هل رزق کل إنسان مقدر؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثانی والعشرونالرزق وسیلة الامتحان

لا یستفاد من عبارات هذه الخطبة تقدیر رزق الإنسان فحسب، بل یستفاد ذلک من أغلب الآیات القرآنیة الواردة بهذا الشأن، فقد طالعتنا مختلف المصادر الإسلامیة بأنّ سعة الرزق أوضیقه إنّما هى خاضعة لإرادة الله ومشیته بغیة اختبار العباد وتمحیصهم. بعبارة اُخرى: لقد منح الإنسان ما یوافق مصلحته. وهذا الأمر یثیر عدّة أسئلة منها: أولاً: إذا کان الأمر کذلک، فما معنى السعی والجهد من أجل الرزق.

ثانیاً: إنّ مثل هذا الاستنتاج یؤدی إلى سکون الأنشطة الاجتماعیة وتخلف المجتمعات البشریة; المجتمعات التی ینبغی أن تعیش حالة النشاط والمثابرة بغیة عدم تخلفها عن سائر المجتمعات ولاسیما غیر الإسلامیة، فقد صرح القرآن الکریم بهذا الشأن قائلاً: (نَحْنُ قَسَمْنا بَیْنَهُمْ مَعِـیشَتَهُمْ فِی الحَیاةِ الدُّنْیا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجات)(1)، إلاّ أنّ الإجابة على السؤال المذکور وردت فی الروایات الإسلامیة، بحیث لایبقى من مجال للغموض إذا تأملناها بأجمعها، فقد جاء فی کلمات أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام) فی نهج البلاغة: «إنّ الرزق رزقان; رزق تطلبه، ورزق یطلبک، فان أنت لم تاته أتاک»(2).

والواقع کذلک فالقسم الأعظم من الرزق یتطلب سعی الإنسان وجهده وتوظیفه لکافة إمکاناته واستعداداته وطاقاته ولیس له الظفر به دون ذلک، إلاّ أنّ القسم الآخر من الرزق یأتی إلى الإنسان دون السعی إلیه، لیدل الإنسان على أن السعی والجهد و إن کان أصلا مسلما إلاّ أنّ رازقیة الله لا تقتصر على ذلک، فلابد من التوجه إلى الله وطلب الرزق منه.

من جانب آخر جاء فی الخبر أن من بین الأدعیة التی لاتستجاب دعاء الإنسان الصحیح الذی لزم بیته و قعد عن السعی و هو یدعو الله: اللهم إرزقنی فتنادیه الملائکة بان دعائک لیس بمستجاب، قم و إعمل. فقد ورد فی الروایة أن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «أربع لایستجاب لهم دعاء: الرجل جالس فی بیته، یقول: یارب ارزقنی! فیقول له: ألم آمرک بالطلب».(3)

أضف إلى ذلک فانّ التقدیرات الإلهیة فی أغلب الموارد إنّما تنسجم وتدبیرنا وتخطیطنا، أی أنّ الله قدر سهما وخیرا لمن سعى وبذل جهده، بینما قدر أقل من ذلک لمن تقاعس وکسل. فهذا الانسجام بین التقدیر والتدبیر یعد اجابة واضحة لاولئک الذین یستسلمون للکسل والخنوع والخمول، ویفرون من الواقع تحت ذریعة التقدیر.

وناهیک عما تقدم فمما لا شک فیه أن الناس لیست سواسیة فی الاستعداد البدنی والفکری والإدارة الاقتصادیة والقدرة على العمل وتوظیف الإمکانات المتاحة; وهدا بدوره ما أدى إلى تفاوت الأرزاق. وعلیه فلیس من الصواب بعد کل هذا التصور أن یتساوی الرزق عل کافة الأفراد بغض النظر عما سبق، فهذا من قبیل توقع تساوی جمیع أعضاء البدن و العظام و العضلات، فی حین لکل عضو وظیفته فی هذا البدن و قدرته بقدر نشاطه، فعالم البشریة کالبدن یختلف فی رزقه على أساس إختلافه فی سعیه و جهده. والنتیجة التی نخلص إلیها: هو أن تقدیر الرزق الذی ورد فی هذا الخطبة، إنّما هو إشارة لما استعرضناه آنفا; الأمر الذی لایتنافى قط ومفهوم العدالة، بل هو عین العدالة والحکمة.


1. سورة الزخرف/32.
2. نهج البلاغة، الرسالة 31.
3. میزان الحکمة 2 / ح 5701. 
القسم الثانی والعشرونالرزق وسیلة الامتحان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma