التّفسیر

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
1ـ قیام اللیل بتلاوة القرآن والدعاءسورة المزّمل / الآیة 1 ـ 5

یشیر سیاق الآیات کما بیّنا إلى دعوة الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) للإستقامة والإستعداد لقبول مهمّة کبیرة وثقیلة، وهذا لا یتمّ إلاّ بالبناء المسبق للذات، فیقول: (یا أیّها المزّمل(1) * قم اللیل إلاّ قلیلاً * نصفه أو انقص منه قلیلاً * أو زد علیه ورتل القرآن ترتیل).

الطریف فی هذه الآیات أنّ المخاطب هو الرّسول(صلى الله علیه وآله)، ولکن لا بعنوان یا أیّها الرّسول، أو یا أیّها النّبی، بل بعنوان یا أیّها المزمل، إشارة إلى أنّ هذا لیس زمان التزمل والإنزواء، بل زمان القیام والبناء الذاتی والإستعداد لأداء الرسالة العظیمة، واختیار اللیل لهذا العمل أوّلاً: لأنّ أعین الأعداء نائمة، وثانیاً: تتعطل الأعمال والمکاسب، ولهذا فإنّ الإنسان یستعد للتفکر ولتربیة النفس.

وکذلک اختیار القرآن لأن یکون المادة الاُولى فی البرنامج العبادی فی اللیل إنّما هو لإقتباس الدروس اللازمة فی هذا الباب، وهو یعدّ من أفضل الوسائل لتقویة الإیمان والاستقامة والتقوى وتربیة النفوس، والتعبیر بالترتیل الذی یراد به التنظیم والترتیب الموزون هنا هو القراءة بالتأنی والإنتظام اللازم، والأداء الصحیح للحروف، وتبیین الحروف، والدقّة والتأمل فی مفاهیم الآیات، والتفکر فی نتائجها.

وبدیهی أنّ مثل هذه القراءة تعطی الإنسان الرّشد والنمو المعنوی السریع والشهامة الخلقیة وتهب التقوى، وإذا فسّره البعض بالصلاة فذلک لأنّ أحد أجزاء الصلاة المهمّة هی قراءة القرآن.

عبارة «قم اللیل» تعنی النهوض فی مقابل النوم، ولیس الوقوف فحسب، وأمّا ما جاء من العبارات المختلفة فی هذه الآیات حول مقدار إحیاء اللیل فهو فی الحقیقة لتبیان التخییر، وأنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) مخیّر فی الإستیقاظ فی نصف اللیل أو أقل من ذلک أو أکثر لقراءة القرآن، ففی المرحلة الاُولى یذکر اللیل کلّه إلاّ قلیلاً منه، ثمّ یخففه لیوصله إلى النصف، وبعدئذ إلى أقل من النصف.

وقیل: المراد هو التخییر بین الثلث الثّانی والنصف والثلث الأوّل، بقرینة الآیة التی فی آخر تلک السورة: (إنّ بربّک یعلم أنّک تقوم أدنى من ثلثی اللیل ونصفه وثلثه) ویستفاد من هذه الآیة أیضاً أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) لم یکن وحده الذی یقوم اللیل، بل معه عدّة من المؤمنین کانوا ملتزمین أیضاً بهذا النظام للبناء الذاتی والتربیة والإستعداد متخذین النّبی(صلى الله علیه وآله) اُسوة لهم.

وقال البعض: إنّ المراد من «قم اللیل إلاّ قلیلاً»، هو القیام فی اللیالی کلّها إلاّ بعض اللیالی، ولیس الاستثناء فی أجزاء اللیل، ولکن هذا القول بعید عن الصواب حیث إنّ اللیل جاء بصیغة مفرد «لیل»، وجاء التعبیر بالنصف أو أقل النصف.

ثمّ یبیّن الهدف النهائی لهذا الأمر المهم والشاق فیقول: (إنّا سنلقی علیک قولاً ثقیل).

ذکر المفسّرین فی القول الثقیل أقوالاً مختلفة، لکن الملاحظ أن ثقل القول یراد به القرآن المجید بأبعاده المختلفة... ثقیل بلحاظ المحتوى ومفاهیم الآیات.

ثقیل بلحاظ حمل القلوب له لما یقوله القرآن: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأیته خاشعاً متصدعاً من خشیة اللّه)(2). ثقیل بلحاظ الوعد والوعید وبیان المسؤولیات.

ثقیل بلحاظ التبلیغ ومشاکل طریق الدعوة.

وثقیل فی میزان العمل وفی عرصة القیامة، وبالتالی ثقیل بلحاظ تخطیطه وتنفیذه بشکل تام.

نعم، وانّ قراءة القرآن وإن کانت سهلة وجمیلة ومؤثرة، ولکن تحقق مفاده لیس بالسهل الیسیر بالخصوص فی أوائل الدعوة النّبویة فی مکّة حیث الظلام والجهل وعبادة الأصنام والخرافات، إذ إنّ الأعداء المتعصبین القساة کانوا قد تکاتفوا ضد الرّسول(صلى الله علیه وآله)، ولکن الرّسول(صلى الله علیه وآله) وأصحابه القلائل استطاعوا أن یتغلبوا على کل تلک هذه المشاکل باستمدادهم من تربیة القرآن، والاستعانة بصلاة اللیل، وبالاستفادة من قربهم من ذات اللّه المقدسة، واستطاعوا بذلک حمل هذا القول الثقیل والوصول إلى مرادهم.


1. «مزّمل» أصلها «متزمل»، وهی من التزمل، وتعنی لف الثوب على نفسه، ولهذا جاء لفظ الزمیل، أی المصاحب والرفیق.
2. الحشر، 21.
1ـ قیام اللیل بتلاوة القرآن والدعاءسورة المزّمل / الآیة 1 ـ 5
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma