4 ـ التقیة وسیلة دفاعیة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
الخطبة 583 ـ تأریخ سب الإمام علی(علیه السلام)

تطرق بعض شرّاح نهج البلاغة هنا إلى موضوع التقیة وشرعیتها، ولا بأس أن نتعرض إلیها هنا بصورة مختصرة ونوکل الخوض فی التفاصیل إلى محلها. فالتقیة بالمعنی اللغوی إجتناب الشیء بینما ذکروا لها عدة تعاریف إصطلاحیة، أهمها إخفاء العقیدة أو الدین خوف الضرر أو لمصلحة من المصالح ومنها حفظ الوحدة واجِتناب الاختلاف أمام الأعداء. ویستند هذا المعنى إلى القرآن الذی تحدث عن أصحاب رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)حین کانوا قلة: (لا یَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِـینَ وَمَنْ یَفْعَلْ ذ لِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللّهِ فِی شَیء) ثم قال: (إِلاّ أَنْ تَـتَّـقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (1)، فقد تحدثت الآیة صراحة عن التقیة بما لایبقی من مجال للشک فیها. أما قصة تقیة عمار ونطقه ببعض الکلمات ضد الإسلام والنبی(صلى الله علیه وآله) أمام المشرکین فهى مشهورة معروفة، فقد إضطر لتلک الکلمات، ثم أتى رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) باکیاً خشیة فساد دینه وإیمانه، فهدأه رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) فی أنّ الاکراه هو الذی دفعه إلى ذلک فلا ضرر على دینه وأنّ اللّه أنزل بحقه قرآناً: (مَنْ کَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِیمانِ)(2)(وَلـکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالکُفْرِ صَدْراً فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِـیمٌ)(3) النموزج الآخر للتقیة ما ورد فی سورة غافر بشأن مؤمن آل فرعون: (وَقالَ رَجُلٌ مُـؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَکْتُمُ إِیمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ یَقُولَ رَبِّیَ اللّهُ وَقَدْ جاءَکُمْ بِالبَیِّناتِ مِنْ رَبِّکُمْ)(4)فالقرآن یثنی على هذا المؤمن ویستحسن کلامه ویصرح برضى اللّه بتقیته. کما تظافرت الروایات الإسلامیة التی أکدت على أهمیة التقیة لتصفها بانّها تقی المؤمن مخاطر الأعداء وتحفظ دمه وأن التقى من الدین، ومن لا تقیة له لا دین له، والإیمان بلا تقیة کالجسد بلا رأس، وأنّها من أفضل الأعمال، ولا نرى البحث یتسع للخوض فی التفاصیل، ومن أراد المزید فلیرجع إلى القاعدة السابعة من المجلد الأول لکتاب القواعد الفقهیة. أضف إلى ذلک فانّ فلسفة التقیة واضحة، وهى أنّ اظهار العقیدة الباطنیة أحیاناً قد یسبب بعض الأخطار على النفس والعرض والمال دون أن تترتب علیه أیة فائدة، فالعقل یحکم بضرورة عدم إهدار القوى والطاقات عبثاً، ولابدّ من حفظها بواسطة التقیة واستثمارها فی المواقع المطلوبة. ولعل هذا هو المعنى المراد بوصفها بترس المؤمن أو جنة المؤمن. فالواقع هو أنّ التقیة لا تعنی الفرار من المسؤولیة، بل هى أشبه بالتکتیک الحربی عن طریق الاستتار وإعادة تنظیم القوة واللجوء إلیها فی الوقت المناسب.


1. سورة الاعمران / 28.
2. ـ أجمع مفسرون الفریقین أنّ هذه الآیة نزلت فی عمار، وصحیح أن عمار اجبر على الکفر إلاّ أنّه تظاهر بأنّه تکلم من خلال الاعتقاد بذلک وأنّه رجع عن دین محمد لیترکوه ویحفظ دمه.
3. سورة النحل / 106.
4. سورة غافر / 28.

 

الخطبة 583 ـ تأریخ سب الإمام علی(علیه السلام)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma