خصائص الملائکة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
الناس والملائکةالقسم الخامس عشر

تحدث الإمام(علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة بصورة أعمق عن صفات الملائکة ومقام معرفتهم وعشقهم لله سبحانه و درجات عبادتهم وخضوعهم وخشوعهم. فقد أشار فی الواقع إلى ثلاث من الصفات بعبارات رائعة مختلفة، تعرض فی العبارة الاولى إلى مقام الملائکة الرفیع فی المعرفة وکأنها أسکرت عقولهم وجوارحهم فملأتها حبا وعشقا لله. کما تعرض فی العبارة الثانیة إلى الطاعة المتواصلة بفضلها الولیدة الطبیعیة لهذه المعرفة وأخیراً العبارة الثالثة التی تفید خلو هذه الطاعة المستمرة من الکلل والملل والتعب والفتور والعجب. کأنّ الإمام(علیه السلام)دعا الناس للاقتداء بها واحتذاء طریقتها فی المعرفة والعبودیة والاخلاص. فقال(علیه السلام): «قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالکأس الرویة(1) من محبته، وتمکنت من سویداء(2) قلوبهم وشیجة(3) خیفته» تفید العبارة: «قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالکأس الرویة من محبته» أنّ الملائکة قد إنفتحت على معرفة الله وحبّه بکل کیانها حتى نفذ إلى سویداء قلوبها، کما تفید مفردة تمکنت أنّ خوف الله قد تجذر فی أعماق قلوبها بحیث وظّف هذا الخوف والرجاء کل قواها فی سبیل طاعة الله; وذلک لأنّ الحب والأمل دون الخوف یسوق الإنسان إلى الغفلة والغرور، کما أن الخوف دون الحب والأمل یقوده إلى الیأس والقنوط. من هنا قال الإمام(علیه السلام)عقب تلک الصفات: «فحنو(4) بطول الطاعة اعتدال ظهورهم» فهم دائما على أتم الخضوع وکمال التسلیم لله. مع ذلک فان رغبتهم المتفاقمة فی عبادته وکثرتها لم تسلبهم حالة التضرع والخشوع (فلم یتطرق الیها التعب والارهاق) «ولم ینفذ طول الرغبة إلیه مادة تضرعهم» لا کالأفراد من عدیمی المعرفة الخالین من معانی الحب والعشق والخوف والرجاء الذین تتعبهم أدنى عبادة وتسلبهم الرغبة والاقبال علیها. ثم أشار(علیه السلام) إلى نقطة مهمّة اُخرى: «ولا أطلق عنهم عظیم الزلفة(5) ربق(6) خشوعهم، ولم یتولهم الاعجاب فیستکثروا ما سلف منهم ولا ترکت لهم استکانة(7) الاجلال نصیبا فی تعظیم حسناتهم»، فهناک نقطة لطیفة کامنة فی هذه العبارة أشار إلیها بعض شرّاح نهج البلاغة وهى أنّ من یقترب من الملوک والسلاطین والشخصیات التی تبدو رفیعة وعظیمة سرعان ما یکتشف أن قدرتهم و شوکتهم قاصرة زائلة مهما بدت کبیرة، وبامکان مقربیهم أن یبلغوا هذه القدرة یوماً ما، بل حتى أعظم منها. وهذا ما یؤدی بدوره إلى الحد من تواضع الآخرین وخضوعهم وطاعتهم لهم، فانّ اضطروا إلى تعظیمهم ظاهراً، لم یروا لهم مثل هذه العظمة باطناً. أمّا الملائکة فعلى العکس کلما اقتربت فی مسیرتها من الله تکشفت لها حقائق جدیدة عن عظمته المطلقة، فیروا فیه ملامح جدیدة من صفات الجمال والجلال. من هنا یزدادون له خضوعاً وخشوعاً وتواضعاً کل یوم، فلا یبقى أمامهم من مجال للاعجاب بالحسنات وإکبارها، بل یرون أنفسهم مقصرین على الداوم تجاهه. ثم واصل الإمام(علیه السلام)کلامه باماطة اللثام عن هذه الحقیقة وهى عدم کلل الملائکة عن عبادته، ولیس للفتور من سبیل إلیها، کما لیس هناک ما یصدها عن مواصلة مسیرتها العبادیة، بل هى دؤوبة على العبادة بدافع من عشقها وإرادتها وعزمها، على غرار الإنسان الذی لایکل عن استنشاق الهواء الطلق طیلة عمره وإن امتد لالاف السنین. ثم تناول الإمام(علیه السلام) هذه المسألة من مختلف الجوانب بثمان عبارات. فقال فی العبارة الاولى: «ولم تجر الفترات فیهم على طول دؤبهم»(8) کما قال سبحانه وتعالى فی محکم کتابه العزیز واصفاً الملائکة: (یُسَـبِّحُونَ اللَّـیْلَ وَالنَّهارَ لا یَفْتُرُونَ)(9) ثم قال (علیه السلام) فی العبارة الثانیة: «ولم تغض(10)رغباتهم فیخالفوا عن رجاء ربّهم»، وذلک لأنّ عشقهم للکمال دائمی لایتوقف، وعلمهم متزاید بربهم ـ وبناءاً على هذا فلیس هنالک ما یدعو إلى غفلتهم عن العبادة، أو یقلل من أملهم. وقال فی العبارة الثالثة أن طول مناجاتهم لم تجف ألسنتهم وتعجزها عن العبادة: «ولم تجف لطول المناجاة أسلات(11) ألسنتهم»، طبعاً لیس هنالک لساناً وفما للملائکة کما لدینا، بحیث تقل رطوبته بفعل کثرة الذکر والمناجاة فیصیبه الجفاف والیبس، بل العبارة کنایة لطیفة عن عدم ضعفهم وفتورهم فی تسبیحهم وتضرعهم لله سبحانه وتعالى، ثم قال(علیه السلام) فی العبارة الرابعة: «ولاملکتهم الاشغال فتنقطع بهمس(12) الجؤار(13)، إلیه أصواتهم»، فالواقع لیس لهؤلاء من عمل سوى العبادة والطاعة والعبودیة، وهذه الاُمور جزء لایجتزأ من ذواتهم ووجودهم وإیمانهم. ولیس لهذه الاُمور أن تخلق أی تعب أو ملل، کالقلب المعافى الذی لایشعر بالتعب ولو عمل لسنین، وقال(علیه السلام) فی العبارة الخامسة: «ولم تختلف فی مقاوم(14) الطاعة مناکبهم»، ثم أردفه(علیه السلام)بالقول بعدم خلودهم إلى الراحة لیؤدی بهم ذلک إلى التقصیر فی القیام بمهامهم: «ولم یثنو(15) إلى راحة التقصیر فی أمره رقابهم» فهم على أهبة الاستعداد للعبادة على الدوام. ثم اختتم ذلک بقوله(علیه السلام): «ولاتعدوا على عزیمة جدهم بلادة الغفلات، ولاتنتضل(16) فی هممهم خدائع الشهوات»، حقاً أنّ وجودهم خال من أیة شهوة وغفلة، ولهم ایمان وحب لخالقهم على درجة من القوة والرسوخ بحیث لایتسلل إلیهم التعب والملل أبداً فی مسیرتهم العبادیة وطاعتهم لربّهم.


1. «رویة» من مادة «ری» على وزن طی التی تروى منه العطش، وکأس رویة کنایة عن الظرف المملوة الذی یروی العطشان بصورة تامة.
2. «سویداء» تصغیر «سوداء» من السواد، و هى حبة صغیرة فی القلب تشکل مرکزه حب اعتقاد القدماء.
3. «وشیجة» من مادة «وشج» أصلها عرق الشجرة وإراد بها هنا بواعث الخوف من الله.
4. «حنو» من مادة «حنو» على وزن حذف بمعنى الالتواء والانحناء.
5. «زلفة» من مادة «زلف» على وزن ضعف بمعنى القربى، و«زلفه» و«زلفى» بمعنى المقام والمنزلة والقرب.
6. «ربق» جمع «ربقه» حبل فیه عدة عرى تربط فیه البهم، ثم اطلقت على الرابطة المحکمة بین شىء وأخر، وقد وردت هنا بهذا المعنى.
7. «إستکانة» من مادة «سکون» تأتی بمعنى الخضوع والتواضع فی هذه الموارد. قیل من باب إفتعال من مادة سکون، وقیل من باب استفعال من مادة کون وهى أیضاً بمعنى السکون فی مکان مع الخضوع والخشوع.
8. «دؤوب» مصدر بمعنى الدوام والاستمرار والسعی والجهد إلى حد التعب والارهاق.
9. سورة الأنبیاء/20.
10. «تغض» من مادة «غیض» بمعنى تنقص و تقل. و أشارت فی العبارة إلى عدم قلة رغبة الملائکة بطاعة الله و عبادته.
11. «أسلات» جمع «أسله» بمعنى طرف اللسان، وتطلق على من لایکل عن الذکر ولایجف لسانه.
12. «همس» على وزن لمس، الخفی من الصوت.
13. «جؤار»، الصوت المرتفع، وقد ورد فی العبارة بمعنى رفع صوت الملائکة بالتضرع وعدم الکف عن المناجاة.
14. «مقاوم»، قال شرّاح نهج البلاغة مقاوم جمع مقام بمعنى الصفوف وإن لم تعشر على مثل هذا الجمع 2فی المصادر اللغویة.
15. «یثنوا» من مادة «تثنی» بمعنی الطی وأن أطلقت على المدح فلأنها تعدد صفات الشخص البارزة الواحدة بعد الأخرى.
16. «تنتضل» من مادة «نضال» ترمی السهام. 
الناس والملائکةالقسم الخامس عشر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma