العالم بالخفایا والأسرار

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثالث القسم الثانی

یتحدث الإمام(علیه السلام) هنا أیضاً عن صفات اللّه ذات الصلة بأوضاع الناس ومصائرهم کمقدمة للوعظ والنصح فقال(علیه السلام): «قسم أرزاقهم»، طبعا المراد بتقسیم الارزاق تقیسمها على ضوء السعی والعمل والاجتهاد، لا أنّ اللّه ضمن ایصال رزق کل فرد إلى باب بیته دون حساب، وان حصل الإنسان أحیاناً على رزق (مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ) إلاّ أنّ هذا لیس أصلاً وقانوناً، والأصل والقانون هو السعی والجد والاجتهاد والعمل والابداع. بعبارة اُخرى فانّ الرزق رزقان; یتوقف أحدهما على السعی والعمل وبدونهما یحرم منه، والآخر حتمی یصل إلى الإنسان سعى إلیه أم لم یسع. والأساس هو القسم الأول. وقد أشارت بعض الروایات إلى القسمین کقول أمیرَالمؤمنین(علیه السلام): «إن الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق یطلبک»( 1) والجدیر بالذکر أنّ الأرزاق لاتفسر بالماء والغذاء فقط، بل تشمل کافة النعم المادیة والمعنویة. فقد قسم اللّه سبحانه العلم والإیمان والمقام والجاه والموقع الاجتماعی وما إلى ذلک على ضوء الجهود والحرکة، مع ذلک هنالک بعض الحالات التی تتجاوز عالم الأسباب لتشیر إلى قدرة مسبب الأسباب فتخیب نتیجة هذا السعی وتنجح تلک دون سعی وجهد، إلاّ أنّ هذه اُمور استثنائیة مختصة به سبحانه ثم قال(علیه السلام): «و أحصى آثارهم وأعمالهم، وعدد أنفسهم، وخائنة أعینهم، وما تخفی صدورهم من الضّمیر» ولیس هذا فقط فحسب بل «ومست قرّهم ومس تودعهم من الأرحام والظّهور، إلى أن تتناهى بهم الغایات» ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ المراد بالاثار یعنی آثار وطئهم فی الأرض، کما فسرها البعض الآخر بما یبقى من الإنسان فی العالم. وفسروا عدد الأنفس بعدد الناس فی کل زمان ومکان، کما فسرت بعدد الأنفاس (و یصح هذا التفسیر إذا کانت العبارة فی النسخة أنفاس، کما نقل ذلک بعض شرّاح نهج البلاغة وهو الانسب لما قبل هذه العبارة وما بعدها). أمّا المراد بخیانة العین النظر الحرام، أو غمز الآخرین من أهل العفة والحیاء. وأمّا العبارة «وما تخفی صدورهم» فهى إشارة إلى النیات الحسنة والقبیحة والطاهرة والفاجرة والعقائد المختلفة. والمستقر رحم المرأة الذی تستقر فیه نطفة الرجل والمستودع صلب الرجل الذی یضم النطفة قبل إنتقالها إلى الرحم. والعبارة: «إلى ان تتناهى بهم الغایات» أی إلى أن یحشروا فی القیامة، ولایصح ما ذهب إلیه بعض الشرّاح من تفسیرها بالجنّة والنار لعدم انسجامها والعبارات السابقة. عل کل حال فالعبارات تشیر إلى علمه سبحانه بسبعة اُمور عن الإنسان، من قبیل الأعمال والحرکات والعین والأنفاس والعقائد والنیات ومنذ ظهور النطفة فی صلب الرجل إلى إنتقالها إلى رحم الامُ مروراً بالولادة ومراحل الحیاة وأخیرا الموت، لیعلم الإنسان بأنّه فی عین اللّه على کل حال فیلتفت إلى أعماله وحرکاته وسکناته. والحق أنّ کلماته(علیه السلام) إنّما تستد إلى الآیات القرآنیة الکریمة، کالایة: (وَنَکْتُبُ ما قَـدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَکُلَّ شَیء أَحْصَیْناهُ فِی إِمام مُبِین)(2) والآیة: (یَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْیُنِ وَما تُخْفِی الصُّدُورُ)(3) والآیة: (وَیَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها کُلٌّ فِی کِتاب مُبِین)(4).


1. نهج البلاغة، الرسالة 31.
2. سورة یس / 12.
3. سورة غافر / 19.
4. سورة هود / 6. 

 

القسم الثالث القسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma