أشار الإمام(علیه السلام) فی ختام هذه الخطبة الفصیحة والبلیغة النافذة إلى نقطتین تکملان البحث السابق:
الاولى: الإشارة إلى الموت الذی یدعو ذکره إلى یقظة الإنسان من سباته وغفلته: «ألا فاذکروا هادم اللذات، ومنغص(1) الشهوات، وقاطع الامنیات، عند المساورة(2) للأعمال القبیحة».
فقد وصف الإمام(علیه السلام) الموت هنا بثلاث: الأول: أنّه هادم اللذات; لأن أغلب الناس یفنون أعمارهم لیوفرا لأنفسهم العیش الهنیئ واللذیذ، بالضبط فی الوقت الذی تهجم فیه الأمراض على الإنسان وتردیه میتاً. أضف إلى ذلک کثیراً ما تشاهد مجالس السرور واللذة وقد تعکرت وتبدلت عزاءا إثر بعض الحوادث، والعجیب لیس هنالک من ضمانة لأحد بعدم وقوع هذه الحوادث.
الثانی: منغص الشهوات; لأن الموت ـ الذی لیس له من زمان معین ولا یمکن التکهن به قط ـ یهجم على الإنسان فی تلک اللحظة التی ینعم فیها بالشهوات.
الثالث: قاطع الامنیات; فامانی الإنسان کثیرة طویلة لاتعرف الحدود ولا یقطعها ویعطلها سوى الموت. فهذه العبارات على درجة من القوة. بحیث تؤثر على کل إنسان. و الرائع أنه قال «الا فاذکروا هادم اللذات... عند المساورة للأعمال القبیحة» إشارة إلى أن القبائح کثیرا ما تتزین بحیث یهجم علیها الإنسان کالوحش الذی ینقض على فریسته ـ ففی هذه اللحظة یمکن أن یصده عن ذلک ذکر الموت.
ثم أوصى(علیه السلام) بذکر نعم الله التی تحول دون ارتکاب الذنوب على أنها العامل الثانی الذی یصد عن المعاصى «واستعینوا الله على أداء واجب حقه، وما لا یحصى من أعداد نعمه وإحاسنه».
فشکر المنعم لایؤدی إلى معرفة الله فحسب، بل یلعب دوراً مباشراً فی دفع الإنسان لاداء الواجبات وترک المحرمات.