الصّیحة العظیمة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة الحاقّة / الآیة 18 ـ 24 سورة الحاقّة / الآیة 13 ـ 17

استمراراً لما تعرّضت له الآیات الاُولى من هذه السورة، والتی کانت تتعلّق بمسألة الحشروالقیامة، تعرض لنا هذه الآیات صورة عن الحوادث العظیمة فی ذلک الیوم الرهیب باُسلوب محرّک ومؤثّر فی النفوس کی تحیط الإنسان علماً بما ینتظره من حوادث ذات شأن کبیر فی ذلک الموقف الرهیب.

یقول تعالى فی البدایة: (فإذا نفخ فی الصور نفخة واحدة).

لقد بیّنا فیما سبق أنّ ممّا یستفاد من القرآن الکریم أنّ نهایة عالم الدنیا وبدایة عالم الآخرة تکون بصوت مفاجىء عظیم، وذلک ما عبّر عنه بـ (نفخة الصور).

ولهذا السبب استعمل البوق فی الماضی والحاضر للاستفادة منه فی جمع وتهیئة الجیوش، وکذلک فی الإعلان عن موعد الاستراحة، حیث یتمّ العزف بألحان مختلفة حسب طبیعة الموضوع الذی یعلن عنه، فالعزف للنوم والإستراحة یختلف عن عزف التجمّع والتهیّؤ للحرکة والتدریب...

إنّ مسألة انتهاء هذا العالم، وبدایة العالم الجدید عالم الآخرة، هی عند الله بسیطة وهیّنة فی مقابل قدرته العظیمة، فبأمر واحد وفی لحظة مفاجئة ینتهی ویفنى من فی السموات والأرضین، وبأمر آخر یُلبس سبحانه الجمیع لباس الحیاة ویستعدّون للحساب، وهذا هو مقصود الآیة الکریمة.

لقد تحدّثنا بصورة مفصّلة حول خصوصیات (الصور) وکیفیة (النفخ) فیه، وعدد النفخات، والفاصلة الزمنیة بین کلّ نفخة، وذلک فی تفسیر سورة (الزمر) الآیة 68 من التّفسیر الأمثل، لذا لا نرى ضرورة لتکرار ذلک.

والشیء الوحید الذی نذکّر به هنا هو (نفخة الصور) وکما أشرنا أعلاه فهی (نفختان): (نفخة الموت)، و(نفخة الحیاة الجدیدة)، لکن هل المقصود فی هذه الآیة الکریمة هو (النفخة الاُولى) أم (الثانیة)؟ فهذا ما لا یوجد فیه رأی موحّد بین المفسّرین، لأنّ الآیات التی ستأتی لاحقاً بعضها یتناسب مع نفخة الموت، والآخر یتناسب مع نفخة الحیاة والحشر، إلاّ أنّ منطوق الآیات بشکل إجمالی فی رأینا تتناسب أکثر مع النفخة الاُولى التی تحصل فیها نهایة عالم الدنیا.

ثمّ یضیف تعالى: (وحملت الأرض والجبال فدکتّا دکة واحدة).

«دکّ» کما یقول الراغب فی المفردات، وفی الأصل بمعنى (الأرض المستویة) ولأنّ الأرض غیر المستویة تحتاج إلى الدک حتى تستوی، لذا استعمل هذا المصطلح فی الکثیر من الموارد بمعنى «الدق الشدید».

کما یستفاد من مصادر اللغة أنّ أصل معنى (دک) هو (الدقّ والتخریب) ولازم ذلک الإستواء، لذا استعمل هذا المصطلح فی هذا المعنى أیض(1).

وعلى کلّ حال فإنّ المقصود من هذه الکلمة ـ فی الآیة مورد البحث ـ هو الدقّ الشدید للجبال والأراضی اللامستویة بعضها ببعض بحیث تستوی وتتلاشى فیها جمیع التعرجات.

ثمّ یضیف تعالى: (فیومئذ وقعت الواقعة).

فی ذلک الیوم العظیم لا تتلا شى فیه الأرض والجبال فحسب، بل یقع حدث عظیم آخر، وذلک قوله تعالى: (وانشقت السماء فهی یومئذ واهیة) وذلک بیان لما تتعرّض له الأجرام السماویة العظیمة من إنفلاقات وتناثر وتلاشی، حیث تضطرب هذه الأجرام الهائلة ویتحوّل فیها النظام إلى فوضى والتماسک إلى ضعف، والاستحکام إلى خواء بشکل عجیب، وذلک من خلال حرکات وتحوّلات مرعبة جدّاً، کما یعبّر القرآن الکریم عن ذلک بقوله تعالى: (فإذا انشقت السماء فکانت وردةً کالدهان).(2)

وبعبارة اُخرى فإنّ الأرض والسماء الحالیتین تتدمران وتنتهیان، ویحدث عالم جدید على أنقاض العالم السابق یکون أکمل وأتمّ وأعلى من عالمنا الدنیوی.

(والملک على أرجائه).

«أرجاء» جمع (رج) بمعنى جوانب وأطراف شیء معیّن، و(الملک) هنا بالرغم من ذکرها بصیغة المفرد، إلاّ أنّ المقصود بها هو الجنس والجمع.

إنّ ملائکة الرحمن ـ فی الآیة أعلاه ـ یصطفون على جوانب وأطراف السماوات ینتظرون تلقّی أمر الواحد الأحد لإنجازه بمجرد الإشارة، وکأنّهم جنود جاهزون لما یؤمرون به.

ثمّ یقول تعالى: (ویحمل عرش ربّک فوقهم یومئذ ثمانیة).

إنّ حملة العرش بالرغم من أنّهم لم یشخّصوا بصورة صریحة فی هذه الآیة وهل هم من الملائکة أم من جنس آخر؟ إلاّ أنّ ظاهر تعبیر الآیة الکریمة أنّهم من الملائکة، ومن غیر المعلوم أنّ المقصود بـ (ثمانیة) هل هم ثمانیة ملائکة؟ أم ثمانیة مجامیع من الملائکة؟ سواء کانت هذه المجامیع صغیرة أو کبیرة.

جاء فی الروایات الإسلامیة أنّ حملة العرش فی عالم الدنیا أربعة أشخاص أو أربع (مجامیع) إلاّ أنّهم فی یوم القیامة یکونون ضعف ذلک، کما نقرأ ذلک فی حدیث عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: (إنّهم الیوم أربعة، فإذا کان یوم القیامة أیّدهم الله بأربعة آخرین فیکونون ثمانیة)(3).

أمّا ما یتعلّق بحقیقة العرش، وماهیة الملائکة، فذلک کما یلی:

المقصود بـ (العرش) کما هو واضح لیس تختاً ممّا یکون للسلاطین، ولکنّه ـ کما بیّنا سابقاً فی تفسیر کلمة (العرش) ـ بأنّها تعنی (مجموعة عالم الوجود) حیث أنّه عرش حکومة الله سبحانه، ویدبّر حکومته تعالى من خلاله بواسطة الملائکة الذین هم جاهزون لتنفیذ أمره سبحانه.

وجاء فی روایة اُخرى أنّ حملة العرش فی یوم القیامة أربعة من الأوّلین، وأربعة من الآخرین، والأشخاص الأوّلون الأربعة هم: (نوح) و(إبراهیم) و(موسى) و(عیسى)، أمّا الأشخاص الآخرون الأربعة فهم (محمّد) و(علی) و(الحسن) و(الحسین)(4).

وهذا الحدیث من الممکن أن یکون إشارة إلى مقام شفاعتهم للأوّلین والآخرین، والشفاعة ـ عادةً ـ تکون لمن هم أهل لها، وممّن لهم لیاقة لنیلها، ومع ذلک فإنّه یوضّح المفهوم الواسع للعرش.

أمّا إذا کان حملة العرش ثمانیة مجامیع، فمن الطبیعی أن تتعهّد المجامیع للقیام بهذه المهمّة، سواء کان هؤلاء من الملائکة أو الأنبیاء أو الأولیاء، وممّا تقدّم نلاحظ أنّ قسماً من تدبیر نظام وشؤون ذلک الیوم هو من مهمّة الملائکة وقسم من الأنبیاء، حیث إنّ الجمیع جاهزون لتنفیذ أمر الله، ویتحرّک بإرادته تعالى.

هنالک آراء فی أنّ الضمیر فی (فوقهم) هل یرجع إلى «البشر»؟ أم إلى (الملائکة)؟ وبما أنّ الحدیث فی الجملة السابقة کان حول الملائکة، فإنّ الضمیر یرجع إلیهم حسب الظاهر، وبهذه الصورة فإنّ الملائکة تحیط بالعالم من جمیع جهاته، ولهذا فإنّ المقصود بـ (من فوقهم) هو (العلو من حیث المقام).

وهنالک احتمال بأنّ حملة عرش الله هم أشخاص أعلى وأفضل من الملائکة، وتماشیاً مع هذا الاحتمال فإنّ ما جاء فی الحدیث السابق منسجم معه، حیث ورد فیه أنّ حملة عرش الله هم ثمانیة من الأنبیاء والأولیاء.

وبما أنّ الحوادث المتعلّقة بیوم القیامة لیست واضحة لنا نحن سکنة هذا العالم المحدود، لذا فلیس بمقدورنا إذاً إدراک المسائل المتعلّقة بحملة العرش فی ذلک الیوم، إنّ الذی نتحدّث به عن هذه الاُمور ما هو إلاّ شبح یتراءى لنا من بعید فی ظلّ الآیات الإلهیة، وإلاّ فلا تتمّ رؤیة الحقیقة بدون معایشة الواقع(5).

وممّا یجدر ملاحظته أنّ فی (النفخة الاُولى للصور) یموت ویفنى جمیع من فی السموات والأرض، وبناءً على هذا فإنّ مسألة بحث «حملة العرش» مرتبط «بالنفخة الثانیة»، حیث یتمّ إحیاء الجمیع، وبالرغم من أنّه لم یأت ذکر للنفخة الثانیة فی الآیة أعلاه، إلاّ أنّ ذلک یتّضح من خلال القرائن، والمطالب التی سترد فی الآیات اللاحقة تتعلّق بالنفخة الثانیة أیض(6).


1. أقرب الموارد، مادّة (دک).
2. الرّحمن، 37.
3. تفسیر علی بن إبراهیم، ج 2، ص 384.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 346.
5. تطرقنا مراراً فی هذا التّفسیر إلى المعانی التی وردت حول «العرش» لغویاً وقرآنیاً، ومن ضمن ما بحثناه حول هذه المسألة ما جاء فی نهایة الآیة 54 من سورة الأعراف.
6. فی الحقیقة أنّه توجد آیة محذوفة بتقدیر: (ثمّ نفخ فیه اُخرى).
سورة الحاقّة / الآیة 18 ـ 24 سورة الحاقّة / الآیة 13 ـ 17
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma