السئم والملل

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
بنو فراس بن غنمالقسم الثالث

یتضرع الإمام (علیه السلام) فی آخر الخطبة إلى الله بقلب مفعم بالهم والحزن فیدعو على اُولئک الأتباع ، غیر أن دعائه علیهم یحمل تحذیراً جدیاً لمن کان له أدنى صحوة من ضمیر ، حیث یسعى الإمام (علیه السلام) عن هذا الطریق إلى تنبیه أهل الضلالة وإعادتهم إلى الصراط المستقیم ، فقال (علیه السلام): «اللّهم إنّی قد مللتهم وملونی وسئمتهم وسئمونی» ومن الطبیعی ألا یکون هناک من وقع لنصائح الإمام العادل والقائد الشجاع فی قلوب عبدة الدنیا والأهواء من أهل الجهل والعجز والذل إذا ما تباینت أهداف القائد ومبادئه وخلقه مع أهداف الرعیة وأخلاقها ، الأمر الذی یؤدی بالتالی إلى تعب الطرفین وسئم کل منهما الآخر. وإذا کان النبی (صلى الله علیه وآله) قد استطاع النهوض بزعامة الأقوام الجاهلیة ، فانّما ذلک لأنّهم أقروا بأهدافه ومبادئه فی التربیة وقد کیفوا أنفسهم مع سننه وخلقه. ومن هنا فانّ الأنبیاء الذین لم یوفقوا فی هذا الأمر ملوا أتباعهم ، کما أنّ أقوامهم هى الاُخرى لم تکن تطیق تحملهم. ولا یفوتنا هنا ضیق ذرع قوم لوط بنبیهم لطهارته وعفته (أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ یَتَطَـهَّرُونَ).(1)

ثم دعا علیهم قائل: «فابدلنی بهم خیراً منهم ، وأبدلهم بی شراً منی».

فهم لیسوا أتباعاً جدیرین بهذا الإمام ، ولم یعد إماماً مناسباً لهم ، فالحکمة الإلهیة تقتضی أن یخرجوا مسودی الوجوه من هذا الامتحان بعد أن تسلب منهم هذه النعمة الإلهیة فیعشوا أنواع الهوان والذل. وما أسرع ما استجیب دعاء الإمام (علیه السلام) ، فقد تسلط علیهم بنو امیة لیرتکبوا بحقهم ما قل نظیره أو انعدم فی التأریخ والعجیب ماورد فی بعض التواریخ الإسلامیة من أنّ الحجاج قد ولد(2) آنذاک ، وبالطبع فانّ أهل العراق والکوفة قد دفعوا ثمن جرائمهم وتخاذلهم قبل ذلک ، إلاّ أنّها بلغت ذروتها على عهد الحجاج.

طبعاً لیس المراد بالعبارة «أبدلم بی شراً منی» أنّی سیء ولکن سلط علیهم من هو أسوأ منّی. بل هى مقارنة تطلق على الخیر المطلق والشر المطلق ، فقد جاء فی القرآن سورة الفرقان بعد أنّ أشار إلى شدة عذاب جهنم قائلاً: (قُلْ أَذ لِکَ خَیْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخُلْدِ الَّتِی وُعِدَ المُـتَّقُونَ). وبعبارة اُخرى لم یکن أهل العراق والکوفة آنذاک أخیار لیسأل الإمام (علیه السلام)الله أخیر منهم ، ولا الإمام (علیه السلام) ـ والعیاذ بالله ـ کان سیئاً لیسلط الله علیهم من هو أسوأ منه ، ففی مثل هذه الموارد تفقد صیغة أفعل التفضیل مفهومها العادی وترد للمقارنة بین شیئین متضادین. ویبدو أن هذا الدعاء شبیه الدعاء الذی ابتهل به نبی الله نوح (علیه السلام) على قومه بعد أن یئس من صلاحهم (رَبِّ لا تَـذَرْ عَلى الأَرْضِ مِنَ الکافِرِینَ دَیّار)(3). ثم قال (علیه السلام): «اللّهم مث قلوبهم کما یماث الملح فی الماء». لعل المراد بموث قلوبهم (بمعنى ذوبانها) هو هجوم الهموم والغموم علیها بحیث تجرح عواطفهم الإنسانیة إلى درجة یقال ذاب القلب ، فقد ورد شبیه هذا المعنى فی خطبة الجهاد رقم 27 إذ قال (علیه السلام): «والله ، یمیت القلب ویجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقکم عن حقکم». ومن الواضح أنّ المراد بذوبان القلب ضیاع العقل والفطنة والدرایة والحکمة. فمفهوم العبارة: خذ عقولهم وحکمتهم لهذا النفاق والعصیان فیعیشوا الحیرة والاضطراب فی حیاتهم. وقد ورد التعبیر عن القلب بمعنى العقل والحکمة أو وعاء العقل والحکمة فی عدة آیات وروایات ، ومن ذلک ماورد فی الآیة 25 من سورة الانعام: (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً أَنْ یَفْقَهُوهُ). والواقع أن من أعظم العقوبات الإلهیة ـ التی أوردها القرآن الکریم والروایات بالنسبة للأفراد من أهل النفاق والمعصیة ـ هى الا یرى الإنسان الحقائق ولا یدرکها کما هى ، فیعیش القلق والحیرة والضلال. ثم یختتم الإمام (علیه السلام) خطبته بالقول: «أما ـ والله ـ لوددت أن لی بکم ألف فارس من بنی فراس بن غنم. ثم تمثل بقول الشاعر:

هنالک لو دعوت أتاک منهم *** فوارس مثل أرمیة الحمیم

ثم نزل الإمام (علیه السلام) من المنبر:

قال السید الشریف: أقول: «الارمیة» جمع «رمى» وهو السحاب والحمیم ، هاهنا وقت الصیف. وإنّما خص الشاعر سحاب الصیف بالذکر لأنه أشد جفولاً ولا أسرع خفوفاً; لأنّه لا ماء فیه. وإنّما یکون السحاب ثقیل السیر لامتلائه بالماء ، وذلک لایکون فی الأکثر إلاّ زمان الشتاء ، وإنّما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة إذا دعوا ، ولا إغاثة إذا استغیثوا ، والدلیل على ذلک قوله: هنالک لو دعوت أتاک منهم.


1. سورة الأعراف / 82 .
2. منهاج البراعة 3 / 358. صرح المسعودی ـ من المؤرخین المشهورین ـ أنّ الحجاج ولد عام 41 هـ وتوفی عام 95 وله من العمر 54 سنة.
3. سورة نوح / 26.

 

بنو فراس بن غنمالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma