یختتم الإمام (علیه السلام) خطبته بصب جام غضبه على أولئک الأفراد الضعاف الذین تواکلوا وتقاعسوا عن إداء وظائفهم عله یثیر حفیظتهم فیلتفتوا إلى عظم المخاطر التی کانت تتربص بهم، ولاسیما أهل الشام الذین کانوا یشنون علیهم الغارات تلو الغارات دون أن یتورعوا عن سفک دمائهم وانتهاک حرماتهم وسلب أموالهم، حیث بالغ (علیه السلام) هذه المرة فی ذمهم فخاطبهم قائل: «یا أشباه الرجال ولا رجال» یامن یعیشون آمال الأطفال فیسرع فیهم الخداع «حلوم(1) الأطفال» ویامن یحملون عقول ربات الحجال من العرائس اللائی لا یفکرن سوى برغد العیش ووسائل الزینة «وعقول ربات(2) الحجال(3)» فقد وبخهم الإمام (علیه السلام) فی العبارة الأولى بعدم امتلاکهم الشجاعة والحمیة والغیرة والمروءة والرجولة التی کانوا یتمتعون بها ظاهریاً ولم یکن لهم من معانیها شیئاً على مستوى العمل. ثم اندفع فی ذمهم أکثر لیخاطبهم بقوله: «لوددت أنی لم أرکم ولم أعرفکم معرفة ـ والله ـ جرت ندماً وأعقبت سدماً». فالتأریخ یشهد بأنّ ثمرة علاقة أهل الکوفة والعراق بالإمام (علیه السلام)طیلة فترة خلافته لم تکن سوى الهم والغم الذی تمخض عن ضعفهم ونقضهم العهود وتفرقهم عن الحق وتلبسهم بالنفاق والریاء، فکان من الطبیعی أن یتمنى الإمام (علیه السلام) عدم رؤیتهم والتعرف علیهم، حتى دعا علیهم «قاتلکم الله(4) فقد ملأتم قلبی قیحاً وشحنتم صدری غیظاً وقد جرعتمونی الهموم غصة بعد غصة، فجعلتمونی غرضاً لسهام الأعداء، حتى ذهبت بهم المذاهب أنی رجل شجاع، بینما لیست لی من درایة بالحرب «قاتلکم الله لقد ملأتم قلبی قیحاً وشحنتم صدری غیظاً وجرعتمونی نغب(5) التهمام(6) أنفاساً، وأفسدتم علی رأیی بالعصیان والخذلان حتى لقد قالت قریش: إن ابن أبی طالب رجل شجاع ولکن لا علم له بالحرب». عادة ما تعزى الاُمم والشعوب ضعفها وتخلفها وفشلها إلى قلّة تدبیر زعمائها، بینما قد تکون القضیة بالعکس ; أی أنّ الزعیم شخصیة کفوءة بینما تعیش الأمّة حالة من التخلف الفکری والثقافی والاجتماعی ; الأمر الذی یعتبر مأساة حقیقیة بالنسبة للزعیم والقائد الناجح الذی یبتلى بمثل هذه الجماعة المسلوبة الإرادة، وممّا یؤسف له أنّ مسؤولیة النتائج المریرة التی تفرزها طبیعة هذه المسیرة قد یلقیها الناس على عاتق ذلک الزعیم.
ثم یختتم الإمام (علیه السلام) خطبته بالرد على قریش التی تخرصت بعدم علم الإمام (علیه السلام)بفنون القتال والحرب رغم شجاعته وبسالته:
«لله(7) أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراس(8) وأقدم فیها مقاماً منی». فقد اقتحمت میادین الحرب وأنا ابن العشرین وها أنا ذا أخوض غمارها وقد ناهزت الستین من عمری (وعلیه فقد مارست تجربة ضخمة فی الحروب کقائد لمدّة أربعین سنة) ولکن ماذا عسانی أن أفعل ولیس هنالک من یطیع «لقد نهضت فیها وما بلغت العشرین، وها أنا ذا قد ذرفت(9)على الستین! ولکن لا رأی لمن لا یطاع».