نعمة العین واللسان والهدایة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
1ـ عجائب العینسورة البلد / الآیة 8 ـ 10

استتباعاً للآیات السابقة وما دار فیها من حدیث عن الغرور والغفلة فی حالات الطاغین، تذکر هذه الآیات الکریمة جانباً من أهم ما أنعم اللّه به على الإنسان من نعم مادیة ومعنویة... کی تکسر فیه روح الغرور، وتدفعه إلى التفکیر فی خالق هذه النعم، وتحرّک روح الشکر فی نفس الکائن البشری ومن ثمّ تسوقه إلى معرفة الخالق:

(ألم نجعل له عینین * ولساناً وشفتین * وهدیناه النجدین).

فی هذه العبارات القصیرة إشارة إلى ثلاث نعم مادیة هامّة ونعمة معنویة کبرى هی بمجموعها من أعظم النعم الإلهیّة: نعمة العین واللسان والشفة من جانب، ونعمة الهدایة ومعرفة الخیر والشرّ من جانب آخر.

«النجد»: فی الأصل یعنی المکان المرتفع، ویقابلها «تهامة» وهی الأرض المنخفضة، وهنا کنایة عن الخیر والشرّ وعن سیر السعادة والشقاء(1).

ویکفی أن نذکر فی النعم السابقة أنّ:

«العین»: أهم وسیلة لإرتباط الإنسان بالعالم الخارجی، عجائب العین تدفع الإنسان حقّاً إلى الخضوع أمام خالقه، الطبقات السبع للعین وهی المسماة بالقرنیة، والمشیمیة، والعنبیة، والجلدیة، والزلالیة، والزجاجیة، والشبکیة، لکلّ منها ترکیب عجیب دقیق مدهش، روعیت فیها القوانین الفزیائیة والکیمیاویة المتعلقة بالنور وانعکاساته على أدق وجه، حتى إن أعقد أجهزة التصویر تعتبر تافهة مقارنة بهذا العضو.

لو لم یکن فی الکون سوى الإنسان، ولم یکن من وجود الإنسان سوى العین، لکانت مطالعة هذا العضو کافیة وحدها لمعرفة علم اللّه الواسع وقدرته الجبّارة جلّ وعلا.

وأمّا «اللسان»، فهو أهم وسائل إرتباط الإنسان بغیره من أبناء جلدته، ونقل المعلومات وتبادلها بین أبناء البشر فی الجیل الواحد وفی الأجیال المتعاقبة، وبدون هذه الوسیلة الهامّة من وسائل الإرتباط ما کان بامکان الإنسان اطلاقاً أن یرتقی إلى ما ارتقى إلیه فی العلم والمعرفة.

و«الشفتان»: تلعبان أوّلاً دوراً هامّاً فی النطق، إذ أنّ الشفتین مخرج لکثیر من الحروف، والشفتان تقومان بدور أیضاً فی هضم الطعام والمحافظة على رطوبة الفم، وشرب الماء، ترى لو انعدمت الشفتان فماذا کان وضع الإنسان فی أکله وشربه ونطقه والمحافظة على ماء فمه وحتى جمال وجهه وشکله؟!

إنّ درک الحقائق یتمّ أوّلاً بالعین واللسان... ولذلک تقدم ذکرهما فی السیاق... ثمّ تبع ذلک ذکر الهدایة، الهدایة العقلیة والفطریة (وهدیناه النجدین)، ویشمل التعبیر أیضاً «الهدایة التشریعیة» التی ینهض بمسؤولیتها الأنبیاء والأولیاء.

نعم... لقد أنعم اللّه على الإنسان بالبصر والبصیرة، وأنعم علیه بهدایة الإرشاد إلى الطریق والتحذیر من مغبة الإنحراف عنه، کی تکتمل الحجّة على الإنسان.

ومع کلّ هذه النعم، نعم الهدایة، لو انحرف الإنسان عن جادة الحقّ، فلا یلومنّ إلاّ نفسه.

عبارة (وهدیناه النجدین) إضافة لما لها من مدلول على مسألة الإختیار وحریة الإنسان، تدلّ أیضاً على ما یتطلبه طریق الخیر من جهد وعناء، لأنّ «النجد» مکان مرتفع وتسلق المکان المرتفع یتطلب کداً وسعیاً وجهداً، غیر أنّ طریق الشرّ له مشاکله ومصاعبه أیضاً، فأولى بالإنسان أن یبذل الجهد والسعی على طریق الخیر.

مع ذلک، فانتخاب الطریق بید الإنسان... الإنسان هو الذی یتحکم فی عینه ولسانه فیم یستعملها... فی الحلال أو الحرام، وهو الذی یختار إحدى الجادتین «الخیر» أو «الشر».

وفی الحدیث القدسی أن اللّه سبحانه یخاطب أبناء آدم یقول: «یا ابن آدم إنّ نازعک لسانک فیما حرمت علیک فقد أعنتک علیه بطبقتین فاطبق، وإن نازعک بصرک إلى بعض ما حرمت علیک فقد أعنتک علیه بطبقتین فاطبق...»(2).

فاللّه سبحانه منح هذه النعم، ومنح وسائل السیطرة علیها، وتلک من الألطاف الإلهیة الکبرى.

والملفت للنظر أنّ الآیات التی نحن بصددها أشارت إلى الشفتین بعد اللسان، ولکن لم تشر إلى الجفنین بعد ذکر العین، ولعل ذلک یعود إلى أهمّیة الشفتین فی الکلام والطعام وغیرها من الاُمور أهمیة تفوق بکثیر أهمیة الجفنین، وقد یعود أیضاً إلى أن السیطرة على اللسان أهم وأخطر بکثیر من السیطرة على العین.


1. روی عن أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) أنّه قیل له: إنّ اُناساً یقولون فی قوله (وهدیناه النجدین) أنّهما الثدیان (أی ثدیا الاُم) فقال: «لا، هما الخیر والشرّ» تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیات مورد البحث، وضمناً التعبیر بـ «نجد» على الخیر من أجل عظمته وفی مورد الشرّ من باب التغلیب.2. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 581.
1ـ عجائب العینسورة البلد / الآیة 8 ـ 10
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma