الاتعاظ والاعتبار

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثالث القسم الثانی

لقد واصل الإمام(علیه السلام) کلامه بحمل مخاطبیه إلى التأمل فی سالف التأریخ وحوادثه التی تنطوی على الدروس والعبر بغیة توظیفها لما یخدم مصیرهم وعاقبتهم، فقال: «فاتّعظوا عباداللّه بالعبر النّوافع». نعم تذکروا عظماء التأریخ وکبکبة الملوک السلاطین والثراء العظیم الذی کان علیه الماضون والحیاة المرفهة الوادعة، ثم انظروا کیف أتى الدهر علیها فأحالها رکاما بعد أن أبادهم عن آخرهم، فلم تبق من قصورهم الشاهقة سوى الاطلال، بل لم یبق من أجسادهم سوى العظام النخرة، فقد ذهبوا وأکلهم النسیان. ثم قال(علیه السلام): «واعتبروا بالاْی السّواطع،( 1)ازدجروا بالنّذر البوالغ» فهى من قبیل التحذیرات التی أثارها القرآن الکریم، فهو یشرح أحیانا العذاب الألیم الذی نزل بالأقوام الطاغیة الظالمة الماضیة، واُخرى یتحدث عن شدة العذاب الاُخروی، وأخیراً یضطر الإنسان للتفکیر بجد فی عاقبته، ویحذره من مقارفة الذنوب والمعاصی. ثم قال(علیه السلام): «و انتفعوا بالذّکر والمواعظ» والفارق بین هذه التحذیرات الأربع: ففی التحذیر الأول یلفت الإمام(علیه السلام) انتباه الجمیع إلى الحوادث التأریخیة الماضیة والحاضرة التی تنطوی على الدروس والعبر لیتعظ بها، وفى التحذیر الثانی أشار إلى دلالته سبحانه فی عالم الوجود أو الآیات القرآنیة التی توقظ الضمیر. وفی التحذیر الثالث تطرق إلى نذر أولیاء اللّه. وأخیراً تعرض فی التحذیر الرابع إلى نصائح أولیاء اللّه ومواعظهم، وهى التحذیرات الکافیة لآثارة حیطة وحذر من کان له أدنى إستعداد للتقبل. ثم واصل(علیه السلام)کلامه بالحدیث عن مرارة لحظات الموت ومعالجة سکراته فقال: «فکأن قد علقتکم(2) مخالب(3)المنیّة، وانقطعت منکم علائق الأمنیّة، ودهمتکم(4) مفظعات(5) الأمور، والسّیاقة إلى الورد المورود، فـ «کلّ نفس معها سائقٌ وشهیدٌ»: سائقٌ یسوقها إلى محشرها; وشاهدٌ یشهد علیها بعمله». لما کان الموت قد کتب على الجمیع ولم یعنى زمانه، بحیث یفاجئ الإنسان، فانّ الإمام(علیه السلام) یتحدث عنه کأمر قد وقع، فیصرح کأنّی قد رأیتکم فی مخالب الموت وقد أحاطت بکم سکراته وقد قطعت کل أمانیکم وذهبت أدراج الریاح کأنّها ضرب من ضروب الخیال والاحلام، وکأنّکم انتقلتم من هذه الدنیا إلى الآخرة، یقود کما المکان إلى المحشر. وقد ورد عن الإمام شبیه هذا المعنى فی الخطبة 204 «تجهزوا رحمکم اللّه! فقد نودی فیکم بالرحیل، وأقلوا العرجة على الدنیا، وانقلبوا بصالح ما بحضرتکم من الزاد، فان أمامکم عقبة کؤودا، ومنازل مخوفة مهولة، لابد من الورود علیها، والوقوف عنده». والعبارة «والسیاقة إلى الورود المورود» إشارة إلى الآیة 98 من سورة هود: (یَقْدُمُ قَوْمَهُ یَوْمَ القِیامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ). «ورد» تعنی ما یشقه من طریق بمحاذاة النهر الکبیر الذی یبتعد ساحله عن الماء، لیتمکن الشخص من الوصول إلى الماء بسهولة، والمورد هو الموضع الذی یرده العطاش، وهى إشارة إلى أنّ المذنبین محرومون من ماء أنهار الجنّة العذبة الزلال فیردون ماء جهنم، الذی یشوی الوجوه والبطون. وقوله(علیه السلام): «کلّ نفس معها سائقٌ وشهیدٌ». أما المراد بالسائق والشهید فقد اختلفت فیه أقوال مفسری القرآن وشرّاح نهج البلاغة. فذهب البعض إلى أنّ المراد بالسائق الملک الذی یکتب الحسنات، والشهید من یکتب السیئات، وقیل السائق ملک والشهید أعضاء بدن الإنسان، أو صحیفة أعماله التی تعلق فی عنقه. وهناک قول آخر أن یکون المراد بالسائق الملک الذی یجمع بین الأمرین، کأنّه قال: وجاءت کل نفس معها ملک یسوقها إلى المحشر ویشهد علیها. وأخیراً قیل السائق هو الأمر الإلهی الذی یسوق الإنسان إلى المحشر من أجل الوقوف للحساب والجزاء، والشاهد الأنبیاء والعلماء، أو عقل الإنسان وأعضاؤه. إلاّ أن الأظهر فی الأخبار والآثار أنّهما ملکان، أحدهما یسوق الإنسان إلى المحشر، والاخر یشهد على أعماله.


1. «سواطع» جمع «ساطعة» النور الواسع الظاهر الدلالة، کما تستعمل هذه المفردة فی الاُمور المعنویة کآیات القرآن المجید الظاهرة أو الشخصیات الإسلامیة البارزة.
2. «علقتکم» من مادة «علق» على وزن فلق تعنی فی الأصل الرابطة الشدیدة والتعلق بالشئ، کما تستعمل هذه المفردة فی الحیوان المفترس الذی یمسک فریسته بأسنانه ویمتص دمائها، أو أن یفترسها بمخالبه. وقد شبهت العبارة الموت بهذا الحیوان.
3. «مخالب» جمع «مخلب» على وزن محور ومادته «خلب».
4. «دهمتکم» من مادة «دهم» على وزن فهم بمعنى الغشاوة، وتستعمل هذه المفردة حین غلبة شئ على آخر وإحاطته به، هذا هو المراد بها فی العبارة، کما تستعمل فی الظلمة التی تحیط بالأشیاء، کما تطلق على الأخضر الفاتح، من قبیل مدهامتان التی وردت فی سورة الرحمن.
5. «مفظعات» من مادة «فظع» على وزن جزع بمعنى الاخافة ومفظعات الأمر شدته، وتطلق على الحوادث العظیمة التی تخیف الإنسان. 

 

القسم الثالث القسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma