الشرح والتفسیر

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
السیاسة الإلهیة والشیطانیة نظرة إلى الخطبة

لم یذکر شرّاح نهج البلاغة ـ حسب علمنا ـ سبب إیراد هذه الخطبة، إلاّ أنّ الرابطة المعنویة بین هذه الخطبة والخطبة رقم 35 وسائر القرائن تشیر إلى انّ هذه الخطبة ناظرة لمعرکة صفین وقضیة التحکیم، لأنّ مسألة التحکیم المأساویة إتخذت أبعاداً واسعة فی البحث والنقاش بین صفوف المسلمین ـ ولعل بعض الجهال نسب مکر عمرو بن العاص وخیانته وغدره إلى الکیاسة والفطنة; الأمر الذی قد یشجع الآخرین لممارسة مثل هذه الأعمال الشائنة البعیدة عن الإسلام وتعالیمه الحقة، ومن هنا خطب الإمام(علیه السلام) هذه الخطبة لیقبر هذه الأفکار المنحرفة ویحد من شیاعها بین الناس، ثم عرض بالذم إلى المکرو والخدیعة ونقض المیثاق وأشار إلى العواقب الوخیمة التی تفضی إلیها هذه الأعمال ثم أثنى على الوفاء والصدق فقد إستهل الخطبة بخطاب الجمیع «أیها الناس إن الوفاء توأم(1) الصدق». التوأم بمعنى الذی یولد مع الآخر فی حمل واحد، ویستعمل بشأن کل شیئین یرتبطان معا برابطة وثیقة، ومن هنا فقد شبه الإمام(علیه السلام)فضیلتی الوفاء والصدق بالتوأم ولعل التمعن فی مفهوم هاتین الصفتین ومصدرهما الفکری الروحی یفید أنّ الأمر کذلک، فالوفاء یعنی الالتزام بالعهد، وهو فی الواقع نوع من الصدق، کما أنّ الصدق نوع من الوفاء. والصدق ذو معنى واسع وشامل لایقتصر على الحدیث، بل یشمل العمل أیضا، ومن هنا صرح القرآن قائلا: (مِنَ المُـؤْمِنِـینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَـدُوا اللّهَ عَلَیْهِ)(2) فمن الواضح أنّ المراد بصدق العهد فی الآیة هو الصدق فی العمل، ولذلک أردفت بالقول (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ). ومن هنا تتضح عمق الرابطة بین الوفاء والصدق، فلو أبرم شخص عهداً ونقض عهده فقد کذب، ومن هنا یمکن اعتبار ناقض العهد کاذباً، ولما کان حسن الصدق وقبح الکذب ظاهر لکافة الناس، فانّ الإمام(علیه السلام) قرن بهما الوفاء بالعهد ونقضه لیتضح حسنهما وقبحهما. ثم تطرق الإمام إلى الآثار الایجابیة للوفاء بالعهد فقال: «ولا أعلم جنة(3) أوقى منه»، فهذه فی الواقع من أهم آثار الوفاء بالعهد وبرکاته الدنیویة فی أنّه جنّة وثیقة; لأنّ أساس الحیاة الاجتماعة یتمثل بالتعاون والتکافل والثقة المتبادلة والالتزام بالعهود والمواثیق الفردیة والاجتماعیة، بعبارة اُخرى فانّ الثقة المتبادلة تذلل کثیراً من المصاعب، بینما یتعذر حل هذه المصاعب إذا ما انعدمت الثقة وسلب الاعتماد بین الناس، ولذلک کانت الدعامة الأصلیة للدین تتجسد فی الوفاء بالعهود والمواثیق، حتى ورد فی الحدیث النبوی المعروف «لادین لمن لاعهد له» (4)کما ورد أیضاً «إذا نقضوا العهد سلط اللّه علیهم عدوهم» (5) جدیر بالذکر أن الجنّة بمعنى الدرع الذی یقی أخطار العدو فی میدان القتال. تشبیه الوفاء بهذا الدرع یفید کونه یشکل الوسیلة الدفاعیة تجاه الأخطار الاجتماعیة التی تفرزها حالة الفوضى وعرقلة القوانین والمقررات. ثم أشار(علیه السلام)إلى أبعاده المعنویة والاُخرویة فقال «وما یغدر من علم کیف المرجع»; الأمر الذی أشار إلیه الإمام(علیه السلام)فی نهج البلاغة بقوله «لولا کراهیة الغدر لکنت من أدهى الناس، ولکن کل غدرة فجرة، وکل فجرة کفرة ولکل غادر لواء یعرف به یوم القیامة»(6). ولما کان انحراف المجتمع عن المبادئ الأخلاقیة یقود إلى تنکر القیم وتبدلها، حتى یعد العهد والمکر والخداع کیاسة والالتزام بالعهود سذاجة وبلاهة فقد قال الإمام(علیه السلام)«ولقد أصبحنا فی زمان قد إتخذ أکثر أهله الغدر کیساً ونسبهم أهل الجهل فیه إلى حسن الحلیة»! نعم فانّ قیم المجتمع إذا تنکرت بفضلها المعیار والمحک للحسن من القبیح فانّ ظهور مثل هذا الخلط لایبدو مستغرباً، فمن الطبیعی أن یصبح المعروف منکراً، والمنکر معروفاً، والملک شیطاناً والشیطان ملکاً وقدیساً. وممّا یؤسف له أنّ هذه الظاهرة قد تفشت وبشکل واسع فی عالمنا المعاصر فقد ینظر إلى الثعالب المکرة فی السیاسة العالمیة على أنهم الساسة المهرة، بینها یرمون بالسذاجة وانعدام التجربة من یلتزم بالعهود والمواثیق ویراعون القیم الإنسانیة والإلهیة فی سیاستهم، وما أصعب العیش فی مثل هذا العالم، وبالطبع فانّ نقض العهود واعتماد الکذب والخداع قد یجر على صاحبه بعض المنافع على المدى القریب ویحظى بمدیح هذا وثناء ذاک، إلاّ أنّ المفروغ منه أن عرى المجتمع إنّما تؤول إلى التصدع والانهیار على المدى البعید. ومن هنا فان الأفراد من أهل الإیمان والوفاء إنّما یسعون لتحصین أموالهم وحفظ ثرواتهم من خلال الامانة وإحترام العهد فی المعاملة، والدولة هى الاُخرى مدعوة لرعایة هذا الأمر من أجل کسب ثقة سائر البلدان واستقطابها لضمان مصالح البلاد الاقتصادیة. ومن هنا صرحت الروایة «الأمانة تجلب الغنى والخیانة تجلب الفقر».(7) ولا شک أنّ هناک رابطة حمیمة بین الأمانة والوفاء، رغم کونهما مفهومین منفصلین، ولذلک قال أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام):«الأمانة والوفاء صدق الأفعال» (8). قال أحد أصحاب الإمام الصادق(علیه السلام)ویدعى عبدالرحمن بن سبابه: ساءت حالی بعد وفاة أبی فلما حججت البیت رأیت الإمام الصادق(علیه السلام)فقال لی: أعظک؟ قلت بلى جعلت فداک، قال: «علیک بصدق الحدیث وأداء الامانة تشرک الناس فی أموالهم هکذا ـ وجمع بین أصابعه ـ قال فحفظت ذلک عنه، فزکیت ثلاثمأة ألف درهم».(9)

ثم رد(علیه السلام) على من إتهمه بعدم العلم بالسیاسة فقال: «ما لهم قاتلهم اللّه قد یرى الحول(10)القلب وجه الحیلة ودونها مانع من أمر اللّه ونهیه، فیدعها رأی العین بعد القدرة علیها» أمّا ذلک الذی لایتورع عن الذنب والمعصیة وعدم الإکتراث للدین فانّه ینتهز الفرصة لیفعل ما یشاء فیراه البلهاء سیاسیا ناجحا «وینتهز(11) فرصتها من لاحریجة(12) له فی الدین» فالإمام(علیه السلام)یقول إنّ عدم استغلالی للفرص الغدرة من أجل التفوق على العدو لایعنی عدم علمی بالاُمور، بل ذلک یعنی أنی أخاف اللّه، وإنّی لا عتمد الورع والتقوى والعدل حتى مع أعدى أعدائی، ولا أرى الغایة تبرر الوسیلة، بل لا أومن بالنصر کیفما کانت قیمته وثمنه، إلاّ أنّ أعدائی لا یراعون أی من هذه المبادئ، فهم یقارفون کل جنایة ولا یتورعون عن أیة جریمة، فلا یقیمون وزناً لدماء الأبریاء، ولا یتحرجون من الظلم والعدوان، ولا یلتزمون بالعهود والمواثیق، نعم لیس لهم من هم سوى تحقیق أهدافهم اللامشروعة بأیة وسیلة. فاذا رأى الناس تصرفاتهم وتحرجی عدوهم ساسة أکفاء، والحال ما هم ساسة وأنّهم لحفنة من الظلمة الذین یفتقرون إلى الورع والتقوى.


1. «توأم» من مادة «وئام» بمعنى الموافقة حسبما صرح بعض أرباب اللغة ، بینما ذهب البعض کصاحب المقاییس إلى أنّ التاء أصلیة ، واتئام (  مصدر باب إفعال  ) بمعنى ولادة أحد مع الآخر من حمل واحد.
2. سورة الأحزاب / 23.
3. «جنة» على وزن «غصة» بمعنى الدرع واشتقت فی الأصل من مادة جن على وزن فن بمعنى الستر ومنه المجنون، کما تطلق الجنة على البستان کأنه تغطى بالأشجار، ومنه الجنین المغطى برحم الأم وإطلاق الجن على تلک الجماعة لخفائها.
4. نوادر الرواندی / 5.
5. بحارالأنوار 97 / 46.
6. نهج البلاغة، الخطبة 200.
7. بحارالانوار 72 / 114.
8. غرر الحکم ح 83 ـ 2.
9. فروع الکافی 5 / 124.
10. ـ الحول القلب بضم الاول وتشدید الثانی هو البصیر بتحویل الاُمور وتقلیبها  .
11. «ینتهز» من مادة «إنتهاز» بمعنى الإقدام على عمل، کما یعنی الاستفادة التامة من الفرصة.
12. «حریجة» من مادة «حرج» بمعنى التحرج والتحرز من الآثام، ویأتى الحرج أحیاناً بمعنى الذنب.

 

السیاسة الإلهیة والشیطانیة نظرة إلى الخطبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma