهم خمسة مرّات فی الیوم ویصلّی صلاة الجمعة فی اجتماع أعظم، وکذلک فی اجتماع المسلمین العام لمراسم الحج، فکل هذه البرامج العبادیة تنضوی تحت مدلول الآیة الشریفة، ومعلوم أنّ الأشخاص الذین یعیشون الإنزواء والعزلة وینفصلون عن جماعة المؤمنین سیکونون مشمولین للتهدید والوعید وبالعذاب الألیم المذکور فی الآیة الشریفة.

 

بعض علماء أهل السنة إستدلّوا بهذه الآیة الشریفة على حجّیة الاجماع، ونحن لا نرى مانعاً من الاستدلال بهذه الآیة على حجّیة إجماع المسلمین، ولکنّ هذا الإجماع یجب أن یتضمّن حضور الإمام المعصوم أیضاً، وفی الاصطلاح الاُصولی یعبّر عنه بالإجماع الدخولی أو الإجماع الکشفی الذی یکون هوالحجّة فی عملیة الاستدلال.

«الآیة الثالثة» تستعرض أحد المواهب الإلهیة الکبیرة على النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)وأنّ الله تعالى هو الذی جمع المؤمنین حول النبی وألف بین قلوبهم بحیث لا یتسنى ذلک أبداً من خلال الوسائل الطبیعیة والأدوات العادیة فتقول الآیة:(هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ * وَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِی الاَْرْضِ جَمِیعاً مَا أَلَّفْتَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَکِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ).

لو أنّ الإسلام یرى فی العزلة والإنزواء عن المجتمع قیمة أخلاقیة، فإنّه لم یکن یعدّ التألیف بین قلوب المسلمین بعنوان معجزة کبیرة للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله).

وهذا التعبیر فی الآیة الشریفة لا یدلّ على مطلوبیة المعاشرة والاجتماع بین الأفراد فحسب، بل أن تکون الرابطة شدیدة وإلى درجة کبیرة من الوثاقة فی العلاقات الاجتماعیة.

وبدیهی أنّه لا یصحّ أن تقرر الآیة هذا المفهوم فی زمان النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فقط، بل إنّ هذا المفهوم الإسلامی یستوعب جمیع الأزمنة والأمکنة وعلى کلّ طائفة مؤمنة أن تجتمع حول محور واحد وترتبط فیما بینها برابطة وثیقة من الألفة والمحبّة کما کان حال المؤمنین فی عصر النبوّة والبعثة.

والملفت للنظر أنّ الله تعالى نسب تألیف القلوب إلیه مباشرة کما ورد هذا المضمون فی الآیة 103 من سورة آل عمران، رغم أننا نعلم أنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)هو الذی قام بهذا العمل الإنسانی والاجتماعی، وذلک لتشیر الآیة إلى أنّ هذا العمل إنّما هو معجزة إلهیة جعلها الله تعالى فی ید النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وأظهرها على یده، وإلاّ فمن المحال أن تزول وتتلاشى کل تلک الأحقاد والعداوات القدیمة والجدیدة بین العرب المتعصّبین والجاهلین مهما بلغت

قدرة المخلوق ومهما اُوتی من أموال وثروات طائلة کما تقول الآیة بأنّک لو أنفقت ما فی الأرض جمیعاً ما ألفت بین قلوبهم، ولکن تسنى للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) ذلک من خلال تعلیمات الإسلام وأخلاقه الإلهیة والإمدادات الربانیة واستطاع بذلک من تحقیق أعظم معجزة فی عالم العلاقات الاجتماعیة، وحقّق الألفة وهی فی اللغة بمعنى الاجتماع المقارن للإنسجام والأنس والإلتیام وربط تلک القلوب المتنافرة والمتباغضة مع بعضها وجعلها کالبنیان المرصوص.

وتأتی «الآیة الرابعة» لتتحدّث عن وحدة صفوف المسلمین والتی لا تتسنى ولا تتحقّق اطلاقاً مع العزلة والإنزواء: (إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفّاً کَأَنَّهُمْ بُنیَانٌ مَرْصُوصٌ).

(بنیان) بمعنى کل بناء یبنیه الإنسان لسکنه أو لمآرب اُخرى، کأقامة السدود مثلاً، أمّا (مرصوص) فهو من مادة (رصاص) ونظراً إلى أنّ البشر فی ذلک الزمان کان یستخدم الرصاص فی عملیة البناء لیزید فی قوّته وإستحکامه ولیملأ الفراغات والثقوب والثغرات الموجودة بین أحجار البناء، فلذلک أطلق على کل بناء محکم أنّه (مرصوص) إشارة إلى قوّته وإستحکامه.

وصحیح أنّ الآیة الشریفة ناظرة إلى الجهاد فی سبیل الله تعالى والتحرّک العسکری فی میادین القتال مع الأعداء، ولکن من الواضح أنّ هذا المعنى یجری فی سائر التفاعلات الاجتماعیة على مستوى السیاسة والثقافة والاقتصاد وأمثال ذلک، ففی هذه الموارد یلزم أن یکون الناس فی المجتمع الواحد منسجمین ومتّحدین إلى درجة أنّهم کالبنیان المرصوص، وهذا المعنى یتقاطع حتماً مع العزلة والإنزواء فلا یتسنى للمجتمع الدفاع القوی أمام الأعداء ولا النهضة الحضاریة ولا حلّ المشکلات الاقتصادیة والسیاسیة والثقافیة من دون الاُلفة والمعاشرة والاجتماع بین الأفراد.

 

وتأتی «الآیة الخامسة» والأخیرة من الآیات محل البحث لتشیر إلى مسألة الرهبانیة وترک الدنیا والعزلة عن الناس للعبادة والتبتّل إلى الله تعالى کما کان شأن جماعة من النصارى، فتأتی هذه الآیة لتقول إنّ هذا السلوک العبادی فی الظاهر إنّما هو بدعة من قبل هؤلاء الرهبان ولم یؤمر به فی الشریعة الإلهیة وتقول: (وَرُهْبَانِیَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا کَتَبْنَاهَا عَلَیْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَایَتِهَا فَآتَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ).

ونعلم أنّ جماعة من المسیحیین فی هذا العصر والزمان سلکوا طریق الانقطاع عن الناس والرهبنة والعیش فی الأدیرة وعدم الزواج، کل ذلک لغرض العبادة فی هذه الأماکن التی بنیت لهذا الغرض.

وهذا الموضوع لا یختص بهذا الزمان بل هو من البدع التی ظهرت فی القرن الثالث المیلادی فی حکومة (دیس یونس) الأمبراطور الرومی الذی شدد النکیر على النصارى واتباع السید المسیح وأخذ بتعذیبهم والتنکیل بهم، فلم یجد هؤلاء بدّاً للخلاص من شرّ هذا الطاغیة من اللجوء إلى الأدیرة والهرب باتّجاه الجبال والمغارات والکهوف وبذلک زرعوا بذرة الرهبانیة فی الدیانة المسیحیة.

وعلى هذا الأساس فإنّ مثل هذه الرهبانیة تتعارض تماماً مع روح تعلیمات الأنبیاء الإلهیین ولم تکن موجودة فی العصور الاُولى للمسیحیة، بل کانت بدعة ظهرت على ید الأشخاص الجهلاء والمنحرفین واستمرت إلى یومنا هذا، حیث نجد أنّ جماعة من المسیحیین یترکون حیاتهم الاجتماعیة وتأسیس الاُسرة والزواج وسائر النشاطات الاجتماعیة ویلجئون إلى الأدیرة لممارسة الطقوس العبادیة ویقوم الأشخاص من أهل الخیر بالانفاق علیهم لتأمین نفقاتهم.

أمّا ما یجری فی هذه الأدیرة من الانحرافات والممارسات اللاّخلاقیة والبعیدة عن اُصول الفطرة الإنسانیة فلها حدیث مفصّل ومؤلم حتى أنّ بعض الکتّاب المسیحیین أشار إلى بعض هذه الأدیرة وأطلق علیها اسم دار الفحشاء، وأساساً فإنّ مثل هذه الحیاة غیر

الطبیعیة للإنسان تؤثر سلبیاً على روحه وفکره وتسبب له الکثیر من الاهتزاز والارتباک فی قواه النفسیة والعقلیة.

وجاء الإسلام وأبطل کل هذه الممارسات العبادیّة فی الظاهر ودعا الناس إلى ممارسة الحیاة الاجتماعیة المتزامنة مع التقوى والإیمان.

والجدیر بالذکر أنّ الرهبانیة فی الأصل اللغوی من مادة (رهبة) على وزن ضربة، بمعنى الخوف والخشیة، والمراد منها هنا الخوف من الله تعالى، وکما یقول الراغب فی مفرداته أنّها الخوف المقترن بالخشیة والاضطراب والقلق، ثمّ استعملت هذه المفردة فی خصوص سلوک جماعة من المسیحیین أو من غیرهم الذین رجّحوا الانزواء والعزلة عن الناس طلباً للعبادة والتبتّل إلى الله تعالى، ومن جملة البدع السیئة للمسیحیین فی دائرة الرهبانیة هو تحریم الزواج بین النساء والرجال الذین یسلکون فی خط الرهبنة وکذلک ترک جمیع المسؤولیات الاجتماعیة وأشکال العلاقات بین أفراد المجتمع واختیار الصوامع والأدیرة البعیدة لهذا الغرض.

ویستفاد من الآیة أعلاه أنّ الرهبانیة على قسمین: إیجابیة وسلبیة، ومن المعلوم أنّ الرهبانیة السلبیة هو ما ذکرنا آنفاً، وأمّا الرهبانیة الإیجابیة فتتضمّن معنى الزهد وعدم التکالب على الدنیا وترک التجمّلات المادیة فی حرکة الحیاة الفردیة والاجتماعیة لکی لا یقع الإنسان فی أسر هذه الزخارف الدنیویة من المال والمقام ولکن ذلک یجتمع مع الحیاة الاجتماعیة للفرد وإقامة علاقات بنّاءة فی مسیر المجالات المعنویة والمادیة، وبعبارة اُخرى: إنّ الآیة الشریفة تقرّر وجود رهبانیة فی الدیانة المسیحیة مشروعة من الله تعالى وتتضمّن ما کان علیه السید المسیح(علیه السلام) من الزهد والترک للدنیا، ولکن المسیحیین فی القرون التالیة ابتدعوا نوعاً آخر من الرهبانیة لم تکن فی الدیانة المسیحیة أصلاً، وهی عبارة عن الإنزواء والعزلة عن المجتمع والحیاة الاجتماعیة وترک الزواج والانقطاع إلى العبادة فی الکهوف والأدیرة.

ویمکن أن یقال أنّ السید المسیح لم یتزوج طیلة حیاته أیضاً، ولکن لا ینبغی أن ننسى

أنّ عمر السید المسیح کان قصیراً فلم یبلغ من العمر سوى ثلاثین سنة تقریباً، وکان فی هذه المدّة مشغولاً بتبلیغ الرسالة الإلهیة والترحال من منطقة إلى منطقة اُخرى لهذا الغرض فلم یسعه المجال للزواج.

وعلى أیّة حال فإنّ الإسلام یرى الرهبانیة بدعة ویذم النصارى على هذا السلوک السلبی، وقد ورد فی الحدیث النبوی الشریف: «لا رهبانیة فی الإسلام» فی مصادر موثوقة کثیرة.

أمّا الحدیث عن أبعاد الرهبانیة وتاریخها ونتائجها فیطول بنا ویمکن لمن أراد التفصیل فی هذا البحث مراجعة التفسیر الأمثل ذیل الآیة الشریفة، وسوف نشیر أیضاً فی البحوث القادمة إلى هذا الموضوع أیضاً.

 

المعاشرة والعزلة فی الروایات الإسلامیةتنویه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma