سبیل بلوغ مقامات الصالحین

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
فصل فی أنّ الاخلاص أساس العملالقسم الثانی

یواصل الإمام(علیه السلام)

خطبته بعدد من الوصایا الأخلاقیة فیقول(علیه السلام): «فاحذروا من الله ما حذَّرکم من نفسه» ولعلّ العبارة إشارة إلى الآیة الشریفة:(فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُـخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِـیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یُصِـیبَهُمْ عَذابٌ أَلِـیمٌ)(1) أو إلى الآیة: (وَیُحَذِّرُکُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلى اللّهِ المَصِـیرُ)(2). ثم حثّ(علیه السلام) على خشیته وتقواه بحیث لا تکون هناک من حاجة لالتماس الأعذار الواهیة «واخشوه خشیة لیست بتعذیر»(3)، لأنّه العالم بباطن کل فرد وأسراره وأعذاره الصحیحة من السقیمة. جدیر بالذکر أنّ العبارة السابقة تحدثت عن الحذر من الله، ثم أُردفت بالحدیث عن الخشیة، وقد صرّح اللغوین أنّ الخشیة تتضمن الخوف المقرون بدرک العظمة، ومن هنا صرّح القرآن الکریم (إِنَّما یَخْشى اللّهَ مِنْ عِـبادِهِ العُلَماءُ)(4)، أمّا الحذر فیقال حین یحتاط الإنسان من خطر قطعی أو محتمل. ثم أشار(علیه السلام)فی وصیته الثالثة إلى الإخلاص فی النیّة وتنقیة الأعمال من الریاء والسمعة لأنَّ من عمل لله وشرک معه آخر وکله الله إلى ذلک الآخر وقال له خذ أجرک منه فانّک لم تعمل لی «واعملوا فی غیر ریاء ولا سمعة، فإنَّه من یعمل لغیر الله یکله الله لمن عمل له».

 

نعم خشیة الله وخشیة مقارفة الذنوب والمعاصی لا تکفی لوحدها، بل لابدّ من الإتیان بالأعمال الصالحة البعیدة عن کافة أشکال الریاء والسمعة، والریاء یعنی مراءاة الآخرین ولفت أنظارهم لما یقوم به الإنسان من أعمال، والسمعة أن یقوم بالعمل لله، إلاّ أنّه یسعى لإسماعه الآخرین، بحیث یجلب انتباههم إلیه، و إلاّ یفعل ذلک یسر لسماع الآخرین فیثنون علیه ویطرونه.

والمعروف بین العلماء أنّ السمعة لا تبطل العمل، إلاّ أنّها مذمومة خلقاً ومدعاة لانحطاط الإنسان الروحی والمعنوی، ولعلّها تؤدّی إلى زوال الأجر والثواب. وقد استدل الإمام(علیه السلام)فی تحذیره من السمعة والریاء بأنّ الله سبحانه لا یقبل إلاّ العمل الخالص لوجهه فإنّ شرک العبد معه أحد آخر وکله الله إلیه لیأخذ منه أجره، وبالطبع فإنّه لا یملک القدرة على إعطاءه الأجر والثواب. والعبارة هى مضمون حدیث قدسی معروف نقل عن رسول الله(صلى الله علیه وآله)أنّ الحق سبحانه قال: «أنا خیر شریک ومن أشرک معی شریکاً فی عمله، فهو لشریکی دونی، لأنی لا أقبل إلاّ ما خلص لی»(5).

ثم اختتم الإمام(علیه السلام) کلامه قائل: «نسأل الله منازل الشهداء ومعایشة السعداء ومرافقة الأنبیاء». حیث یهدف الإمام(علیه السلام) إلى تعریف الأُمّة بالقیم الإلهیة الحقّة من قبیل الشهادة ومرافقة الأنبیاء وهى الاُمور التی لا تنال بسهولة کما لا تمنح للإنسان بالمجان (ومن یطع الله وَمَنْ یُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَاُولـئِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِـیِّینَ وَالصِّـدِّیقِـینَ وَالشُّـهَداءِ وَالصّالِحِـینَ وَحَسُنَ أُولـئِکَ رَفِـیقاً * ذ لِکَ الفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَکَفى بِاللّهِ عَلِـیم)(6).

فالمراحل الثلاث ـ الشهادة والسعادة ورفقة الأنبیاء ـ التی وردت فی کلام الإمام(علیه السلام)یمکن أن تکون من قبیل العلّة والمعلول، فالشهادة سبب السعادة، والسعادة سبب مرافقة الأنبیاء. کما یمکن أن یکون الکلام إشارة لطیفة إلى حوادث المستقبل وشهادة الإمام(علیه السلام).


1. سورة النور / 63.
2. سورة آل عمران / 28.
3. «تعذیر» من مادة «عذر» وهنا بمعنى عدم العذر الصحیح.
4. سورة فاطر / 28.
5. منهاج البراعة 3 / 324 کما ورد هذا المضمون عن الإمام الصادق(علیه السلام) فی بحار الأنوار 67 / 243.
6. سورة النساء / 69 ـ 70.

 

فصل فی أنّ الاخلاص أساس العملالقسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma