«ثُمَّ لَمْ یَدَعْ جُرُزَ الأَرْضِ الَّتِی تَقْصُرُ مِیَاهُ الْعُیُونِ عَنْ رَوَابِیهَا، وَلاَ تَجِدُ جَدَاوِلُ الأَنْهَارِ ذَرِیعةً إِلى بُلُوغِهَا، حَتَّى أَنْشَأَلَهَا نَاشِئَةَ سَحَاب تُحْیِی مَوَاتَهَا، وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْد افْتِرَاقِ لُمَعِهِ، وَتَبَایُنِ قَزَعِهِ، حَتَّى إِذَا تمخضت لُجَّةُ الْمُزْنِ فِیهِ، وَالْتَمَعَ بَرْقُهُ فِی کُفَفِهِ، وَلَمْ یَنَمْ وَمِیضُهُ فِی کَنَهْوَرِ رَبَابِهِ، وَمُتَرَاکِمِ سَحَابِهِ، أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِکاً، قَدْ أَسَفَّ هَیْدَبُهُ، تَمْرِیهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِیبِهِ، وَدُفَعَ شَآبِیبِهِ. فَلَمَّآ أَلْقَتِ السَّحابُ بَرْکَ بِوَانَیْهَا، وَبَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ المَحْمُولِ عَلَیْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الأَرْضِ النَّبَاتَ، وَمِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الأَعْشَابَ، فَهِی تَبْهَجُ بِزِینَةِ رِیَاضِهَا وَتَزْدَهِی بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَیْطِ، أَزَاهِیرِهَا، وَحِلْیَةِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا، وَجَعَلَ ذلِکَ بَلاَغاً لِْلأَنَامِ، وَرِزْقاً لِْلأَنْعَامِ، وَخَرَقَ الْفِجَاجَ فِی آفَاقِهَا، وَأَقَامَ المَنَارَ لِلسَّالِکینَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا».