خواء خطط الأعداء

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
محتوى السّورةسورة الطّارق / الآیة 11 ـ 17

بعد أن تضمّنت الآیات السابقة استدلالاً على المعاد، بطریق توجیه الإنسان إلى بدایة خلقه، تعود هذه الآیات إلى المعاد مرّة اُخرى، لتشیر إلى بعض الأدلة الاُخرى علیه فتقول: (والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع * إنّه لقول فصل * وما هو بالهزل).

«الرجع»: من (الرجوع)، بمعنى العود، ویطلق على الأمطار اسم (الرجع) لأنّها تبدأ من میاه الأرض والبحار، ثمّ تعود إلیها تارة اُخرى عن طریق الغیوم، أو لأنّ هطول المطر یکون فی فواصل زمنیة مختلفة.

ویسمّى الغدیر رجعاً... إمّا للمطر الذی فیه، وإمّا لتراجع أمواجه، وتردده فی مکانه(1).

«الصدع»: هو الشق فی الأجسام الصلبة.

وبملاحظة معنى «الرجع» فی الآیة السابقة، نصل إلى أنّ مراد الآیة بالصدع هو شق الأرض الیابسة بالأمطار، وخروج النباتات منها.

فالقسمان یشیران إلى إحیاء الأراضی المیتة بالأمطار، وهذا ما تکرر ذکره فی القرآن الکریم کدلیل على إمکانیة المعاد، کما فی قوله تعالى فی الآیة 11 من سورة «ق»: (وأحیینا به بلدة میتاً کذلک الخروج).

وهنا تتجسد بلاغة الاُسلوب القرآنی، من خلال ربطه الدقیق فیما بین ما یقسم به وما یقسم له.

وبعبارة اُخرى، فالسّورة قد استندت إلى المقارنة فیما بین خلق الإنسان من نطفة وبین إحیاء الأرض المیتة بالأمطار، فی استدلالها، وجاء شبیه هذا الاستدلال فی الآیة 5 من سورة الحج: (یا أیّها النّاس إنّ کنتم فی ریب من البعث فإنّا خلقناکم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ... وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا علیها الماء اهتزت وربت وأنبتت من کلّ زوج بهیج).

وقیل أیضاً: إنّ الآیة: (والسماء ذات الرجع) تشیر إلى دوران الکواکب فی مسارات معینة، کدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، وحرکة الکواکب السیّارة للمنظومة الشمسیة، وکذلک شروق وغروب الشمس والقمر والنجوم، حیث إنّ کلّ هذه الحرکات تتضمّن الرجوع والعودة.

وهذا الرجوع علامة لرجوع النّاس العام إلى الحیاة.

ولکن من خلال ما تقدم یظهر لنا أنّ التّفسیر الأوّل أنسب وأقرب لقرائن السّورة، حیث إنّه أشار إلى مسألة شقّ الأرض مع أدلة المعاد.

«القول الفصل»: هو القول أو الحدیث الذی یفرق بین الحق والباطل، وقیل: هو فی الآیة یشیر إلى المعاد، بقرینة الآیات السابقة، وقیل أیضاً: هو إشارة إلى القرآن، وهناک بعض الرّوایات عن أهل البیت(علیهم السلام) تؤید هذا المعنى. وقد ورد التعبیر عن القیامة بـ «یوم الفصل» فی الکثیر من الآیات القرآنیة.

ویحتمل أیضاً أن یکون المراد هو الإشارة إلى الآیات القرآنیة والتی تتضمّن الحدیث عن المعاد، وبذلک یتمّ الجمع بین التّفسیرین.

فقد روی عن الإمام علی(علیه السلام): «إنّ رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) قال: «إنّها ستکون فتنة!» قلت: فما المخرج منها یا رسول اللّه؟!

قال: «کتاب اللّه فیه نبأ من قبلکم، وخبر ما بعدکم، وحکم ما بینکم، هو الفصل لیس بالهزل مَن ترکه من جبار قصمه اللّه، ومَن ابتغى الهُدى فی غیره أضله اللّه».(2)

وتسلّی الآیات التالیة قلب النبیّ(صلى الله علیه وآله) والمؤمنین من جهة، وتتوعد أعداء الإسلام من جهة اُخرى: (إنّهم یکیدون کید)، فالکفار یخططون من جهة، وأنا أخطط لإحباط تلک الخطط من جهة اُخرى... (وأکید کید).

(فمهّل الکافرین أمهلهم روید)، حتى یروا عاقبتهم!

نعم، إنّهم دوماً یکیدون فی حربک والحرب ضد دینک.

فتارة بالإستهزاء...

واُخرى بالحصار الإقتصادی...

ومرّة بتعذیب المؤمنین...

واُخرى یقولون: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فیه کی تنتصروا...

ویقولون عنک: ساحراً، کاهناً، مجنوناً...

ویمارسون النفاق: بأن یؤمنوا بک صباحاً ویکفروا مساءً، کی یؤثّروا على البسطاء...

ویقولون لک: أبعد الفقراء والمستضعفین عنک حتى نتّبعک

وأحیاناً یقولون: آمن ببعض آلهتنا حتى نؤمن بک...

ویکیدون لإبعادک وقتلک...

والخلاصة: فشغلهم الشاغل هو: التخطیط المستمر لمواجهتک، لتفریق مَن آمن بک، والضغط على أصحابک، أو قتلک لإطفاء نور اللّه بذلک! ولا یعلمون بأنّ اللّه متمُّ نوره ولو کرهوا.

«الکید»(3): ضرب من الإحتیال والتغلب على المشکل بتهیئة المقدمات، وفیه جنبة خفیة، وقد یکون مذموماً وممدوحاً کقوله تعالى: (کذلک کدنا لیوسف)(4)، وإن کان یستعمل فی المذموم أکثر.

ومراد الآیة هو کید الأعداء کما هو واضح، وقد تعرضنا لبعض نماذجه أعلاه، فیما تناولت هذا الموضوع آیات قرآنیة کثیرة.

ولکن.. ما المقصود بالکید الإلهی؟

قیل: إنّه الإمهال الذی ینتهی بالأخذ الشدید والعذاب الألیم.

وقیل أیضاً: إنّه نفس العذاب الذی ینتظرهم.

والأنسب أن یقال: إنّه تلک الألطاف الإلهیة التی غمرت النبیّ(صلى الله علیه وآله) ومَن معه من المؤمنین، وما کان یصیب أعداء الإسلام من فشل مخططاتهم وخیبة مساعیهم.

ویحمل التاریخ الإسلامی بین طیاته شواهد کثیرة على هذا المعنى.

وتأمر الآیات النبیّ(صلى الله علیه وآله) ـ على الأخص ـ بأن یمهلهم ولا یتعجل على عذابهم، وأنّ یتمّ الحجّة علیهم، فعسى أن یعود قسم منهم إلى رشده ویسلم وأساساً فالعجلة لمن یخاف الفوت، وهذا ما لا یصدق على القاهر القادر سبحانه وتعالى.

والملاحظ فی الآیة أنّها شرعت بـ (فمهّل الکافرین) فیما أکّدت ذلک بقولها «أمهلهم»، فالأوّل من باب (التفعیل)، والثّانی من باب (الأفعال) وقد جاء للتأکید دون تکرار اللفظ بعینه.

«رویداً»: من (الرود) ـ على وزن عود ـ وهو التردد فی طلب الشیء یرفق، ولها هنا معنى مصدریاً مع تصغیر، أی أمهلهم مهلة صغیرة(5).

وبهذا یوصی اللّه عزّوجلّ نبیّه الکریم(صلى الله علیه وآله) فی هذه الجملة المختصرة ثلاث مرات بامهال ومداراة الکافرین وهذا فی الحقیقة درس للمسلمین فی الکیفیة التی ینبغی العمل بها عند مواجهة أعداءهم، وخصوصاً ماإذا کانوا أعداءً أقویاء وشرسین، فلابدّ من الصبر والتأنی والدقّة فی حساب خطوات المواجهة، وینبغی عدم التسرع فی العمل، وکذا عدم تنفیذ القرارات غیر المدروسة.

مضافاً إلى التبلیغ والدعوة إلى الحق لابدّ فیها من تجنب العجلة والتسرّع حتى تتاح الفرصة لکلّ من یمکن هدیه، فلابدّ من تفهیم الإسلام بکل لطف وسعة صدر مع الدلیل القاطع، وبهذا تتمّ الحجّة على الآخرین.

أمّا السبب فی طلب الإمهال القلیل، ففیه احتمالین:

الأوّل: کان الإمهال لحین حدوث معرکة بدر، حیث أحرز المسلمون فیها نصراً مبیناً على الکفّار بعد مدّة قلیلة من نزول الآیة.

ومعرکة بدر أوّل ضربة موجعة تلقاها المشرکون من المسلمین، ثمّ تلتها ضربات فی معرکة الأحزاب ومعرکة خیبر وغیرها، ممّا أفشل مخططات الکفرة لدحر الإسلام.

وحینما وافى عمر النبیّ(صلى الله علیه وآله) الأجل، کان نور الإسلام قد غطى کلّ أرجاء شبه الجزیرة العربیة، ولم یمض قرن واحد على عمر الرسالة الخاتمة حتى تفیئت معظم أجزاء العالم تحت ظله الآمن.

الثّانی: لأنّ عذاب القیامة سیقع حتماً، وکلّ حتمی الوقوع قریب.

وعلى أیّة حال، فقد بدأت السّورة بالقسم بالسماء والنجوم، وانتهت بتهدید الکافرین والمتآمرین على الحقّ، وفیما بین البدء والانتهاء، تعرضت إلى بعض أدلة المعاد باُسلوب رائع ومؤثر، وإلى بیان شیّق للرقابة الإلهیّة على أعمال الإنسان، بالإضافة إلى ما قدمته من تسلیة لترطیب خواطر المؤمنین، بلسان فی غایة اللطف البلیغ.

اللّهم، ردّ کید أعداء دینک، ولا سیما المتأخرین منهم الذین عاثوا فی الأرض فساداً، واقطع دابر المتجبرین...

اللّهم، سدّ عوراتنا یوم تبلى السرائر...

اللّهم، لا قوّة لنا ولا ناصر سواک، فلا تکلنا لغیرک...

آمین یا ربّ العالمین

نهایة سورة الطّارق


1. مفردات الراغب، مادة (رجع).
2. تفسیر روح المعانی، ج 3، ص 100; وتفسیر المراغی، ج 30، ص 118; نقلاً عن صحیح الترمذی وسنن الدارمی.
3. مفردات الراغب.
4. یوسف، 76.
5. فـ «رویداً» فی محل مفعول مطلق، والمعنى: (أمهلهم إمهالاً قلیل)، أمّا ما قیل من کونها تحمل معنى الأمر، فهو بعید، لأنّ ذلک سیستلزم للأیة ثلاثة أوامر.
ومع أنّ «رویداً» جاءت بمعنى الأمر، وعلى صیغة اسم فعل، لکن الأنسب لها فی هذا الموضع أن تکون منصوبة کمفعول مطلق.
محتوى السّورةسورة الطّارق / الآیة 11 ـ 17
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma