أشار الإمام(علیه السلام) ـ فی هذا المقطع من الخطبة ـ إلى نقطة مهمّة اُخرى ذات صلة بالحیاة الدنیا وما فیها من نعم، وأنّ هذه النعم آیلة إلى الزوال، ومن هنا فلاینبغی الوثوق بها، کما لایجوز الخلود إلیها والتعلق بها، فقال(علیه السلام): «فهل ینتظر أهل بضاضة( 1) الشباب إلأ حوانی(2) الهرم؟(3)وأهل غضارة(4) الصحة إلأ نوازل السقم؟ واهل مدة البقاء إلاّ آونة(5) الفناء» ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه قائل: «مع قرب الزیال(6) وأزوف(7) الانتقال، وعلز(8) القلق، وألم المضض،(9)وغصص الجرض،(10) وتلفت(11) الاستغاثة بنصرة الحفدة(12) والاقرباء، والأعزة والقرناء» فمن خصائص هذا العالم تقلب نعمه ولذاته; الأمر الذی یدعو الإنسان إلى عدم الاغترار والخلود إلى الدنیا ویضحی بآخرته من أجلها. فالشباب یسرعون نحو الهرم وغضاضة الشباب آیلة إلى ذبول الکهولة وربیع العمر سینتهی إلى خریف التساقط، وسلامة البدن عرضة للزوال وهجوم الأمراض حتى تلوح علامات الوصول والاقتراب من الآخرة وتبدو واضحة للعیان. ورغم کل هذه الخصائص والعلامات، الا أنّ الذین تعلقوا بالدنیا وإغتروا بها لیسوا بالقلیل فلم ینشغلوا فیها سوى ببعض النعم والمتع; الأمر الذی یجدر بالتأمل والتوقف عنده! حیث یرى الإنسان کل ملامح فناء الدنیا بأم عینیه ویصر على البقاء. ورد فی تأریخ بغداد أنّ السفاح نظر إلى المرآة فقال: اللّهم لا أقول ما قال سلیمان بن عبدالملک أنی خلیفة شاب، لکنی أقول: ارزقنی عمراً طویلاً بعافیة فی طاعتک ولم یکدیتم حدیثه حتى سمع أحد غلمانه یقول لآخر فی عقد بینهما أنّ مدته إلى شهرین وخمسة أیام فتطیر السفاح من کلامه وکأنه أخبر عما تبقى من عمره، وکان الأمر کذلک(13). القرآن من جانبه أکد هذا الأمر وکشف النقاب عنه (وان لم یکن هناک من نقاب فی الواقع) فقد أشار کراراً بأمثاله الحیة إلى تقلب أحوال الدنیا، ومن ذلک قوله: (إِنَّما مَثَلُ الحَیاةِ الدُّنْیا کَماء أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرضِ مِمّا یَأْکُلُ النّاسُ وَالأَنعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخْرُفَها وَازَّیَّـنَتْ وَظَـنَّ أَهْلُها أَنَّـهُمْ قادِرُونَ عَلَیْها أَتاها أَمْرُنا لَیْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِـیداً کَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمسِ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الآیاتِ لِقَوْم یَتَفَکَّـرُونَ).(14)