الطغاة والعذاب الألیم

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة الحاقّة / الآیة 9 ـ 12 سورة الحاقّة / الآیة 1 ـ 8

تبدأ هذه السورة بعنوان جدید لیوم القیامة، یقول تعالى: (الحاقة * ما الحاقة * وما أدراک ما الحاقة)(1) والمراد من الحاقّة هو الیوم الذی سیتحقّق حتماً.

ذهب أغلب المفسّرین إلى أنّ (الحاقّة) اسم من أسماء یوم القیامة، باعتباره قطعی الوقوع، کما هو بالنسبة لـ (الواقعة) فی سورة (الواقعة)، وقد جاء فی الآیة 16 من هذه السورة الاسم نفسه، وهذا یؤکّد یقینیة ذلک الیوم العظیم.

«ما الحاقّة»: تعبیر لبیان عظمة ذلک الیوم، کما یقال: إنّ فلاناً إنسان، یا له من إنسان، ویقصد من هذا التعبیر وصف إنسانیّته دون تقیید حدّها.

والتعبیر بـ (ما أدراک ما الحاقّة) للتأکید مرّة اُخرى على عظمة الأحداث فی ذلک الیوم العظیم حتى أنّ الباریء عزّوجلّ یخاطب رسوله الکریم(صلى الله علیه وآله) بأنّک لا تعلم ما هو ذلک الیوم؟(2).

وکما لا یمکن أن یدرک الجنین الذی فی بطن اُمّه المسائل المتعلّقة بالدنیا، فإنّ أبناء الدنیا کذلک لیس بمقدورهم إدراک الحوادث التی تکون فی یوم القیامة.

ویحتمل أنّ المقصود من (الحاقّة) هو الإشارة إلى العذاب الإلهی الذی یحلّ فجأة فی هذه الدنیا بالمشرکین والمجرمین والطغاة وأصحاب الهوى والمتمرّدین على الحقّ.

کما فسّرت (القارعة) التی وردت فی الآیة اللاحقة بهذا المعنى ـ أیضاً وبلحاظ أنّ هذا التّفسیر یتناسب بصورة أکثر مع ما جاء فی الآیات اللاحقة التی تتحدّث عن حلول العذاب الشدید بقوم عاد وثمود وفرعون وقوم لوط، فقد ذهب بعض المفسّرین إلى هذا الرأی أیضاً.

وجاء فی تفسیر (علی بن إبراهیم) قوله: إنّ (الحاقّة هی الحذر من نزول العذاب) وهو نظیر ما جاء فی الآیة التالیة: (وحاقَ بآل فرعون سوء العذاب).(3) (4)

ثمّ تستعرض الآیات الکریمة اللاحقة مصیر الأقوام الذین أنکروا یوم القیامة، وکذلک نزول العذاب الإلهی فی الدنیا، حیث یضیف تعالى: (کذّبت ثمود وعاد بالقارعة * فأمّا ثمود فأهلکوا بالطاغیة).

لقد کان (قوم ثمود) یسکنون فی منطقة جبلیة بین الحجاز والشام، فبعث الله النّبی صالح(علیه السلام) إلیهم، ودعاهم إلى الإیمان بالله... إلاّ أنّهم لم یستجیبوا له، بل حاربوه وتحدّوه فی إنزال العذاب الذی أوعدهم به إن کان صادقاً، وفی هذه الحالة من التمرّد الذی هم علیه، سلّط الله علیهم (صاعقة مدمّرة) أنهت کلّ وجودهم فی لحظات، فخربت بیوتهم وقصورهم المحکمة، وتهاوت أجسادهم على الأرض.

والنقطة الجدیرة بالملاحظة هنا هی أنّ القرآن الکریم یعبّر عن عقاب هؤلاء الأقوام المتمردین بـ (العذاب الشدید)، وقد کان العذاب الشدید بصور متعدّدة حیث عبّر عنه بـ (الطاغیة) کما جاء فی الآیة مورد البحث واُخرى بالـ (رجفة) کما جاء فی سورة الأعراف الآیة 78 وثالثة کان بصورة (صاعقة) کما ورد فی سورة فصّلت الآیة 13، ورابعة کان على شکل (صیحة) کما جاء فی سورة هود الآیة 67.

وفی الحقیقة فإنّ جمیع هذه التعابیر ترجع إلى معنى واحد، لأنّ الصاعقة دائماً تکون مقرونة: بصوت عظیم، ورجفة على النقطة التی تقع فیها، وعذاب طاغ عظیم.

ثمّ تتطرّق الآیة اللاحقة لتحدّثنا عن مصیر (قوم عاد) الذین کانوا یسکنون فی أرض الأحقاف الواقعة (فی شبه جزیرة العرب أو الیمن) وکانوا ذوی قامات طویلة، وأجساد قویة، ومدن عامرة، وأراض خضراء خصبة، وحدائق نضرةوکان نبیّهم (هود)(علیه السلام)یدعوهم إلى الهدى والإیمان بالله... إلاّ أنّهم أصرّوا على کفرهم وتمادوا فی طغیانهم وتمرّدوا على الحقّ، فانتقم الله منهم شرّ إنتقام، وأقبرهم تحت الأرض بعد أن سلّط علیهم عذاباً شدیداً مؤلماً، سنوضّح شرحه فی الآیات التالیة.

یقول تعالى: (وأمّا عاد فأهلکوا بریح صرصر عاتیة).

«صرصر» على وزن (دفتر) تقال للریاح الباردة أو المقترنة بصوت وضوضاء، أو المسمومة، وقد ذکر المفسّرون هذه المعانی الثلاث فی تفسیرها، والجمع بین جمیع هذه المعانی ممکن أیضاً.

«عاتیة» من مادّة (عتو) على وزن (علو) بمعنى التمرّد على القانون الطبیعی للریاح ولیست على أمر الله.

ثمّ تبیّن الآیة التالیة وصفاً آخر لهذه الریاح المدمّرة، حیث یقول تعالى: (سخّرها علیهم سبع لیال وثمانیة أیّام حسوم).

«حسوماً» من مادّة (حسم) على وزن (رسم) بمعنى إزالة آثار شیء ما، وقیل للسیف (حسام) على وزن (غلام)، ویقال: (حسم) أحیاناً لوضع الشیء الحارّ على الجرح للقضاء علیه من الأساس.

لقد حطّمت وأفنت هذه الریح المدمّرة فی اللیالی السبع والأیّام الثمانیة جمیع معالم حیاة هؤلاء القوم، والتی کانت تتمیّز بالاُبّهة والجمال، واستأصلتهم من الجذور(5).

ویصوّر لنا القرآن الکریم مآل هؤلاء المعاندین بقوله تعالى: (فترى القوم فیها صرعى کأنّهم أعجاز نخل خاویة).

إنّه لتشبیه رائع یصوّر لنا ضخامة قامتهم التی إقتلعت من الجذور، بالإضافة إلى خواء نفوسهم، حیث إنّ العذاب الإلهی جعل الریح تتقاذف أجسادهم من جهة إلى اُخرى.

«خاویة» من مادّة (خواء) على وزن (حواء) فی الأصل بمعنى کون الشیء خالیاً، ویطلق هذا التعبیر أیضاً على البطون الجائعة، والنجوم الخالیة من المطر (کما فی اعتقاد عرب الجاهلیة)، وتطلق کذلک على الجوز الأجوف الفارغ من اللب.

ویضیف فی الآیة التالیة: (فهل ترى لهم من باقیة)(6).

نعم لم یبق الیوم أی أثر لقوم عاد، بل حتى مدنهم العامرة، وعماراتهم الشامخة ومزارعهم النضرة لم یبق منها شیء یذکر أبداً.

لقد بحثنا قصّة قوم عاد بصورة مفصّلة فی التّفسیر الأمثل، تفسیر الآیات 58 ـ 60 من سورة هود.


1. هناک وجهات نظر عدّة فی إعراب جملة (الحاقّة * ما الحاقّة)، إلاّ أنّ الأنسب فی هذه الآراء هو أن یقال: إنّ «الحاقّة» مبتدأ، و «ما» الاستفهامیة مبتدأ ثان و«الحاقّة» الثانیة خبر للمبتدأ الثانی، وجملة (ما الحاقّة) خبر للمبتدأ الأوّل.
2. ذهب بعض المفسّرین إلى أنّ جملة (ما أدراک) تتحدّث عن المسائل المعلومة والمسلّمة، بینما جاءت (وما یدریک) فی الموارد والمسائل المبهمة. تفسیر مجمع البیان ج 10، ص 343، کما نقل بعض المفسّرین هذا المعنى أیضاً ومنهم القرطبی.
3. المؤمن، 45.
4. تفسیر علی بن إبراهیم، ج 2، ص 383، (وممّا یجدر الإنتباه إلیه أنّ کلمة «الحاقّة» و«الحاقّ» من مادّة واحدة).
5. «حسوماً» جاءت هنا صفة لـ (سبع لیال وثمانیة أیّام)، کما اعتبرها البعض «حالا» للـ «ریح» أو مفعولا له.
6. «باقیة» صفة لموصوف مقدر، وکانت فی الأصل: (نفس باقیة).
سورة الحاقّة / الآیة 9 ـ 12 سورة الحاقّة / الآیة 1 ـ 8
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma