التنزّه عن الهوى

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
1ـ مقام الرّب؟سورة النّازعات / الآیة 34 ـ 41

وتتجه عدسة آیات القرآن الکریم لتعرض لنا جوانباً من صور عالم القیامة، وتبدأ بتصویر تلک الداهیة المذهلة التی تصیب مَن عبد أهواءه فی الحیاة الدنیا: (فإذا جاءت الطامة الکبرى)(1).

«الطامة»: من (الطم) ـ على زنة فنّ ـ وهو فی الأصل بمعنى ملء الفراغ والحفر، ویطلق بالطامة على کلّ شیء بلغ حدّه الأعلى، ولهذا فقد اُطلقت على الحوادث المرّة والصعاب الکبار، وهی فی الآیة تشیر إلى یوم القیامة لما فیها من دواهی تغطی بهولها کلّ هول، واُتبعت بـ «الکبرى» زیادة فی التأکید على أهمّیة وخطورة یوم القیامة.

ویضیف: حال حلول الحدث... سیستیقظ الجمیع من غفلتهم، ویتذکروا ما زرعوا لحیاتهم: (یوم یتذکر الإنسان ما سعى).

وأنى للتذکر بعد فوات الأوان!

وإذا طلبوا الرجوع إلى الدنیا لإصلاح ما أفسدوا ویتدارکوا الأمر، فسیقرعون بـ (کل).

وإذا ما اعتذروا تائبین، فلا محیص عن ردّهم، بعد أن أوصدت أبواب التوبة بأمر الجبّار الحکیم.

وعندها: لا یبقى لهم إلاّ الحسرة والندامة، والهم والغم، وکما تقول الآیة 27 من سورة الفرقان: (یوم یعضّ الظالم على یدیه).

وثمّة نکتة فی الآیة ترتبط بصیغة الفعل «یتذکر»، فقد جاء الفعل مضارعاً لیدل على استمراریة التذکر، فالإنسان أمام ذلک المنظر الرهیب، وقد اُزیلت الحجب عن قلبه وروحه، سیرى الحقائق بعینها شاخصة أمامه، ولا ینسى حینها ما اکتسبت یداه من أعمال.

وتتحرک الآیة التالیة لوصف ما سیقع: (وبرزت الجحیم لمن یرى).

فالجحیم موجودة، کما تشیر إلى ذلک الآیة 54 من سورة العنکبوت: (وإنّ جهنّم لمحیطة بالکافرین)، ولکن حجب الدنیا تمنعنا من رؤیتها، وأمّا فی یوم الفصل، یوم البروز، فسیبرز کلّ شیء ولا یستثنى من ذلک جهنّم.

وجملة «لمن یرى»، تشیر إلى رؤیة جهنّم من قبل الجمیع بلا استثناء (الصالح والطالح)، فهی غیر خافیة عن الأنظار.

وقیل: إنّها لمن سیکون له نظر فی یوم القیامة، لأنّ الآیة 124 من سورة طه قد صرّحت بأنّ البعض سیحشر أعمى: (ونحشره یوم القیامة أعمى)، ویعتمد أکثر المفسّرین على التّفسیر الأوّل لمناسبته للمقام، لأنّ رؤیة جهنّم من قبل العاصین ستکون أکثر إیلاماً لهم، إضافة إلى أنّ العمى المشار إلیه، ربّما یکون فی موقف معین من مواقف یوم القیامة، ولیس دائم(2).

وفی الآیات الثلاثة التالیة، یشیر القرآن إلى حال المجرمین والطغاة یوم القیامة: (فأمّا مَن طغى * وآثر الحیاة الدنیا * فإنّ الجحیم هی المأوى)(3).

والآیة الاُولى تشیر إلى فساد عقائد الطغاة، لأنّ الطغیان ینشأ من الغرور، والغرور من نتائج عدم معرفة الباری جّل شأنه.

وبمعرفة عظمة وجلال اللّه یتصاغر الإنسان ویتصاغر حتى یکاد لا یرى لنفسه أثراً، وعندها سوف لن تزل قدمه عن جادة العبودیة الحقة، ما دام سلوکه یصب فی رافد معرفة اللّه.

والآیة الثانیة تشیر إلى فسادهم العملی، لأنّ الطغیان یوقع الإنسان فی شراک اللذائذ الوقتیة الفانیة ذروة الطموح ومنتهى الأمل، فینساق واهماً لأن یجعلها فوق کلّ شیء!

والأمران فی واقعهما کالعلة والمعلول، فالطغیان وفساد العقیدة مفتاح فساد العمل وحبّ الدنیا المفرط، ولا یجران إلاّ إلى سوء عقبى الدار، نار جهنّم خالدین فیها أبداً.

وعن أمیر المؤمنین علی(علیه السلام)، أنّه قال: «ومَنْ طغى ضل على عمل بلا حجّة»(4)، فالغرور یُرى صاحبه الهوى حقّ على الرغم من عدم امتلاکه الدلیل أو الحجّة، وبالرغم من مخالفة المنطق له!.

ویأتی الدور فی الآیتین التالیتین لوصف أهل الجنّة: (وأمّا مَنْ خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى * فإنّ الجنّة هی المأوى).

فالشرط الأوّل للحصول على نعم الجنّة والإستقرار بها هو الخوف من اللّه من خلال معرفته (معرفة اللّه والخوف من التمرد والعصیان على أوامره)، والشرط الثانی هو ثمرة ونتیجة الشرط الأوّل أی الخوف والمعرفة ویتمثل فی السیطرة على هوى النفس وکبح جماحها، فهوى النفس من أقبح الأصنام المعبودة من دون اللّه، لأنّه المنفذ الرئیسی لدخول معترک الذنوب والمفاسد، ولذا فـ «أبغض إله عُبِدَ على وجه الأرض: الهوى».(5)

وهوى النفس هو الطابور الخامس فی قلب الإنسان، نعم... فالشیطان الخارجی لا یتمکن من النفوذ إلى داخل الإنسان ما لم یوافقه الشیطان الداخلی فی منحاه، ویفتح له أبواب الدخول، کما تشیر إلى ذلک الآیة 42 من سورة الحجر: (إنّ عبادی لیس لک علیهم سلطان إلاّ مَن اتبعک من الغاوین).


1. یقول بعض المفسّرین، إنّ جواب الشرط فی «إذا» الشرطیة، یأتی فی الآیات (فأمّا مَن طغى... وأمّا مَن خاف مقام ربّه...) ولکن الأفضل أن نقول: إنّ الجزاء محذوف یدل علیه ما فی الآیات التالیة، والتقدیر: (فإذا جاءت الطامة الکبرى، یجز کلّ إنسان بما عمل)، وقیل: یستفاد جزاء الشرط من (یوم یتذکر الإنسان) ـ ولکنّه بعید.
2. لزیادة التوضیح، راجع ذیل الآیة 124 من سورة طه.
3. تقدیر الآیة الثالثة مع محذوفها: (هی المأوى له) أو(هی مأواه)، وحذف الضمیر لوضوحه.
4. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 506، ح 43.
5. شرح اسماء الحسنى لملاّ هادی السبزواری، ج 1، ص 27.
1ـ مقام الرّب؟سورة النّازعات / الآیة 34 ـ 41
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma