مدبرات الاُمور

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الخامس عشرالقسم الرابع عشر

تطرق الإمام(علیه السلام) إلى سائر أصناف الملائکة بعد أن فرغ من صفة ملائکة الوحی، فقال(علیه السلام): «ومنهم من هو فی خلق الغمام الدلح(1) فی عظم الجبال الشمخ(2)، وفی قترة(3) الظلام الأیهم(4)»، الدلح جمع دالح تعنی السحاب المثقل بالماء، وشمخ جمع شامخ بمعنى المرتفع، وقترة تعنی هنا الخفاء والبطون، وأیهم بمعنى اللیالی الدامسة التی لایهتدى فیها. فالذی یبدو أن مراد الإمام(علیه السلام)الملائکة الموکلة بالسحب الممطرة والجبال المرتفعة والظلمات، حیث لکل منها سهم فی تدبیر هذا العالم، وهو ما أشار إلیه القرآن الکریم فی الآیة الخامسة من سورة النازعات، حیث عبر عن هذه الملائکة بالقول (فَالْـمُدَبِّراتِ أَمْر)، کما احتمل أن یکون لهذا الصنف من الملائکة دور فی ایجاد تلک السحب والجبال والظلمات ـ على کل حال فانّ مأموریة هذا الصنف من الملائکة هى مأموریة تکوینیة ـ على الخلاف من ملائکة الوحی حیث لهم مأموریة تشریعیة. ثم تطرق(علیه السلام) إلى صنف آخر من الملائکة فقال(علیه السلام): «ومنهم من قد خرفت أقدامهم تخوم(5) الأرض السفلى، فهى کرایات بیض قد نفذت فی مخارق(6) الهواء، وتحتها ریح هفافة(7)، تحبسها على حیث من انتهت من الحدود المتناهیة» وتشبه هذه العبارة ما أورده الإمام(علیه السلام) فی الخطبة الاولى من نهج البلاغة التی قال فیه: «ومنهم الثابتة فی الأرضین السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العلیا أعناقهم»، طبعاً هذه العبارات إنّما تشیر على سبیل الکنایة إلى رفعة هذا الصنف من الملائکة وسمو مکانته، واننا لاندرک سوى شبح عنها، وذلک لأننا لانمتلک المعلومات الکافیة عن خلقها. ولا یتسنى إدراک حقیقة هذه التعبیرات بصورة تامة سوى لعلی(علیه السلام)وسائر المعصومین(علیهم السلام) الذین رفعت عنهم الحجب، وما علینا إلاّ القناعة والاکتفاء بهذا العلم الإجمالی. ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه فی وصف هؤلاء الملائکة فقال(علیه السلام): «قد استفرغتهم أشغال عبادته، ووصلت حقائق الإیمان بینهم وبین معرفته، وقطعهم الایقان به إلى الوله(8) إلیه، ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غیره»، فالعبارات الأربع مرتبطة مع بعضها البعض الآخر قطعا، فالاشتغال بالعبادة سبب لتقویة الإیمان ورسوخه، کما أنّ قوة الإیمان تنتهی إلى الحب والعشق، فاذا ملأحبّه کیان الإنسان أو الملک، لم یدعه یفکر فی غیره ولایطمع إلى ما عند سواه. فقد ورد فی الخبر عن الإمام الصادق(علیه السلام)أنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)قال: «أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها، وأحبّها بقلیه، وباشرها ؟، وتفرغ لها; فهو لایبالی على ما أصبح من الدنیا على عسر، أم على یسر»(9)، وواضح أن عبادة الملائکة لاتصدهم عن مأموریتهم فی تدبیر شؤون العالم ـ بأمر الله ـ ولاعبادة أولیاء الله تصدهم عن تدبیر دینهم و دنیاهم و وظائفهم الفردیة و الإجتماعیة فکل أمورهم إنّما تنعبث من حبهم وعشقهم الحق سبحانه وتعالى و السیر على طاعته.


1. «الدلح» جمع «دالح» من مادة «دلوح» بمعنى السحب الملیئة بالمطر، وکأنّها تتحرک ببطئى لثقلها (لأن أصلها الغوى یعنى بطئى الحرکة).
2. «شمخ» جمع «شامخ» من مادة «شموخ» بمعنى العلو والرفعة ومن هنا یطلق الشامخ على الجبل المرتفع.
3. «قترة» بمعنى ضیق وانضمام شىء إلى آخر، ولما کانت شدة الظلمة کذلک وکان الظلمات قد انضم بعضها الى بعض وتراکمت، اطلق علیها هذه المفردة.
4. «أیهم» تعنی فی الأصل المجنون وناقص العقل ویقال للصحراء القاحلة فلاة کما تطلق على الظلام فیقال «الظلام الأیهم» أی لایرى فیه کوکباً.
5. «تخوم» جمع «تخم» تعنی فی الأصل الحد، وتخوم الأرض اعماقها.
6. «مخارق» جمع «مخرق» من مادة «خرق» على وزن خلق. بمعنى موضع الخرق، ومخارق الهواء الشقوق بین طبقات الهواء.
7. «هفافة»، الریح التی تتحرک بسرعة. وقیل هفافة بمعنى الطیبة الساکنة، إلاّ أنّ هذا المعنى لایبدو مناسباً للعبارة المذکورة، ولایستبعد ادغام المعنیین فی مفهوم واحد وهو الریح السریعة المنتظمة.
8. «وله» تغنی الحیرة من شدة الحزن حتى یفقد صاحبها عقله، ثم اطلق على العشق المفرط الذی یسلب الإنسان استقراره.
9. الکافی 2/83، ح 3، باب العبادة. 
القسم الخامس عشرالقسم الرابع عشر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma