القرآن کلام الله قطعاً

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة الحاقّة / الآیة 44 ـ 52 سورة الحاقّة / الآیة 38 ـ 43

بعد الأبحاث التی مرّت بنا فی الآیات السابقة حول القیامة وما أعدّه الله سبحانه للمؤمنین والکفّار، یبیّن الباریء عزّوجلّ فی هذه الآیات بحثاً وافیاً حول القرآن والنبوّة، لیکون البحثان (النبوّة) و(المعاد) کلا منهما مکمّلا للآخر.

یقول الراغب فی البدایة: (فلا اُقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون).

المعروف أنّ کلمة ) زائدة وللتأکید فی مثل هذه الموارد، ولکن ذهب البعض إلى أنّ (لا) تعطی معنى النفی أیضاً، ویعنی ذلک أنّنی لا اُقسم بهذا الأمر، لأنّه أوّلا: لا توجد ضرورة لمثل هذا القسم. وثانیاً: یجب أن یکون القسم باسم الله، إلاّ أنّ هذا القول ضعیف، والمناسب هو المعنى الأوّل، إذ ورد فی القرآن الکریم قسم باسم الله وبغیره فی الکثیر من الآیات.

جملة (بما تبصرون وما لا تبصرون) لها معنىً واسع، حیث تشمل کلّ ما یراه البشر وما لا یراه، وبعبارة اُخرى تشمل کلّ عالم (الشهود) و(الغیب).

وقد ذکرت احتمالات اُخرى لتفسیر هاتین الآیتین، منها: أنّ المقصود من عبارة (بما تبصرون) هو عالم الخلقة، ومن (وما لا تبصرون) هو الخالق عزّوجلّ.

وقیل إنّ المقصود بالاُولى هو النعم الظاهریة، وفی الثانیة النعم الباطنیة، أو أنّ المقصود بهما: البشر والملائکة على التوالی، أو الأجسام والأرواح، أو الدنیا والآخرة.

إلاّ أنّ سعة مفهوم هاتین العبارتین یمنع من تحدیدهما. وبناء على هذا فإنّ کلّ ما یدخل فی دائرة المشاهدة وما هو خارج عنها مشمول للقسم، إلاّ أنّه یستبعد شمولهما للباریء

عزّوجلّ، بلحاظ أنّ جعل الخالق مقترناً بالخلق أمر غیر مناسب، خصوصاً مع تعبیر (ما) الذی جاء فی الآیة الکریمة والذی یستعمل فی الغالب لغیر العاقل.

ویستفاد ضمناً من هذا التعبیر بصورة جیّدة أنّ الاُمور والأشیاء التی لا یراها الإنسان کثیرة جدّاً، وقد أثبت العلم الحدیث هذه الحقیقة، وهی أنّ المحسوسات التی تحیطنا تشمل دائرة محدودة من الموجودات ـ والأشیاء غیر المحسوسة ـ سواء فی مجال الألوان والأصوات والأمواج والمذاقات وغیرها ـ هی فی الواقع أوسع دائرة من الاُمور الحسیّة.

فالنجوم التی یمکن رؤیتها فی مجموع نصفی الکرة الأرضیة بحدود خمسة آلاف نجمة، طبقاً لحسابات علماء الفلک، أمّا النجوم التی لا یمکن رؤیتها بالعین المجرّدة فهی تعدّ بالملیارات.

والأمواج الصوتیة التی تستطیع اُذن الإنسان سماعها هی أمواج محدودة، أمّا الأمواج الصوتیة الاُخرى التی لا تستطیع الاُذن سماعها فتقدّر بالآلاف.

وبالنسبة للألوان التی نستطیع رؤیتها فهی سبعة ألوان معروفة، وقد أصبح من المسلّم الیوم وجود ما لا نهایة له من الألوان الاُخرى، کلون ما وراء البنفسجی، وما دون الأحمر، حیث لا یمکن أن تراها أعیننا.

أمّا عدد الحیوانات المجهریة التی لا ترى بالعین المجرّدة فهی کثیرة جدّاً إلى حدّ أنّها ملأت جمیع العالم، إذ توجد فی قطرة الماء أحیاناً آلاف الآلاف منها، فما أضیق تفکیر من یضع نفسه فی إطار المحسوسات المادیة فقط، ویبقى جاهلا لاُمور کثیرة لا تستطیع الحواس أن تدرکها، أو أنّه ینکرها أحیاناً؟

لقد أثبتت الدلائل العقلیة والتجریبیة أنّ عالم الأرواح عالم أوسع بکثیر من عالم أجسامنا، فلماذا نحبس أنفسنا وعقولنا فی إطار المحسوسات؟

ثمّ تستعرض الآیة اللاحقة جواب هذا القسم العظیم، حیث یقول تعالى بأنّ هذا القرآن هو قول رسول کریم: (إنّه لقول رسول کریم).

والمقصود من الرّسول هنا ـ بدون شکّ ـ هو الرّسول الکریم(صلى الله علیه وآله) ولیس جبرائیل، لأنّ الآیات اللاحقة تبیّن هذا المعنى بوضوح.

والسبب فی نسبة القرآن إلى الرّسول بالرغم من أنّنا نعرف أنّه قول الله تعالى، لأنّ الرّسول مبلّغ عنه، وخاصّة أنّ الآیة ذکرت کلمة «رسول» وهذا یعنی أنّ کلّ ما یقوله

الرّسول فهو قول مرسله، بالرغم من أنّه یجری على لسان الرّسول، ویسمع من فمه الشریف.

ثمّ یضیف تعالى: (وما هو بقول شاعر قلیلا ما تؤمنون(1) * ولا بقول کاهن قلیلا ما تذکرون).

تنفی هاتان الآیتان ما نسبه المشرکون والمخالفون من تهم باطلة لرسول الله(صلى الله علیه وآله) إذ کانوا یقولون أحیاناً: إنّه (شاعر) وإنّ هذه الآیات من شعره، کما کانوا یقولون أحیاناً: إنّه (کاهن) وإنّ الذی یقوله هو (کهانة) لأنّ الکهنة أشخاص کانوا یتنبّؤن بأسرار الغیب أحیاناً، وذلک لإرتباطهم بالجنّ والشیاطین، وکانوا یطلقون عن قصد کلاماً مسجعاً وجملا موزونة.

ولأنّ القرآن الکریم أیضاً کان یتنبّأ ویتحدّث عن اُمور غیبیة، وإنّ ألفاظه وعباراته لها نظام خاصّ، لذا اتّهم الرّسول(صلى الله علیه وآله) بهذه التّهم، فی حین أنّ الفرق بین الإثنین کالفرق بین الأرض والسماء.

لقد نقل البعض فی سبب نزول هذه الآیة أنّ (أبا جهل) نسب قول الشعر إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وأنّ (عقبة) أو (عتبة) هو الذی نسب الکهانة إلى رسولنا الکریم وکذلک الآخرون أیضاً کانوا یردّدون هذه التّهم.

وفی الحقیقة فإنّ للقرآن الکریم ألفاظاً منسجمة، وتعابیر ذات نظم جمیل تسحر الآذان وتبعث الإطمئنان فی الأرواح، إلاّ أنّ هذا لیس له أی إرتباط مع شعر الشعراء، ولا مع سجع الکاهنین.

الشعر فی الغالب ولید الخیال، ومعبّر عن الأحاسیس الجیاشة فی النفوس، والعواطف الملتهبة، ولهذا فإنّه یجسّد حالة عدم الإستقرار وعدم التوازن صعوداً ونزولا، شدّة وإنخفاضاً، فی الوقت الذی نلاحظ أنّ القرآن الکریم، وهو یمثّل قمّة الروعة والجاذبیة، فإنّه کتاب استدلالی ومنطقی فی عرضه للمفاهیم، وعقلانی فی محتواه، وما فیه من التنبّؤ المستقبلی لا یشکّل قاعدة أساسیة للقرآن الکریم، بالإضافة إلى أنّها صادقة جمیعاً بخلاف ما علیه تنبّؤ الکهنة.

التعبیر بـ (قلیلا ما تؤمنون) و(قلیلا ما تذکرون) هو توبیخ ولوم للأشخاص الذین یسمعون الوحی السماوی مقروناً بدلائل واضحة، إلاّ أنّهم یعتبرونه (شعراً) أحیاناً، و(کهانة) أحیاناً اُخرى، وقلیلا ما یؤمنون.

ویقول سبحانه فی آخر آیة ـ مورد البحث ـ کتأکید على هویّة القرآن الربانیة: (تنزیل من ربّ العالمین)(2).

وبناءً على هذا فإنّ القرآن الکریم لیس بشعر ولا کهانة، ولیس هو إنتاج فکر الرّسول، ولا قول جبرائیل... بل إنّه کلام الله سبحانه، حیث نزل بواسطة الوحی على القلب الطاهر لرسول الله(صلى الله علیه وآله) وجاء هذا المعنى بعبارات مختلفة إحدى عشرة مرّة فی القرآن الکریم.


1. «قلیلا» فی هذه الآیة وفی الآیة اللاحقة هی صفة (لمفعول مطلق) محذوف. و«ما» زائدة وفی التقدیر هکذا، (وتؤمنون إیماناً قلیلا).
2. «تنزیل» مصدر بمعنى (اسم مفعول)، وهو خبر لمبتدأ محذوف تقدیره (هو منزل من ربّ العالمین).
سورة الحاقّة / الآیة 44 ـ 52 سورة الحاقّة / الآیة 38 ـ 43
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma