المعاشرة والعزلة فی الروایات الإسلامیة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
الأحادیث المتعارضةتفسیر واستنتاج

إذا نظرنا نظرة إجمالیة إلى التعلیمات الإسلامیة والمفاهیم الدینیة فی هذا الباب ومن زوایا مختلفة نجد أنّ الإسلام یؤیّد تماماً المعاشرة والإجتماع مع الناس وحتى أنّ العبادات الإسلامیة التی یهدف منها توثیق الرابطة بین الإنسان وربّه قد جعلها الإسلام بشکل جماعی، فالاذان والإقامة تدعو الناس إلى الصلاة والفلاح فی عبارة «حَیَّ عَلَى الصَّلاةِ حَیَّ عَلَى الفَلاحِ» والضمائر فی سورة الحمد تقرأ بشکل ضمیر الجمع والحدیث مع الغیر، وعند الانتهاء من الصلاة نقرأ سلاماً عاماً لجمیع المؤمنین والمصلّین.

صلاة الجماعة وکذلک صلاة الجمعة وأعظم منهما مناسک الحج هی حقیقة عبادات ذات أبعاد اجتماعیة تماماً.

ونقرأ فی الروایات الإسلامیة تأکیدات کثیرة على لزوم الجماعة والاجتماع وعدم الفرقة عن المؤمنین، ومن ذلک:

1 ـ ما ورد فی الحدیث الشریف عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): «أَیُّهـا النَّاسُ عَلَیکُم بِالجَمـاعَةِ وَإِیَّاکُم وَالفُرقَةَ»(1).

2 ـ وفی حدیث آخر عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أیضاً قال: «الجَمـاعَةُ رَحمَةٌ، والفُرقَةُ عَذابٌ»(2).

3 ـ وقال رسول الله فی حدیث آخر: «یَدُ اللهِ عَلَى الجَمـاعَةِ فَإذا إِشتَدِّ (شَذَّ) الشَّاذَّ مِنهُم إِختَطَفَهُ الشَّیطـانُ کَمـا یَختَطِفُ الذِّئبُ الشَّاةَ الشَّاذَّةَ مِنَ النِّعَمِ»(3)

4 ـ ونفس هذا المضمون ورد بتعبیر آخر عن الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فی نهج البلاغة حیث قال: «واَلزَمُوا السَّوادَ الأَعظَمَ فَإنَّ یَدَ اللهِ مَعَ الجَمـاعَةِ، وَإِیَّاکُم وَالفُرقَةَ فَإِنَّ الشَّاذَّ مَنَ النَّاسِ للشَّیطَانِ، کَمـا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الغَنَمُ للذِّئبِ، ألا مَن دعـا إِلى هذا الشّعارِ فاقتُلُوه وَلَو کـانَ تَحتَ عِمـامَتِی هذِهِ»(4).

5 ـ وقد ورد هذا المضمون أیضاً فی روایة اُخرى عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) یعبّر عند مدى أهمیة هذا المعنى حیث قال: «إِنَّ الشَّیطَانَ ذِئبُ الإِنسـانِ کَذِئبِ الغَنَمِ یَأَخُذُ القـاصِیَةَ وَالنَّاحِیَةَ وَالشَّارِدَةَ، وَإِیَّاکُم وَالشِّعـابِ، وَعَلَیکُم بِالعـامَّةِ وَالجَمـاعَةِ وَالمَسـاجِدِ»(5).

6 ـ وجاء فی حدیث آخر عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أیضاً: «لا یَحِلُّ لِمُسلِم أَنْ یَهجُرَ أَخـاهُ فَوقَ ثَلاثَةَ (أَیَّام)، وَالسَّابِقُ بِالصُّلحِ یَدخُلُ الجَنَّةَ»(6).

7 ـ وهذا المضمون ورد أیضاً بتعبیر آخر عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) حیث قال: «لا یَحِلُّ لِمُسلِم أَنْ یَهجُرَ أَخـاهُ فَوقَ ثَلاثَةَ أَیَّام إِلاّ أَنْ یَکُونَ مِمَّنْ لا یُؤمِنُ بَوائِقَهُ»(7).

وقد ورد فی بعض الأحادیث الشریفة أنّه: «أَیُّما مُسلِمَینِ تَهـاجَرا ثَلاثاً لا یَصطَلِحانِ إلاّ ماتا خـارِجَینِ عَنِ الإِسلامِ...»(8).

صحیح أنّ هذه الأحادیث الشریفة وردت فی مجال المخاصمة والعداوة بین المسلمین، ولکنّها علی أیّة حال تدلّ على أنّ الإسلام یؤیّد دائماً الحیاة الاجتماعیة وتعمیق الاُلفة والمحبّة بین قلوب المسلمین، ومن الواضح أنّ حالة العزلة والانزواء لا تنسجم مع روح هذه التعالیم الدینیة.

8 ـ وورد فی حدیث آخر عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أیضاً أنّه قال عندما أراد أحد الأشخاص التوجّه إلى الجبل والاعتزال لغرض العبادة: «لَصَبرُ أَحَدِکُم سـاعَةً عَلى مـا یَکرَهُ فِی بَعضِ مَواطِنَ الإِسلامِ خَیرٌ مِنْ عِبـادَتِهِ خـالِیاً أَربَعِینَ سَنَةً»(9).

9 ـ ویستفاد من الروایات المتعددة أنّ الإسلام نهى عن الرهبانیة التی تتضمّن الانزواء والعزلة ومن ذلک ما ورد فی الحدیث الشریف عن رسول الله أنّه قال: «لَیسَ فِی اُمَّتِی رَهبـانِیَّةَ وَلا سِیـا حَةَ»(10).

والمراد من الرهبانیة فی هذا الحدیث الشریف هو اختیار مکان منعزل للعبادة، وأمّا السیاحة فهی الانزواء السیّار، لأنّ بعض الأشخاص کانوا فی قدیم الأزمان یترکون بیوتهم ومحل معیشتهم ویسیحون فی أرض الله الواسعة ویترکون الدنیا ویعتبرون ذلک نوعاً من العبادة، وعلى هذا الأساس فإنّ الإسلام لا یؤید العزلة الثابتة ولا العزلة السیّارة.

10 ـ وقد ورد فی الحدیث العمیق المعنى عن أنس قال: توفی ابن لعثمان بن مظعون(رضی الله عنه)فاشتدّ حزنه علیه حتّى اتّخذ من داره مسجداً یتعبد فیه، فبلغ ذلک رسول الله(صلى الله علیه وآله) فقال له: «یـا عُثمـانُ إِنَّ اللهَ تَبَارَکَ وَتَعـالى لَم یَکتُبْ عَلَینـا الرِّهبـانِیَّةَ، إِنَّمـا رَهبـانِیَّةُ اُمَتِّی الجِهـادُ فِی سَبیلِ اللهِ».

ثم إنّه(صلى الله علیه وآله) أخذ یواسیه على فقد ابنه وقال: «یـا عُثمان بن مظعون للجنّةِ ثَمانیةِ أبواب، وللنّارِ سبعة أبواب أَفما یَسُّرکَ أَن تَأَتِی بـاباً مِنها إلاّ وَجدتَ ابنَک إِلى جَنبِکَ آخذاً بِحجزَتِکَ یَشفَعُ لَکَ إِلى رَبِّکَ؟ قَال: بلى»(11).

11 ـ ومثل هذا المعنى ورد أیضاً فی نهج البلاغة بالنسبة إلى أحد أصحاب الإمام علی(علیه السلام) عندما دخل الإمام البصرة وذهب لزیارة (علاء بن زیاد الحارثی) فعندما رأى بیته الواسع والمجلل تعجب کثیراً وقال: «مـا کُنتَ تَصنَعُ بِسعَةِ هذِه الدَّار فِی الدُّنیا، أمـا أَنتَ إِلیهـا فِی الآخِرَةِ أَحوجُ وَبلى إِن شِئتَ بَلَغتَ بِها الآخرةَ تُقرِی فِیها الضَّیفَ وَتَصِلُ فِیها الرَّحمَ وَتَطََلِعُ مِنها الحقوق مطالعهـا فإذاً أَنتَ بَلغَتَ بِها الآخرةَ، فَقالَ لَهُ العلاءُ یـا أَمِیرَ المُؤمِنِینَ أشکُوا إِلَیکَ أَخِی عـاصِمَ بنَ زیاد، قَالَ: وَمـا لَهُ؟ قال: لَبِسَ العبـاءةَ وَتَخَلِّی الدُّنیا، فَلما جاءَ قَالَ: «یـا عَدِیَّ نَفسِهِ لَقَد إِستَهـامَ بِکَ الخَبِثَُ، أَمـا رَحِمتَ أَهلَکَ وَوَلَدَکَ، أَتَرى أَنَّ اللهَ أَحَلَّ لَکَ الطَّیبـاتِ وَهُوَ یَکرَهُ أَنْ تَأَخُذَهـا؟ أَنْتَ أَهونُ عَلى اللهِ مِنْ ذَلِکَ، قَالَ: یـا أَمِیرَالمُؤمِنِینَ هذا أَنتَ فِی خُشُونَةِ مَلبَسِکَ وَجَشُوبَةِ مأکَلِکَ.

قَالَ: وَیحَکَ إِنِی لَستُ کأَنتَ، إنَّ اللهَ فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ العَدلِ أَن یَقدِروا أَنفُسَهُم بِضَعَفَةِ النّاسِ کَیلا یَتَبَیَّغَ بَالفَقیرِ فَقرُهُ»(12).

12 ـ ونقرأ فی روایة اُخرى عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی حدیثه لعبدالله بن مسعود فی مسألة ذم الرهبانیة والعزلة عن المجتمع وأنّه کان فی بنی اسرائیل نوع من الرهبانیة فی ظروف خاصة واستثنائیة لم تکن من صمیم الدیانة المسیحیة، قال ابن مسعود: کنت ردیف رسول الله(صلى الله علیه وآله) على حمار.

فقال: یابن اُم عبد هل تدری من أین احدثت بنو اسرائیل الرهبانیة.

فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال(صلى الله علیه وآله): «ظَهَرَتْ عَلَیهِم الجَبـابِرَةٌ بَعدَ عِیسى یَعمَلُونَ بِمَعـاصِی اللهِ فَغَضِبَ أَهلَ الإِیمـانِ فَقـاتَلُوهُم فَهُزِمَ أَهلِ الإِیمـانِ ثَلاثَ مَرّاتِ فَلَم یَبقَ مِنهُم إلاّ القَلِیلَ فَقَالُوا إِنْ ظَهرنا لِهَؤلاءِ أَفنونا وَلَم یَبقَ لِلدِّینِ أَحَدٌ یَدعُو إِلَیهِ، فَتعـالُوا نَتَفَرَّقُ فِی الأَرضِ إِلى أَِنْ یَبعَثَ اللهُ النَّبِیَّ الَّذِی وَعَدنا بِهِ عِیسى(علیه السلام) یَعنُونَ مُحَمَّداً(صلى الله علیه وآله) فَتَفَرَّقُوا فِی غِیرانِ الجِبـالِ وَأَحدَثُوا رَهبـانِیَّةَ»(13).

وعلى أیة حال لم تکن الرهبانیة من صمیم الدیانة المسیحیة، بل کانت سلوکاً خاصاً ظهر فی ظروف خاصة على بعض أنصار السید المسیح(علیه السلام) حفاظاً على أنفسهم.

.

 


1. کنز العمال، ج1، ص206، ح1028.
2. میران الحکمة، ج1، ص406، ح2438.
3. کنز العمال، ج1، ص206، ح1032.
4. نهج البلاغة، الخطبة 127.
5. المحجة البیضاء، ج4، ص8.
6. المصدر السابق، ص7.
7. المصدر السابق.
8. سفینة البحار، مادة هجر.
9. میزان الحکمة، ج3، ص1966، 12914.
10. بحار الانوار، ج67، ص115.
11. بحار الانوار، ج67، ص114.
12. نهج البلاغة، الخطبة 209.
13. مجمع البیان، ج5، ص243، ذیل الآیة 27 من سورة الحدید.

 

 
الأحادیث المتعارضةتفسیر واستنتاج
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma