توصیات الآیة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
آیـات الولایـة فی القرآن
آیة الصادقین 5 غزوة تبوک

 1 ـ إنّ أهم توصیة فی الآیة الشریفة هی أن المسلمین یجب أن یذعنوا تماماً فی مقابل الأحکام الإسلامیة ویعملوا بالتکالیف الإلهیة ویطیعوا الله ورسوله بدون سؤال وتردید، ولا ینبغی لهم أن یختاروا ما هو الملائم لمزاجهم والمتناغم مع أهواههم من هذه الأحکام لیعملوا به ویترکوا الباقی بل علیهم أن یتحرکوا فی خط الطاعة والرسالة ولو کان على خلاف میولهم ورغباتهم فإنّ مثل هذا الشخص هو المؤمن الحقیقی والمسلم الواقعی.

 ویحدّثنا القرآن الکریم بعبارة شیقة فی الآیة 65 من سورة النساء فی هذا الصدد :

 (فَلا وَرَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ حَتّى یُحَکِّموکَ فیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَیْتَ وَیُسَلِّمُوا تَسْلِیماً).

 هذه الآیة الشریفة بإمکانها أن تکون معیاراً جیداً ودقیقاً لتشخیص مقدار حالة التسلیم والإذعان فی واقع الإنسان، وطبقاً لهذه الآیة الشریفة فإن المسلم الواقعی هو الذی یتحرک من موقع التسلیم لحکم النبی حتّى وإن کان على خلاف مصلحته ورغبته فلا یکتفی فقط بعدم إظهار الإنزعاج والتبرم بل ینبغی أن یشعر بالرضا والتسلیم فی قلبه وأعماق نفسه، أی أنه یسلم نفسه لله تعالى فی العمل والقول والعواطف القلبیة وإلاّ فإنه لو أحسّ بالتبرم فی نفسه من أحکام الإسلام فإن ذلک یدلّ على أنه لن یحقق الإسلام الواقعی فی وجوده، لأن المسلم الواقعی یجب أن یرضى بما رضی به الله ورسوله لا بما ترضى به نفسه وأهواءه.

 الإمام علی (علیه السلام) یقول فی حدیث جمیل :

 لاَنْسُبَنَّ الاِْسْلامَ نِسْبَةً لَمْ یَنْسُبْها أَحَدٌ قَبْلی : الاْسْلامُ هُوَ التَّسْلِیمُ، وَالتَّسْلِیمُ هُوَ الْیَقینُ، وَالْیقینُ هُوَ التَّصْدِیقُ، وَالتَّصْدِیقُ هُوَ الاْقرارُ، والاْقرارُ هُوَ الأَداءُ، وَالأَداءُ هُوَ الْعَمَلُ.(1)

 فطبقاً لهذا الحدیث الشریف فإنّ الإسلام یبدأ من واقع الإنسان وقلبه ثمّ یطوی المراحل المختلفة لیصل إلى مرحلة العمل والممارسة، أی أن الإسلام بدون الإعتقاد القلبی وبمجرد أداء بعض التکالیف والعبادات لا یکفی فی تحقق الغرض کما أن الإعتقادات لوحدها لا تکفی من دون أداء العبادات والتکالیف العملیة وعلیه فإنّ الإسلام هو مجموعة من الإعتقادات والأعمال الأخلاقیة والدینیة.

 2 ـ کلمة «أمر» تدلّ على مفهوم إیجابی واسع، ففی هذه الکلمة تکمن القدرة والقوّة، وهذا یعنی أن «اُولوا الأمر» یجب أن یتحرکوا مع الناس من موقع القدرة والقوّة والحکومة لا أنهم یطلبون هذا المقام ویمارسون نشاطاتهم بالتوسل وحالة الإستعطاف من الناس، وهذا المعنى وارد أیضاً فی کلمة «الأمر بالمعروف» فإنّ الأمر هنا یجب أن یکون من موقع القدرة ولکن لابدّ من الإلتفات إلى أن موقع القدرة لا یتنافى مع استخدام اُسلوب المرونة والمداراة مع الناس لتحقیق المعروف وکما ورد فی القصة المعروفة عن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) حیث تقول الروایة : «ومن حلمه ما روی عن الکامل للمبرّد وغیره أنّ شامیاً رآه راکباً فجعل یلعنه والحسن لا یردّ، فلما فرغ أقبل الحسن فسلّم علیه وضحک فقال : أیها الشیخ أظنک غریباً ولعلّک تشبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناک، ولو سألتنا أعطیناک، ولو استرشدتنا أرشدناک، ولو استحملتنا أحملناک، وإن کنت جائعاً أشبعناک، وإن کنت عریاناً کسوناک، وإن کنت محتاجاً أغنیناک، وان کنت طریداً آویناک، وإن کان لک حاجة قضیناها لک، فلو حرّکت رحلک إلینا وکنت ضیفنا إلى وقت ارتحالک کان أعود علیک لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عریضاً ومالاً کثیراً. فلمّا سمع الرجل کلامه بکى، ثمّ قال : أشهد انّک خلیفة الله فی أرضه، الله أعلم حیث یجعل رسالته، وکنت أنت وأبوک أبغض خلق الله إلیّ والآن أنت أحبّ خلق الله إلیّ، وحوّل رحله إلیه وکان ضیفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبّتهم»(2).

 القارئ المحترم یدرک جیداً أن الفاصلة بین أفضل الناس على الأرض وأشر الناس کم هی کبیرة، ولکن الإمام الحسن (علیه السلام) باتخاذه هذا الاُسلوب السلیم والأخلاقی فی عملیة الأمر بالمعروف قد قطع کلّ هذه المسافة الشاسعة.

 ونحن أیضاً یجب علینا الإستفادة من هذا الدرس الکبیر والإلتفات إلى أن المخالفین على قسمین :

 1 ـ الأشخاص الذین وقعوا تحت تأثیر الإعلام المسموم والدعایات المغرضة فصدرت منهم ممارسات شائنة وکلمات لامسؤولة، فهؤلاء یجب التعامل معهم بالاُسلوب اللین لهدایتهم کما هو الحال فی هذا الرجل الشامی الذی وقع تحت تأثیر دعایات بنی اُمیة المضللة وأصبح من أعداء أهل البیت (علیهم السلام)، وکما رأینا أن الإمام الحسن قد جذبه إلى الحقّ وهداه إلى الدین بأخلاقه الحمیدة.

 2 ـ الأشرار المعاندون الذین یعاندون طریق الحقّ ویبغضون أهل الحقّ عن علم ودرایة، فهؤلاء لا معنى للتساهل والتسامح فی التعامل معهم بل ینبغی التعامل معهم من موقع القدرة والشدّة.

 إن معرفة الأشخاص وتشخیص هذین القسمین ثمّ التعامل مع کلّ طائفة بما ینبغی التعامل معها عمل دقیق ویستلزم الکثیر من الدقّة والتدبّر.

 ربنا ! وفقنا إلى نیل التسلیم الکامل فی مقابل أحکامک وأوامرک ووفقنا لأداء فریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر المقدسّة کما یرید منّا الإسلام.

 


1 . نهج البلاغة : الکلمات القصار، الکلمة 125.
2 . منتهى الآمال : ج 1، ص 417.

 

آیة الصادقین 5 غزوة تبوک
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma