شرح الحدیث الشریف: «حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة»

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
محتوى السّورةاُسس دعوة الأنبیاء جمیع(علیهم السلام)

لما کان تفضیل الآخرة على الدنیا من الاُمور الجلیّة لدى المؤمنین، فکیف تصیب الغفلة الإنسان المؤمن فیقع فی فخ الخطایا والذنوب؟!

ویکمن الجواب فی جملة واحدة: عند غلبة الشهوات على وجود الإنسان ومصدر قوّة الشهوات هو: حبّ الدنیا.

یتضمّن حبّ الدنیا: حبّ المال، المقام، الشهوة الجنسیة، حبّ التفوق، حبّ الذات، وحبّ الإنتقام...الخ.. وإذا ما غلب هذا الحبّ على وجود الإنسان فسیهتز کیانه بإعصار شدید ولا تستطیع کلّ معارف وعلوم وعقائد الإنسان من أن تقف أمام جموحه، حتى یصل الإنسان إلى مرحلة فقدان قدرة التشخیص، فیقدم بالنتیجة الدنیا على الآخرة.

فـ «حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة» أمر محسوس ومجرّب فی حیاتنا وحیاة الآخرین وهو دائم الوقوع أمام ناظرینا.

وعلیه... فلا سبیل لقطع جذور المعاصی إلاّ بإخراج حبّ الدنیا وعشقها من القلب.

ینبغی علینا أن ننظر إلى الدنیا بواقعیة وعقلائیة، فالدنیا لیست أکثر من مرحلة إنتقالیة أو معبر أو مزرعة الآخرة، فما یبذر الیوم یحصد غداً، ولابدّ للإنسان العاقل أن یختار الطریق الذی یوصله إلى الهدف المنشود فیما إذا وقف بین مفترق طریقین، واحد یؤدّی للحصول على متاع الدنیا الزائل، والآخر یوصل إلى نیل رضا الباری سبحانه وتعالى.

ونظرة ـ وإن کانت سریعة ـ إلى ملفات الجرائم سترینا واقعیة الحدیث المذکور، وإذا ما تأملنا فی بواعثها الحقیقیة، فسیتوضح الحدیث أکثر فأکثر.

ولا تخرج علل الحروب وسفک الدماء (حتى بین الاخوة والأصدقاء) عن هذا الإطار المهلک (حبّ الدنیا).

فکیف النجاة، وکلنا أبناء هذه الدنیا و«لا یلام الولد على حبّه لاُمه» کما جاء عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام)؟!

إنّ زورق النجاة من تلاطم أمواج وهیجان حبّ الدنیا لا یُصنع إلاّ بالتربیة الفکریة والعقائدیة، ومن ثمّ تهذیب النفس ومجاهدتها، بالإضافة إلى الاعتبار من عواقب عبدة الدنیا.

فما کانت عاقبة الفراعنة مع کلّ ما کان لهم من قوّة؟! وأین هو الآن قارون وکنوزه التی لا یقدر مجموعة من الرجال على حمل مفاتیحها إلاّ بشقّ الأنفس؟! وحتى القوى المتسلطة فی عصرنا المعاش، لیس لهم سوى فترة زمنیة محدودة، فترى عروشها تتهاوى، وهم بین فارّ مختبىء فی أقذر المکانات، وبین مَن سیلفه التراب، لینتقل بعدها إلى العالم الذی کان یکذّب وجوده... أو لیس ذلک أفضل واعظ لنا؟!

ونختم هذا البحث بحدیث مهم عن الإمام علی بن الحسین زین العابدین(علیهما السلام)، حیث سئل عن أیّ الأعمال أفضل عند اللّه؟

قال: «ما من عمل بعد معرفة اللّه عزّوجلّ ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنیا، فإنّ لذلک لشعباً کثیرة، وللمعاصی شعب.

فأوّل ما عصی اللّه به «الکبر»، معصیة إبلیس حین أبى واستکبر وکان من الکافرین، ثمّ «الحرص» وهی معصیة آدم وحواء حین قال اللّه عزّوجلّ لهما: (کُلا من حیث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمین) فأخذا ما لا حاجة بهما إلیه، فدخل ذلک على ذریتهما إلى یوم القیامة، وذلک إنّ أکثر ما یطلب ابن آدم ما لا حاجة به إلیه، ثمّ «الحسد» وهی معصیة ابن آدم

حیث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلک حبّ النساء، وحبّ الدنی(1)، وحبّ الرئاسة، وحبّ الراحة، وحبّ الکلام، وحبّ العلو والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن کلّهن فی حبّ الدنیا، فقال الأنبیاء والعلماء بعد ذلک: حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة»(2).

اللّهم، اخرج حبّ الدنیا من قلوبنا..

اللّهم، خذ بأیدینا إلى صراطک القویم، وأبلغنا مغرمنا..

اللّهم، إنّک تعلم الجهر وما یخفى، فاغفر لنا ما ظهر من ذنوبنا وما خفی...

آمین یا ربّ العالمین

نهایة سورة الأعلى


1. یبدو أنّ «حبّ الدنیا» هنا، بمعنى (حبّ البقاء فی الدنی)، باعتباره کأحد الشعب السبعة، ویبدو أنّه یرادف (طول الأمل).
2. أصول الکافی، ج 2، ص 239، باب (حبّ الدنیا والحرص علیها، ح 8)، وفی هذا الباب توجد روایة أخرى بهذا الشأن.
محتوى السّورةاُسس دعوة الأنبیاء جمیع(علیهم السلام)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma