الشرح والتفسیر

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
الموت یعنی إغلاق صحیفة الأعمال القسم الثانی

واصل(علیه السلام) خطبته التی ابتدأها بذم إتباع الهوى وطول الأمل الذان یصدان عن الحق وینسیان الآخرة، وبالتالی یحولان دون سعادة الإنسان وفلاحه، لیقدم تحلیلاً رائعاً عن أوضاع الدنیا والآخرة فقال «ألا وإنّ الدنیا قد ولت حذاء(1)، فلم یبق منها إلاّ صبابة کصبابة(2) الاناء إصطبها صابها».

فقد شبهت الدنیا هنا بالکائن الذی یعود بسرعة إلى مسیرته، الأمر الذی یفید حقیقة الحرکة السریعة لعمر الإنسان، الحرکة الخارجة عن إرادة الإنسان وتشمل کافة الکائنات الحیة سوى الذات الإلهیة المطلقة، ولا یستثنى من تلک الحرکة الکواکب والمجرات والسموات والارضین لتنتهی إلى الفناء والزوال الدنیوی لیکون نافذة على عالم الخلود والبقاء. فالطفولة تتحرک نحو الفتوة والشباب، والفتوة تنطلق نحو الکهولة التی تنتهی بالموت، هذا إذا جرت الاُمور وفق القانون الطبیعی والاقد یتساقط بعض الاطفال والشباب من هذه القافلة لتنتهی أعمارهم دون بلوغ الکهولة. فالإمام(علیه السلام) یقول أنّ عمر الإنسان قصیر قلیل کبقیة الماء واللبن فی الإناء التی تعلق به عند قلبه، أو بعبارة اُخرى فانّ الإنسان حین یقلب إناءاً مملوءاً بسائل ثم یعید الإناء إلى وضعه الأصلی إنّما یتبقى فیه مقدار من الماء یطلق علیه الصبابة وهذه فی الحقیقة هى عمر الإنسان ثم قال(علیه السلام)«ألا وإنّ الآخرة قد أقبلت» فکلما قصر عمر الدنیا اقتربت الآخرة، فالواقع إننا نرکب قطار الزمان الذی یسیر بسرعة نحو الآخرة، والدقائق والساعات والأیّام والأسابیع والأشهر والسنوات إنّما تکشف عن سرعة مسیرة قطار الإنسانیة بأجمعها، ثم أوضح(علیه السلام)وظیفة الناس «ولکل منهما بنون فکونوا من أبناء الآخرة، ولا تکونوا من أبناء الدنیا، فانّ کل ولد سیلحق بأبیه یوم القیامة» نعم هناک خطان: خط عبدة الدنیا وخط عشاق الآخرة، وإن کانت هنالک بعض الجماعات المتذبذبة بین الخطین. ولا یعرف أبناء الدنیا سوى النوم والأکل والشرب والشهوة والطرب والعیش والملذات، فهم متعلقون بظاهر الدنیا دون أن یکفوا أنفسهم عناء التفکیر فی الآخرة، بل هم عنها عمون (یَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الحَیاةِ الدُّنْیا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُـمْ غافِلُون) (3). فکأنّهم مخلدون فی الدنیا ولیس هنا لک من آخرة، فوثقوا بأموالهم وثرواتهم على أنّها تخلدهم فی دنیاهم (یَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ). أما أبناء الآخرة فقد نظروا بعین العقل والبصیرة إلى الدنیا وأدرکوا أنهم مفارقوها ومرتحلون عنها فلم یطمأنوا إلیها. لقد طلقوها کما طلقها الإمام(علیه السلام)ثلاثة لارجعة فیها. فقد إتعظوا بالقرآن الذی أوقفهم على طبیعة خسرانها (وَالعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسانَ لَفِی خُسْر * إِلاّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ). أمّا التعبیر عن عبدة الدنیا بأبناء الدنیا وعن المؤمنین الصالحین بأبناء الآخرة، وذلک لأن الابناء إنّما یشبهون إلى حد کبیر آبائهم واُمهاتهم بفعل الصفات الوراثیة التی تنتقل إلیهم عن طریق الجینات، وهو الشبه الذی یدعو إلى المحبة والإرتباط. نعم عبدة الدنیا أبنائها، ومن هنا أحاط حبّ الدنیا بقلوبهم بحیث أصبحوا لایرون سوى الدنیا ولایجنون سواها، وشعارهم فیها (إِنْ هِىَ إِلاّ حَیاتُنا الدُّنْیا نَمُوتُ وَنَحْی)(4) وإن کانوا ظاهرا یحملون الإسلام. أما أبناء الآخرة فقد سیطر حب اللّه على قلوبهم، فهم یتزودون من الدنیا إلى الآخرة دون أن یغرقوا فیها.

وقال بعض شرّاح نهج البلاغة أنّ المراد بالعبارة هو أن المؤمنین سیکونون فی الآخرة بمثابة الأبناء الذین یرتمون بأحضان آبائهم، بینما سیکون أبناء الدنیا کالیتامى. إلاّ أنّ هذا التفسیر لاینسجم والعبارة «إن کل ولد سیلحق بأبیه یوم القیامة»، بل یفید هذا التعبیر أن الحیاة الدنیا المادیة لیست سوى الجحیم الذی یرتمی فیه أبناء الدنیا إذا افتقرت إلى الإیمان والتقوى، وهذا ما أشار إلیه القرآن بقوله (فَأُمُّهُ هاوِیَهٌ).(5)

أمّا إن کانت هذه الحیاة مقرونة بالایمان والتقوى والصبغة الآخرویة فتتجسم یوم القیامة على هیئة جنّة سیرتمی فی أحضانها المؤمنون. ثم إختتم الإمام(علیه السلام)خطبته قائل: «وإنّ الیوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل» فالعبارة تفید من جهة وجود الفرصة من أجل إستزادة العمل الصالح، وإذا ما شوهد المحسنون والمسیئون، والصالحون والطالحون، واولیاء اللّه وأعداء اللّه، وحزب اللّه وحزب الشیطان إلى جانب بعضهم البعض الآخر فی هذه الحیاة الدنیا فذلک لأنّ الدنیا دار عمل لاحساب فیها ولاجزاء وعقاب. ومن جهة اُخرى تحذیر بأنّ نهایة العمر فی الدنیا تعنی إغلاق صحیفة الأعمال ولیس هنالک من سبیل للعودة والعمل وتدارک ما فرط، کما لیس للندم من أثر أو فائدة، فقد قال علی(علیه السلام) «لا عن قبیح یستطیعون إنتقالاً ولا فی حسن یستطیعون إزدیاداً» (6)کما لیس هناک من جدوى لصراخهم (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِح) (7) کما لا تفیدهم الآمال والأمانی (فَـلَوْ أَنَّ لَـنا کَـرَّةً فَنَـکُونَ مِنَ المُـؤْمِنِـینَ).(8)


1. «حذاء» کما ورد فی تفسیر السید الرضی (ره) وشرّاح نهج البلاغة بمعنى السریع، من مادة حذ على وزن حظ بمعنى القطع، أو القطع السریع، ثم اطلقت على کل حرکة سریعة، وحذا مؤنث إحذاً.
2. «صبابة» بالضم البقیة من الماء واللبن فی الإناء، والضمیر فی اصطبها وصابها یعود اِلى الصبابة، لأنّ الإناء مذکر والضمیر المؤنث لا یعود اِلیه.
3. سورة الروم / 7.
4. سورة الجاثیة / 24.
5. سورة القارعة / 9.
6. نهج البلاغة، الخطبة 188.
7. سورة المؤمنون / 99 ـ 100.
8. سورة الشعراء / 102.

 

الموت یعنی إغلاق صحیفة الأعمال القسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma