العزم النهائى للزعیم الشجاع

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
القسم الرابعالانفراد فی مجابهة العدو

قد تشهد الحیاة الاجتماعیة والسیاسیة بعض اللحظات الحساسة التی تجعل الزعماء فی موضع لا یحسدون علیه، وتتفعل هذه اللحظات حین یشتد الضعف والخلاف والتردید فی إتخاذ القرار; الأمر الذی یمنح العدو بعض عناصر القوة فی المباغتة.

وهنا لابدّ أن ینبری الزعیم الشجاع لیعلن قراره الحاسم بهذا الشأن لیفهم الجمیع بأنّه مستعد للقتال وخوض غمار الحرب بمفرده سواءاً کان هناک من یقف إلى جانبه أم لا، فلیس هنالک سوى الشهادة التی تأبى المقارنة بالخضوع والاستسلام. وهذا ما أشار إلیه الإمام (علیه السلام)فی الخطبة، وقد وقفنا على مثیله من أبی الضیم والأحرار الإمام الحسین(علیه السلام). فقد إتفقت کلمة الأصحاب لیلة عاشوراء فی مواکبة إمامهم (علیه السلام) ولا سیما حین رفع الإمام(علیه السلام)بیعته عن الجمیع وأذن لهم بالانصراف، حیث انصرف أغلب الضعفاء والعجزة وانفرجوا عن الإمام(علیه السلام) وهربوا من خوض الجهاد، ولم یبق معه إلاّ قلّة قلیلة، لینهض کل واحد منها ویعبر عن موقفه ومساندته للإمام (علیه السلام) وان قتل سبعین قتله، وآخر قال لو اُقتل واُحرق ثم اُقتل ویفعل بی ذلک سبعین مرة لما ترکتک، وما شابه ذلک من المواقف التی عبر عنها صحبه الاوفیاء(1).

وقد أشار أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) ـ فی الرسالة 36 من رسائله فی نهج البلاغة ـ إلى هذا المعنى، حیث قال لأخیه عقیل«وأما ما سألت عنه من رأیی فی القتال: فان رأیی قتال المحلین حتى ألقى الله لا یزیدنى کثرة الناس حولی عزة ولا تفرقهم عنی وحشة ولا تحسبن ابن أبیک ـ ولو أسلمه الناس ـ متضرعاً متخشعاً ولا مقراً للضیم واهناً». کما نصطدم فی قصة موسى(علیه السلام)بقومه الذین أعربوا عن خوفهم من مجابهة العمالقة لما بلغوا بوابة بیت المقدس فضعفت إرادتهم وترددوا فی إتخاذ القرار، حتى تمردوا على نبیّهم موسى(علیه السلام)وأخیه هارون(علیه السلام) واعلنوا موقفهم.

المخزی بکل صراحة (قالُوا یا مُوسىْ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِـیها فَاذهَبْ أَنْتَ وَرَبُّکَ فَقاتِلا إِنّا هـهُنا قاعِدُونَ)(2).

فما کان من موسى(علیه السلام) إلاّ أن أعلن موقفه منهم وانفصاله عنهم (قالَ رَبِّ إِنِّی لا أَمْلِک ُ إِلاّ نَفْسِی وَأَخِی فَافْرُقْ بَیْنَنا وَبَیْنَ القَوْمِ الفاسِقِـینَ)(3).

وهذا هو موقف نبی الله نوح(علیه السلام) (وَا تْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ نُوح إِذ قالَ لِقَوْمِهِ یا قَوْمِ إِن کانَ کَبُرَ عَلَیْکُمْ مَقامِی وَتَذکِـیرِی بِآیاتِ اللّهِ فَعَلى اللّهِ تَوَکَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَکُمْ وَشُرَکاءَکُمْ ثُمَّ لا یَکُنْ أَمْرُکُمْ عَلَیْکُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَیَّ وَلا تُنْظِرُونَ)(4).

ولا شک إنّ لهذا الموقف الصادم الذی یتخذه الزعیم أثره الکبیر فی نفوس أتباعه، حیث یشعر الأفراد بارتفاع معنویاتهم وقوة شوکتهم إلى جانب عودة الضعفاء إلى الحق والشعور بالقوة والاقتدار ویضطرها لاتخاذ ذات الموقف.

وأدنى معطیات ذلک الموقف أنه یشکل وثیقة تأریخیة حیة فی سیرة هؤلاء الزعماء الابطال والذی یلهم الأجیال العزم والإرادة والقوة، وهذا ما نلمسه بوضوح فی الملحمة الحسینیة فی کربلاء والتی مازالت تلهم الامم والشعوب کل عناصر القوة والاقتدار فی مواجهة الظلم والاضطهاد والطغیان.


1. للوقوف على خطبة الإمام(علیه السلام) لیلة عاشوراء وما قاله صحبه الاوفیاء راجع بحار الانوار 44 / 392.
2. سورة المائدة / 24.
3. سورة المائدة / 25.
4. سورة یونس / 71.

 

القسم الرابعالانفراد فی مجابهة العدو
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma