انت المنزه عن الشبیه والمثیل

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
من هم المجسمة؟ القسم الخامس

عاد الإمام(علیه السلام) هنا ثانیة إلى بیان صفات اللّه سبحانه وتعالى، محذراً من الاقتراب من وادی التشبیه، فلعل دلائل وجود اللّه فی عالم الخلقة والبحث عن آثار عظمته فی کل موضع من مواضع هذا العالم توسوس للإنسان أن یعتقد ببعض الصفات للّه على غرار صفات مخلوقاته، حتى أنّه لیسقط فی مطب التجسیم على اللّه، لیراه جسماً کسائر مخلوقاته.

ومن هنا ابتهل الإمام(علیه السلام) إلى اللّه قائل: «فاشهد أن من شبهک بتباین أعضاء خلقک وتلاحم(1) حقاق(2) مفاصلهم المحتجبة لتدبیر حکمتک، لم یعقد غیب ضمیره على معرفتک، ولم یباشر قلبه الیقین بأنه لا ند لک، وکأنه لم یسمع تبرؤ التابعین من المتبوعین إذ یقولون تاللّه إن کنا لفى ضلال مبین إذ نسویکم برب العالمین».

فهذه العبارات إشارة واضحة إلى ضلال المجسمة أو المشبهة وشرکهم وکفرهم، حیث جعلوا اللّه جسماً ذا أعضاء وید ورجل وعین واذن فهووا وافی وادى التشبیه لیروه سبحانه مخلوقاً ضعیفاً وعاجزاً فانیاً، حتى عبر عنهم القرآن فی الآیة الشریفة بأنّهم على ضلال مبین.

والعبارة: «من شبهک بتباین أعضاء خلقک» إشارة إلى من له جسم، وجسمه مرکب من أعضاء مختلفة. والعبارة: «تلاحم حقاق مفاصلهم» إشارة إلى الإرتباط السائد بین الأعضاء وبناء على هذا فانّ أعضاء البدن منفصلة عن بعضها البعض ومنظمة مع بعضها أیضاً، وهذا من حکمة اللّه فی خلقه المخلوقاته، بحیث لولا اشتماله على الأعضاء المختلفة لتحددت أعمالها، کما لو کانت منفصلة تماماً لتعذر تعاضدها وتعاونها فی القیام بانشطتها وفعالیاتها. کما أنّ البارئ بحکمته ولطفه قد أخفی هذا الإرتباط بین الأعضاء تحت طبقات اللحم لیصونها من مختلف الحوادث الخارجیة. ولا یمکن تصور هذا الأمر إلاّ فی عالم الخلیقة، تعالى اللّه عن ذلک علواً کبیراً، فهو منزه عن الأجزاء والأعضاء ولایحتاج إلى الجسم.

فالإمام(علیه السلام) یشیر إلى أنّ هؤلاء الأفراد الجهال قد إصیبوا بثلاثة انحرافات: الأول: عدم معرفتهم الحقیقیة لله، الثانی: عدم اعتقادهم بوحدانیته، الثالث: أنّهم لم یسمعوا آیات القرآن ولم ینفتحوا على تعلیمات هذا الکتاب السماوى، ومن هنا شهدوا على أنفسهم بأنّهم (فِی ضَلال مُبِـین). أمّا یوم القیامة حین ترفع الحجب وتتضح الحقائق سرعان ما یقفون على خطأهم، فیتبرأ التابع من المتبوع ویلعن بعضهم بعضا ولا یملکون سوى الندم والخجل یوم لا ینفع الندم; الأمر الذی ورد بشکل صریح فی هذه الخطبة.

الجدیر بالذکر أنّ الإمام(علیه السلام) قد نسب کلامه السابق إلى الناس، ثم انتقل هنا إلى اللّه; الأمر الذی ینبه إلى خطورة القضیة التی حذر منها لأنّ التأمل فی الکلام یتوقف على درجة ومکانة المخاطب فکیف به إذا صدر من المشفق. ثم واصل(علیه السلام) الحدیث عن طائفة اُخرى من المنحرفین ـ أی المشرکین والوثنیین الذین یعدون جزء من المشبهة ـ فقال «کذب العادلون(3) بک، إذ شبهوک بأصنامهم، ونحلوک(4) حلیة المخلوقین باوهامهم، وجزأوک تجزئة المجسمات، بخواطرهم، وقدروک على الخلقة المختلفة القوى بقرائح (5) عقولهم» فقد نفی الإمام(علیه السلام)بهذه العبارات الرصینة القاطعة ـ والتی بینت بأربع صور ـ کافة أنواع الشرک والتشبیه للّه سبحانه بمخلوقاته، وتحذر الجمیع من السقوط فی مستنقع الشرک و التشبیه، إلى جانب تعیین الحد الفاصل بین توحید الموحدین وشرک المشرکین. فقى العبارة الاولى نفی التشبیه بالأصنام.

والعبارة الثانیة صرحت ببطلان اضفاء صفات الزینة للمخلوقات على اللّه (من قبیل وصفه من بعض الجهال بأنّه فتى جمیل أمرد له شعر مجعد).

والعبارة الثالثة التی تنفی عنه الترکب من الأجزاء والأعضاء من قبیل الید والرجل.والعبارة الرابعة سذاجة الاعتقاد باتصافه بمختلف الحواس (التى لمخلوقاته) من قبیل الباصرة والسامعة والشامة وهکذا تتحطم معاقل الشرک من مختلف الجوانب.


1. «تلاحم» من مادة «لحم» بمعنى الاتصال، شبیه اتصال عضلات الجسم.
2. «حقاق» جمع «حقه» وهو رأس العظم عند الفصل.
3. «عادل» مادة «عدل» على وزن قشر بمعنى المعادل والشبیه والنظیر والعادلون بک الذین عدلوا بک غیرک، أی سووه بک وشبهوک به.
4. «نحلوا» من مادة «نحل» بمعنى الهبة والعطیة، وحلیة المخلوقین صفاتهم الخاصة بهم من الجسمانیة وما یتبعها.
5. «قرائح» جمع «قریحه» تعنى فی الأصل أول ماء یسحب من البئر، ثم اطلقت على النتاجات الفکریة والذوقیة للإنسان. 
من هم المجسمة؟ القسم الخامس
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma