یعلم ما تخفی الصدور:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة التغابن / الآیة 7 ـ 10 سورة التغابن / الآیة 1 ـ 6

تبدأ هذه السورة بتسبیح الله، الله المالک المهیمن على العالمین القادر على کلّ شیء (یسبّح لله ما فی السّماوات وما فی الأرض) ویضیف (له الملک) والحاکمیة على عالم الوجود کافّة، ولهذا السبب: (وله الحمد وهو على کلّ شیء قدیر).

ولا حاجة للحدیث عن تسبیح المخلوقات جمیعاً لله الواحد الأحد بعد أن تطرّقنا إلى ذلک فی مواضع عدیدة، وهذا التسبیح ملازم لقدرته على کلّ شیء وتملّکه لکلّ الأشیاء، ذلک لأنّ کلّ أسرار جماله وجلاله مطویة فی هذین الأمرین.

ثمّ یشیر تعالى إلى أمر الخلقة الملازم لقدرته، إذ یقول تعالى: (هو الذین خلقکم)وأعطاکم نعمة الحریة والاختیار (فمنکم کافر ومنکم مؤمن).(1)

وبناءً على هذا فإنّ الامتحان الإلهی یجد له فی هذا الجو مبرّراً کافیاً ومعنى عمیقاً (والله بما تعملون بصیر).

ثمّ یوضّح مسألة الخلقة أکثر بالإشارة إلى الهدف منها، إذ یقول فی الآیة اللاحقة: (خلق السّماوات والأرض بالحقّ).

فإنّ هذا الخلق الحقّ الدقیق ینطوی على غایات عظیمة وحکمة بالغة، حیث یقول تعالى فی الآیة 27 من سورة ص: (وما خلقنا السماء والأرض وما بینهما باطلا ذلک ظنّ الذین کفرو).

ثمّ یتحدّث القرآن الکریم عن خلق الإنسان، ویدعونا بعد آیات الآفاق إلى السیر فی آفاق الأنفس، یقول تعالى: (وصوّرکم فأحسن صورکم)، لقد صوّر الإنسان بأحسن الصور وأجملها، وجعل له من المواهب الباطنیة الفکریة والعقلیة ما جعل العالم کلّه ینطوی فیه، وأخیراً تنتهی الاُمور إلیه تعالى (وإلیه المصیر).

نعم، إنّ هذا الإنسان الذی هو جزء من عالم الوجود، ینسجم من ناحیة الخلقة والفطرة مع سیر هذا العالم أجمع وغایة الوجود، حیث یبدأ من أدنى المراتب ویرتقی إلى اللامحدود حیث القرب من الحقّ تبارک وتعالى.

جملة: (فأحسن صورکم) یراد بها الإشارة إلى المظهر الخارجی والمحتوى الداخلی على حدّ سواء، وأنّ التأمّل فی خلق الإنسان وصورته، یظهر مدى القدرة التی خلق بها الباریء هذا المخلوق الرائع، الذی امتاز على کلّ ما سواه من المخلوقات.

ولأنّ الإنسان خلق لهدف سام عظیم، فعلیه أن یکون دائماً تحت إرادة الباریء وضمن طاعته، فإنّه (یعلم ما فی السّماوات والأرض ویعلم ما تسرّون وما تعلنون والله علیم بذات الصدور).

تجسّد هذه الآیة علم الله اللامتناهی فی ثلاثة مستویات: علمه بکلّ المخلوقات، وما فی السّماوات والأرض.

ثمّ علمه بأعمال الإنسان کافّة، سواء أضمرها أو أظهرها.

والثالث علمه بنیّة الإنسان وعقائده الداخلیة التی تحکم قلب الإنسان وروحه.

ولا شکّ أنّ معرفة الإنسان بهذا العلم الإلهی ستترک علیه آثاراً تربویة کثیرة، وتحذّره بأنّ جمیع تحرّکاته وسکناته وکلّ تصرّفاته ونیّاته، وفی أی مکان کانت، إنّما هی فی علم الله

وتحت نظره تبارک وتعالى، وممّا لا شکّ فیه أنّ ذلک سیهیء الإنسان للحرکة نحو الرقی والتکامل.

ثمّ یلفت القرآن الکریم الإنتباه إلى أهمّ عامل فی تربیة الإنسان وتعلیمه، وهو الإتّعاظ بمصارع القرون وما جرى على الأقوام السالفة حیث یقول: (ألم یأتکم نبأ الذین کفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب ألیم).(2)

ألم تمرّوا على مدنهم المهدّمة وآثارهم المدمّرة فی طریقکم إلى الشام والأماکن الاُخرى، فتروا باُمّ أعینکم نتیجة کفرهم وظلمهم، اقرأوا أخبارهم فی التاریخ، بعضهم أخذته العواصف، وآخرون أتى علیهم الطوفان، وکان هذا عذابهم فی الدنیا وفی الآخرة لهم عذاب أشدّ.

ثمّ تشیر الآیة اللاحقة إلى سبب هذه العاقبة المؤلمة وهو الغرور والتکبّر على الأنبیاء: (ذلک بأنّه کانت تأتیهم رسلهم بالبیّنات فقالوا أبشر یهدونن) وبهذا المنطق عصوا وکفروا (فکفروا وتولّو) والله فی غنى عن طاعتهم (واستغنى الله) فطاعتهم لأنفسهم وعصیانهم علیها و(الله غنی حمید).

ولو کفرت کلّ الکائنات لما نقص من کبریائه تعالى شیء، کما أنّ طاعتهم لا تزیده شیئاً، نحن الذین نحتاج إلى کلّ هذه التعلیمات والمناهج التربویة.

عبارة (واستغنى الله) مطلقة تبیّن استغناء الباریء عن الوجود کلّه، وعدم حاجته إلى شیء أبداً، بما فی ذلک إیمان الناس وطاعتهم، کی لا یتصوّروا ـ خطأً ـ أنّ الله عندما یؤکّد على الطاعة والإیمان فبسبب حاجة أو نفع یصیبه سبحانه.

وقال آخرون فی معنى عبارة (استغنى الله) بأنّها إشارة إلى الحکم والآیات والمواعظ التی أعطاها الله تعالى إیّاهم، إذ لا یحتاجون بعدها إلى شیء.


1. ذکر «فاء» التفریع هنا لیس من باب أنّ الکفر والإیمان مخلوقان للّه، بل من باب التبعیّة للخلقة وأعطی الإنسان الحریة والإرادة، و من جراء ذلک وجود الکافر والمؤمن.
2.«وبال» من مادة «وبل» و «وابل» بمعنى المطر الشدید، ویقال «وبال» لکل أمر مهم یخاف الإنسان أضراره.
سورة التغابن / الآیة 7 ـ 10 سورة التغابن / الآیة 1 ـ 6
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma