التوبیخ الشدید لبعض زوجات الرّسول:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
1ـ صفات الزوجة الصالحةأسباب النّزول

ممّا لا شکّ فیه أنّ رجلا عظیماً کالرّسول(صلى الله علیه وآله) لا یمکن أن یهمّه أمره وحده دون غیره، بل أمره یهمّ المجتمع الإسلامی والبشریة جمعاء، ولهذا یکون التعامل مع أیّة دسیسة حتى لو کانت بسیطة تعاملا حازماً وقاطعاً لا یسمح بتکرّرها، لکی لا تتعرّض حیثیة الرّسول واعتباره إلى أی نوع من التصدّع والخدش والآیات محلّ البحث تعتبر تحذیراً من ارتکاب مثل هذه الأعمال حفاظاً على اعتبار الرّسول(صلى الله علیه وآله).

البدایة کانت خطاباً إلى الرّسول: (یاأیّها النّبی لِمَ تحرّم ما أحلّ الله لک تبتغی مرضات أزواجک).

ومن الواضح أنّ هذا التحریم لیس تحریماً شرعیّاً، بل هو ـ کما یستفاد من الآیات اللاحقة ـ قسم من قبل الرّسول الکریم، ومن المعروف أنّ القسم على ترک بعض المباحات لیس ذنباً.

وبناءً على هذا فإنّ جملة (لِمَ تحرّم) لم تأت کتوبیخ وعتاب، وإنّما هی نوع من الإشفاق والعطف.

تماماً کما نقول لمن یجهد نفسه کثیراً لتحصیل فائدة معیّنة من أجل العیش ثمّ لا یحصل علیها، نقول له: لماذا تتعب نفسک وتجهدها إلى هذا الحدّ دون أن تحصل على نتیجة توازی ذلک التعب؟

ثمّ یضیف فی آخر الآیة: (والله غفور رحیم).

وهذا العفو والرحمة إنّما هو لمن تاب من زوجات الرّسول اللاتی رتّبن ذلک العمل وأعددنه، أو أنّها إشارة إلى أنّ الرّسول ما کان ینبغی له أن یقسم مثل هذا القسم الذی سیؤدّی ـ احتمالا ـ إلى جرأة وتجاسر بعض زوجاته علیه(صلى الله علیه وآله).

ویضیف فی الآیة اللاحقة أنّ الله قد أوضح طریق التخلّص من مثل هذا القسم: (قد فرض الله لکم تحلة أیمانکم)(1) أی أعط کفّارة القسم وتحرّر منه.

ویذکر أنّ الترک إذا کان راجحاً على العمل فیجب الالتزام بالقسم والحنث فیه ذنب تترتّب کفّارة علیه، أمّا فی الموارد التی یکون فیها الترک شیئاً مرجوحاً مثل «الآیة مورد البحث» فإنّه یجوز الحنث فی القسم، ولکن من الأفضل دفع کفّارة من أجل الحفاظ على حرمة القسم واحترامه(2).

ثمّ یضیف: (والله مولاکم وهو العلیم الحکیم).

فقد أنجاکم من مثل هذه الأقسام ووضع لکم طریق التخلّص منها طبقاً لعلمه وحکمته.

ویستفاد من بعض الروایات أنّ النّبی أعتق رقبة بعد هذا القسم وحلّل ما کان قد حرّمه بالقسم.

وفی الآیة اللاحقة یتعرّض لهذا الحادث بشکل أوسع: (وإذ أسرّ النّبی إلى بعض أزواجه حدیثاً فلمّا نبّأت به وأظهره الله علیه عرّف بعضه وأعرض عن بعض).

ما هذا السرّ الذی أسرّه النّبی لبعض زوجاته ثمّ لم یحفظنه؟

طبقاً لما أوردناه فی أسباب النزول فإنّ هذا السرّ یتکوّن من أمرین:

الأوّل: تناول العسل عند زوجته (زینب بنت جحش).

والثانی: تحریم العسل على نفسه فی المستقبل.

أمّا الزوجة التی أذاعت السرّ ولم تحافظ علیه فهی «حفصة» حیث أنّها نقلت ذلک الحدیث الذی سمعت به إلى عائشة.

أمّا الرّسول(صلى الله علیه وآله) فقد اطّلع على إفشاء هذا السرّ عن طریق الوحی، وذکر بعضه «لحفصة» ومن أجل عدم إحراجها کثیراً لم یذکر لها القسم الثانی (ولعلّ القسم الأوّل یتعلّق بأصل شرب العسل، والثانی هو تحریم العسل على نفسه).

وعلى کلّ فإنّه: (فلمّا نبّأها به قالت من أنبأک هذا قال نبّأنی العلیم الخبیر).

ویتّضح من مجموع هذه الآیات أنّ بعض زوجات الرّسول لم یکتفین بإیذاء النّبی (صلى الله علیه وآله)بکلامهنّ، بل لا یحفظن سرّه، وحفظ السرّ من أهمّ صفات الزوجة الصالحة الوفیّة لزوجها، وکان تعامل الرّسول(صلى الله علیه وآله) معهنّ على العکس من ذلک تماماً إلى الحدّ الذی لم یذکر لها السرّ الذی أفشته کاملا لکی لا یحرجها أکثر، واکتفى بالإشارة إلى جزء منه.

ولهذا جاء فی الحدیث عن الإمام علی(علیه السلام): «ما استقصى کریم قطّ، لأنّ الله یقول: (عرّف بعضه وأعرض عن بعضه)(3).

ثمّ یتحدّث القرآن مع زوجتی الرّسول اللتین کانتا وراء هذا الحادث بقوله: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبکم).

وقد اتّفق المفسّرون الشیعة والسنّة على أنّ تلک الزوجتین هما «حفصة بنت عمر» و«عائشة بنت أبی بکر».

«صغت» من مادّة «صغو» على وزن «عفو» بمعنى المیل إلى شیء ما، لذلک یقال «صغت النجوم» «أی مالت النجوم إلى الغروب» ولهذا جاء اصطلاح «إصغاء» بمعنى الإستماع إلى حدیث شخص آخر، والمقصود من «صغت قلوبکما» أی مالت من الحقّ إلى الباطل وإرتکاب الذنب(4).

ثمّ یضیف تعالى: (وإن تظاهرا علیه فإنّ الله هو مولاه وجبریل وصالح المؤمنین والملائکة بعد ذلک ظهیر).

ویتّضح من هذا کم ترکت هذه الحادثة من أثر مؤلم فی قلب الرّسول(صلى الله علیه وآله) وروحه العظیمة، ورغم قدرة الرّسول المتکاملة نشاهد أنّ الله یدافع عنه إذ یعلن حمایة جبرائیل والمؤمنین له.

ومن الجدیر بالذکر أنّه ورد فی صحیح البخاری (ما مضمونه) عن ابن عبّاس أنّه قال: سألت عمر: من کانت المرأتان اللتان تظاهرتا على النّبی من أزواجه، فقال: تلک حفصة وعائشة، قال: فقلت والله إن کنت لاُرید أن أسألک عن هذا قال: فلا تفعل ما ظننت أنّ عندی من علم فاسألنی فإن کان لی علم خبّرتک به، قال ثمّ قال عمر: والله إن کنّ فی الجاهلیة ما تعدّ للنساء أمراً حتى أنزل الله فیهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم...»(5).

وفی تفسیر الدرّ المنثور، ورد أیضاً عن ابن عبّاس ضمن حدیث مفصّل أنّه قال: قال عمر: «.. علمت بعد هذه الحادثة أنّ النّبی اعتزل جمیع النساء، وأقام فی «مشربة اُمّ إبراهیم»، فأتیته وقلت: یارسول الله هل طلّقت نساءک؟ قال: لا. قلت: الله أکبر، کنّا معشر قریش نغلب النساء، فلما قدمنا المدینة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا یتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتی یوماً فإذا هی تراجعنی فأنکرت أن تراجعنی فقالت ما تنکر من ذلک فوالله إنّ أزواج النّبی لیراجعنه وتهجره إحداهنّ الیوم إلى اللیل... فقلت لإبنتی حفصة لا تفعلی ذلک أبداً وإن فعلته جارتک (یعنی عائشة) لأنّک لست هی...»(6).

فی آخر آیة من هذه الآیات یخاطب الله تعالى جمیع نساء النّبی بلهجة  لا تخلو من التهدید: (عسى ربّه إن طلّقکنّ أن یبدله أزواجاً خیراً منکنّ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثیّبات وأبکار).

لذا فهو ینذرهنّ ألاّ یتصورن أنّ الرّسول (صلى الله علیه وآله) سوف لن یطلّقهن، أو یتصوّرن أنّ النّبی لا یستبدلهنّ بنساء اُخریات أفضل منهنّ، وذلک لیکففن عن التآمر علیه وإلاّ فسیحرمن من شرف منزلة «زوجة الرّسول» إلى الأبد، وستأخذ نساء اُخریات أفضل منهنّ هذا اللقب الکریم.


1. الراغب فی المفردات، یقول: إذا جاءت کلمة «فرض» مع «على» فإنّها تدلّ على الوجوب، وأمّا إذا جاءت معها «لام» فإنّها تدلّ على عدم المنع وبهذا یکون الفرض فی الآیة السابقة هو السماح والإباحة ولیس الوجوب.
وعبارة «تحلّة» ـ مصدر من باب تفعیل ـ بمعنى الإباحة والحلّیة، أو بتعبیر آخر العمل على فتح عقدة القسم، وهو الکفّارة.
2. «کفّارة القسم» حسب ما یستفاد من الآیة 89 من سورة المائدة عبارة عن إطعام عشرة مساکین، أو إکساؤهم، أو تحریر رقبة. وإن کان لا یقدر على شیء من ذلک فصیام ثلاثة أیّام.
3. تفسیر المیزان، ج19، ص392.
4. طبقاً للتفسیر الذی ذکرناه والذی إختاره أکثر المفسّرین فإنّ هناک شیئاً محذوفاً فی الآیة تقدیره (إن تتوبا إلى الله کان خیر لکم) او ](ان تتوبا یتب علیکما)، (اعراب القرآن، ج 10، ص 133)[ أو تقدیر آخر مشابه، ولکن احتمل بعض آخر أنّه لیس هناک محذوف فی الآیة وجملة (صغت قلوبکم) جزاء الشرط (بشرط أن یکون المیل إلى الحقّ ولیس العکس).
ولکن هذا الاحتمال بعید جدّاً لأنّ الشرط جاء بصیغة الفعل المضارع بینما الجزاء بصیغة الفعل الماضی وهذا غیر جائز فی عرف أکثر النحویین، ویذکر أنّ «قلوبکما» جاءت بصیغة الجمع لا المثنى، وذلک لتلافی اجتماع ألفاظ التثنیة بصورة متتالیة الذی لا یتناسب مع بلاغة القرآن وفصاحته.
5. صحیح البخاری، ج 6، ص 195، ذیل سورة التحریم.
6. تفسیر الدرّ المنثور، ج 6، ص 243 (بتلخیص).
1ـ صفات الزوجة الصالحةأسباب النّزول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma